في اهمّ سمات المشهد السياسي السوري الراهن

نزار بعريني. 

أن نشعر بالتشاؤم أو التفاؤل هي حالة وجدانية، شخصية، قد لا تكون قائمة على وعي  حقيقة الواقع، ومعطياته ! 
أمّا عندما يريد البعض قراءة الواقع من خلال مشاعره، فنكون أمام مشكلة في  الوعي السياسي!! 
    في جديد المشهد السياسي السوري، يمكن للمتابع ملاحظة ما بدأت  تقدّمه” الاجهزة” الأمريكية المختّصة من  وعود، وتنعشه من آمال عند الرأي العام السوري – خاصّة عند تلك الشريحة من النخب السياسيّة والثقافيّة “الخبيرة “في قراءة لغة ” الدعاية ” الأمريكية، التي تعبّر عنها بأدوات مختلفة، داخلية مباشرة، او عبر اطر دولية، تجيدُ تجييرها، لنقل ما تريد ايصاله الى الرأي العام السوري!!
تُسارع أقلام وأبواق النخب -المتخصصة بتحويل تلك الرسائل إلى أوهام، وأمال كاذبة ؛يتعيّش عليها السوريون فترة محددة، ثمّ تبدأ بالتلاشي تدريجيّا، دون أن تترك حالات وعي معاكس- لإلتقاط الإشارات الأمريكية، وتحويلها الى سيناريوهات سياسية !!
اليوم يروّجون لعودة امريكيّة فاعلة( بعد أن روّجوا بالسابق إلى حالة تراخي استراتيجي، سمح للبعض باستغلال غياب القط الأمريكي !!)، قد تحقق لهم، ما كذّبت به وعود ” الصديق ” أوباما، الذي ” تراجع  باللحظة الأخيرة” !! 
معادلتهم ساذجة، وسطحية :
” طالما يتصارع الروس والأمريكان  في اوروبا ، فمن الطبيعي ان تنتهي حالة ” الهدنة ” بينهما في سوريا، وتبدأ الولايات المتحدّة تأجيج ادوات حربها على روسيا ، وهي فرصتهم الذهبية، وما على النخب والمعارضات سوى ” رصّ الصفوف “، لاّن غياب تمثيل سوري بديل، كان اهمّ الاسباب الذي سبب ” عدم حسم موقف ” واشنطن تجاه النظام !! 
يتجاهل هذا الشكل  من ” الوعي” الهجين حقيقة المصالح التي صنّعت الواقع السياسي الراهن في سوريا “الحديثة”، والراهنة :
١-مصلحة استراتيجية أمريكية في تسيّد انظمة معادية للديمقراطية،….. ومنع حدوث تغيير سياسي ، يُغيّر سلطات و اركان  تلك النظم القائمة، كنظم معادية للديمقراطية، شكّلت تاريخيّا افضل ادوات تحكّمها بالمنطقة.
٢-مثّلت سلطة النظام السوري أكثرها قدرة على ادراك طبيعة  المصالح  الأمريكية، على الصعيدين الداخلي والإقليمي، ومارست أنجع  وسائل تحقيقها  !
٣ -واقع تعزز  الشراكة والسيطرة الأمريكية الإيرانية  في مرحلة ” تصدير الثورة “، وكان لنجاح أذرع  مشروعهما  المشترك في حكم العراق اهمّ عوامل  منع تغيير سلطة النظام، وقدّ رفدت ميليشياته  بأكثر أذرع الثورة المضادة تدميرا للثورة – داعش وميليشيات الحشد الشعبي !! 
٣-دخول روسيا في الصراع العسكري ، وبغضّ النظر عن اسباب القيادة الروسية الخاصّة، كان حاجة أمريكيّة ايرانية بالدرجة الأولى، وقد عزز ادوات وسياسيات سيطرتهما المشتركة، وليس على حسابها ؛ و كانت حماية سلطة النظام  النتيجة الرئيسية لوجود روسيا حتّى اليوم. 
٤- ما وصلت اليه النخب السياسيّة والثقافيّة السورية المعارضة – المعترف بها ” رسميّا “( أمريكيا روسيا ) او ” المهمّشة ( احتياط)،أو  في قيادات ” أذرع الثورة المضادة ” وسلطات الأمر الواقع- من ضعف وارتهان وتبعية، افقدها القدرة على القيام بأدنى ادوار العمل الوطني الديمقراطي، هو بالدرجة الأولى إرادة أمريكية، ويتوافق مع المقاصد النهائية لسياسات واشنطن وموسكو، المتوافقة على  الحفاظ على سلطة النظام القائم، وما قدّمته  الانظمة الإقليمية في هذا الإطار ( خاصّة انظمة الخليج )، يؤكّد ذلك !
