د. محمود عباس
أقدمنا على التحليل والمقارنة التالية، لتبيان واقع العامل الداخلي، وهشاشة حراكنا، ومدى ارتباط مصير أمتنا بإستراتيجيات القوى الكبرى، والتي درجت كبديهية ليس فقط بين السياسيين الكورد، بل بين معظم حركات الشعوب الضعيفة، إلى درجة أصبحنا وعند كل منعطف دولي، نبحث عن مدى تأثير التغيرات الإستراتيجية على حاضرنا وقادمنا، والسبب هي عدم معرفتنا تسخير القدرات الذاتية للبناء والتطوير.
لا شك أن تأثير الصراعات الدولية الجارية في أوروبا، على كوردستان وقادمها، لا يمكن مجاراتها مع ما يتلقاه أوكرانيا، فالاختلافات واسعة بينهما، بدءً من معرفة واستخدام اللغة السياسية، خبراتهم مقارنة بضحالة معارفنا، إلى جانب غنى الجغرافيتين بالمواد الخام مع السيادة الوطنية وبغيابها في كوردستان، تفرضان على الدول الكبرى الإهمال أو الاهتمام حسب مصالحهما، بعكس ما يحصل في أوكرانيا، الوجهين المتناقضين جلبا المآسي والكوارث للشعبين.
مداركنا في استخدام اللغة السياسية، على سبيل المثال، لا تبلغ سويات النخبة السياسية الأوكرانية، بعكسهم نبحث عن أصدقاء دائمين يفضلون القيم والأخلاق، والتعامل بمنطق العاطفة على المصالح في عالم السياسة، والأوكرانيون يسخرون خباثتها لمصالحهم بنجاح على الأقل مع الدول الغربية، رغم فشلهم مع روسيا، وهو ما أسقطتهم في مستنقع المصالح الدولية.
فهل هناك مفاهيم مخفية في هذا التناقض الغريب، العصية على كلا الطرفين معرفتها؟ وهل البحث فيها، تحتاج إلى أدوات خاصة تمكننا من معرفة خفايا الأروقة الدبلوماسية والسياسية؟
أي كانت الأسباب، كلينا من الضحايا العديدة المعانية من صراع القوى العظمى، فضياع مصالح الأقطاب العالمية، مع استمرار حالة الحرب الباردة، تدفعهم لترجيح نزعة استخدام الحروب الساخنة لبلوغ مآربهم، وكثيرا ما تكون شعوبنا حطب حروبهم، كالشعب الأوكراني والكوردي، والسوري وغيرهم، رغم إدراكهم التام أنه في النهاية انتحار لهم على كل الأصعدة، والطفرات الناتجة عنها، من التطور الناتج على رفات الملايين من البشر، إلى تغيير الجغرافيات السياسية، وهجرات الشعوب من أماكنها، وما ترافقها من المآسي والكوارث، والتي ترسخ كوصمة عار على جبين الإنسانية، لا تعطي للأجيال اللاحقة دروسا بعدم تكرارها، وكأن للجريمة جينة؛ مغروزة في الإنسان منذ الخليقة، ولا يمكن تلطيفها مهما رقيت ثقافة الشعوب، بل هي أكثر عنفا في عالم السياسة.
1- أهمية كوردستان:
فكما نعلم كوردستان كجغرافية من أحد أهم مسارح الحروب الكارثية طوال القرون الماضية، ولا يستبعد، أن تجلب ثانية أنتباه القوى المتخاصمة، أمريكا وروسيا، وتدرج بين المناطق التي سيتم التحاور عليها، وحيث بدايات ظهور القطبين، وريما أقطاب تبحث عن مناطق نفوذ.
فهي وعلى خلفية غنى جغرافيتها بالطاقة، ستكون ضمن التقاطعات الإستراتيجية الدولية والإقليمية، خاصة بعدما ظهرت التحركات الدبلوماسية الأمريكية من أجل تأمين مصادر بديلة عن النفط الروسي، وكانت فنزويلا القبلة الأولى، علما أنها من بين الدول الدارجة ضمن الحصار الأمريكي، وتعرف كدولة معادية، مع ذلك أرسلت وفد رفيع المستوى، ليتم الاتفاق على فتح أبواب الاستيراد والتصدير، النفط بشكل خاص، وللتغطية قبلت فنزويلا إطلاق سراح بعض حاملي الجنسية المشتركة من سجونها.
الخطوة رجحت احتمالين في استراتيجية أمريكا، ضمن جغرافية الشرق الأوسط، منبع النفط، إما تصعيد الاهتمام بالكورد وقضيتهم للضغط على الدول المحتلة لها، ومن بينها إيران فيما لو رفضت شروطها في جنيف، أو ظهور نتائج غير متوقعة من المباحثات الأمريكية الإيرانية، كإزالة الحظر على صادراتها النفطية، بل وقد تكون أمريكا من أوائل مستورديها. أدى الاحتمال الأخير إلى تحرك اقتصادي-دبلوماسي على مستوى المنطقة:
الأول، رضخت الإمارات والسعودية على رفع سقف إنتاجهما من النفط، وبالتالي تم خفض سعرها عالميا، وزيادة الإنتاج هي لتلبية احتياجات أمريكا وأوروبا، المتوقعة حدوثها من الحظر على النفط الروسي.
الثانية، التحرك الإسرائيلي، وبضغط ما فتحت الأبواب بينها وبين تركيا، وجرى لقاء بين إسرائيل وروسيا، حتى ولو كانت تدرج كعمل دبلوماسي يخص الصراع الروسي الأوكراني، لكن في بُعد ما كانت على خلفية الحد من العداء الإيراني لها، في حال عودتها إلى مسرح الصراع مسنودة بقوة اقتصادية.
وفي هذا الخضم المتلاطم من التغيرات السياسية، والإستراتيجيات الجديدة، سيضعون كوردستان، على مائدة مصالحهم، والنتائج ستكون مرتبطة بمدى قدرة الدول المحتلة لها تأمين مصالح الدول الكبرى.
2- الدور التركي:
فعلى الأرجح، تركيا ستعمل الكثير من أجل رأب الصدع بينها وبين الناتو وأمريكا، مع عدم قطع التقارب مع روسيا، وبالتالي ستكون المعادلة الكوردية ضمن جدلية التوازن التركي بين القوتين، وقدرتها في الحفاظ على تطورها الاقتصادي المرتبط وبقوة بمساعدات الشركات الرأسمالية العالمية.
فهل هذا الموقف سيؤثر على مصالح الدولتين الكبريين، وإن كان فهل سيستخدمون القضية الكوردية، كأحد الأدوات الممكنة استخدامها ضد تركيا، علما أن أنظمتها المتعاقبة نجحت طوال القرن الماضي في الحفاظ على مصالح الدول الكبرى بحيث لم تحتاج أي منهم على استخدام الورقة الكوردية، وحزب العدالة والتنمية لا تقل عن سابقاتها خباثة إن لم يكن أحنكهم في هذا البعد، أي عمليا، القضية الكوردية أمام مسيرة إهمال أبشع من الماضي. والسؤال هنا: هل الحراك الكوردي أحنك سياسيا وخبرة من الماضي لتتمكن من التأثير على مصالح العلاقات الدولية، أما أنها لا تزال تعيد التجارب السابقة بأوجه وأساليب مختلفة؟
3- الدور الإيراني:
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
10/3/2022م