 
الاستنتاجات الموضوعية  :
١-ليس لإيران وأمريكا مصلحة في استغلال الحرب في أوروبا لإضعاف الوجود الروسي في سورية ؛ وقد تقتصر الحاجة إلى بعض اوراق الضغط، التي لن تصنع  فرقا مهمّا لصالح مسار التغيير، أو على  وقائع  المشهد السياسي والعسكري القائم منذ ٢٠٢٠!!
٢-الحرب في اوروبا، واستخدام الولايات المتحدة لسلاح الطاقة، كسلاح رئيسي في مواجهة الروس، قد يفرض على الأمريكان والإيرانيين  اخراج بعض جوانب  العلاقات السرّية بينهما إلى العلن، عبر التوافق على مسرحية ” الملف النووي”؛وهي  حاجةأمريكيّة بالدرجة الأولى للغاز الايراني، لتعويض اوروبا عن بعض  نقص الواردات الروسية ؛ كأهم وسائل واشنطن  لتعميق التناقضات داخل أوروبا !!
٣-السوريون، إذن، يدخلون في مرحلة اكثر انحطاط على صعيد جهود ايجاد حلول سياسية، طالما أنّ  الموقف الايراني يسير الى محطّات أكثر قوّة، على الصعد الاقتصادية والعسكرية  والسياسية  والمعنويّة، وهو ما يقوّي بالطبع موقف السلطة  تجاه السوريين ؛ في مواجهة اصوات معارضات فاقدة للوزن السياسي، والتمثيل الشعبي، وتوّل على مسار سياسي وهمي، وفي مواجهة ملايين الجائعين والمهجّرين، واعداد لا تحصى من المغيبين والمعتقلين   !
٤-سيتعزز موقف تركيّا في سوريا أيضا، وهذا ما يؤدّي الى تعزيز اوراق القوّة التي صنّعتها-سلطات  الأمر الواقع في أدلب، وسلطة ” الجيش الوطني ” في شمال سوريا، وبالتالي ابقاء ” قسد ” وسلطة امرها الواقع في شمال شرق سوريا  كورقّة قوّة  أمريكيّة في مواجهة الجميع، وخاصّة  تركيا.
 الحصيلة النهائية ؛ تعزيز سلطات الأمر الواقع على كامل مساحة سوريا، بما يثبّت حالة الانقسام الراهنة، ويعمّق عوامل تقسيم سوريا، ويحافظ على مواقع نفوذ وحصص القوى القائمة، وفي مقدمتها الولايات المتحدّة وإيران !
سوريا، وجميع السوريين، ووحدة الدولة وسيادتها، هي الخاسر الأكبر، وسيواجه فقراء الشعب السوري المزيد من آليات النهب والتجويع والتفتيت، ولا من مغيث !! 
وجهات نظر متباينة:
● لنقرأ للدكتور “عبد القادر نعناع “، ما يبدو سيناريو الفرصة الأخيرة، رغم اقتناعه بعدم إمكانية حدوثه :
“بعيداً عن احتفالات الإخفاق بين جماعتي 15 و18:
تقدم لنا البيئة الدولية فرصة ذهبية، لم تكن تخطر ببال أحد، بل لم تكن واردة على الإطلاق. إذ كنا نتجه أكثر فأكثر إلى تثبيت نظام الأسد (رغم التعامل السوري مع الموضوع بسخرية فهي الأداة الوحيدة المتبقية لدينا)، وإعادة الشرعية له بشكل تدريجي (وبالأخص عبر عدة دول عربية).
لن أخوض في ذلك، ففيه كثير من الشروح، وامتناعي عن الخوض، رغبة مني في عدم الاصطدام بأصحاب نظرية المؤامرة، وتقديس الذات.
اليوم، أو الآن:
فرصة كبيرة، تتيحها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الغربي (الذي يفضل الناشطون اتهامهم بالمؤامرة)، من خلال ربط القضية السورية بالقضية الأوكرانية، والإصرار على إظهار فداحة جرائم  بوتين. بل حتى إن السعودية التي كانت في طريقها لمصالحة مع النظام، عادت عن ذلك وبشكل واضح.
ورغم أني لا أفضل تقديم توصيات لأحد، لأننا جميعاً “نعرف ونفهم”
إلا أنني أعتقد أن هذه هي الفرصة الأخيرة أمامنا، وإن لم نحسن استغلالها، وبقينا عند موقف اللطميات والبكاء على الذات ونظرية المؤامرة والسخرية من الآخر، سنجد أنفسنا في معتقلات النظام خلال فترة قصيرة.
لذا، علينا بداية نبذ خطاب استعداء الآخرين (العرب والغرب)، والإقرار بأننا نتحمل مسؤولية كبيرة في الإخفاق الذي جرى، نتيجة سوء الإدارة المفرط، هذا أولاً.
هذا الإقرار، هو توصيف يسمح بما بعده، وهو:
(1) تنحي كل الوجوه القيادية السابقة، أو معظمها، فقد جربناها لمدة عقد كامل، وما خرجنا منهم إلا بضياع قضيتنا كلياً. فالإصرار على هذه الشخصيات، هو تماماً كتوقع الوصول إلى نتائج مختلفة بنفس طريقة العمل.
(2) تشكيل جسم قيادي تكنوقراط، وليس مشيخات ومحسوبيات وبقايا بعثيين وشيوعيين. والإقرار له بصلاحيات حقيقة والإقرار بشرعيته من كل القوى السياسية والعسكرية أو غالبيتها.
(3) وضع هذا الجسم تحت جسم رقابي سوري (نخبوي).
(4) نبذ القوى التي ترفض هذا الإقرار.
(5) رفض كل أشكال الولاءات العصبوية: إخوان، مناطقية، يسارية، عرقية.
(6) رفض كل أشكال الولاءات النفعية: المعارضة المأجورة التابعة للدول الأخرى، والتي همها تعظيم منافعها المالية فقط.
(7) رفض مسار أستانا كلياً وما ترتب عليه، من لجنة دستورية، ولجنة تفاوضية.
( 8 ) بناء مسار تفاوضي جديد، لكن لا يمكن بناء مسار تفاوضي دون وجود مسار عسكري ضاغط.
(9) التشبيك الدولي القانوني والإعلامي والسياسي وعلى مستوى المنظمات.
(10) تقديم خطاب هوية واضح حقيقي، ليس عصبوياً، ولا إقصائياً. ورفض كل خطاب هوية مفروض من خارج الحدود، أو يقوده أجانب أو قوى متطرفة.
(11) الانفتاح على الداخل، بما يحمله ذلك من انفتاح على قوى داخل النظام، وعلى القوى الكردية، وسواها.
(12) رفض الاحتلال الخارجي الموجود في سورية، ورفض كل أشكال الميليشيات والقوى المتطرفة والمرتزقة في سورية.
(13) وضع مسودة دستور، تكون أساس اشتغالنا السياسي، وعدم انتظار القوى الإقليمية والدولية لتضع لنا دستوراً.
(14) إنجاز ذلك خلال فترة وجيزة للغاية (أشهر)، هي الفجوة الزمنية المتاحة لنا في ظل التغييرات الدولية الحادة، قبل أن تغلق هذه الفجوة في وجهنا.
ولا أظننا قادرين على ذلك.”
٢-  يستحقّ صديقنا Aram Karabet المتابعة “:
“اعتقد أن جماعة الولايات المتحدة العرب أكثر حبًا لها من الاوكرانيين، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
سيأتي اليوم الذي سيكتشف الأوكرانيين أنهم في العراء، لا سقف يضمهم ولا أرض، وأن هذا الأمريكا المخادعة رقم واحد في عالمنا، ستتركهم كما يترك العشيق اللعوب عشيقه دون وداع.
العرب، قبل خمسة وسبعين سنة ضاعت منهم فلسطين، لأن هذه المخادعة حاربتهم، كانت السبب في بقاءهم لاجئين، كما دعمت الأنظمة العسكرية طوال المدة الماضية. 
وهذا النظام العسكري الامريكي هو سبب الذل الذي نعيشه اليوم والفقر واللجوء، وضياع أوطاننا منا، مع هذا نراها حمامة السلام في أعين الكثير منّا.
الولايات المتحدة دولة عسكرية، بطقم أنيق، معاصر، بلسان واحد، رأي واحد، وجوقة واحدة وتحت راية الديمقراطية.”
٣- 
في قراءة للمشهد السياسي السوري،  أكّد الدكتور ” سمير التقي ” أنّ 
” في مرحلة التراخي في طرح استراتيجيات أمريكيّة جديدة،  قفزت بعض القوى الدوليّة والإقليمية إلى الأمام .
روسيا شعرت بأنخفاض المناعة الإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فقفزت من أجل عمليا ملء الفراغ !”
١٦-٣-٢٠٢٢

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…