ماجد ع محمد
يذكر الكاتب البرازيلي باولو كويلو في تدوينةٍ له عن الغباء الاستراتيجي “أن العالم مليء بالأغبياء الموزعين بشكلٍ استراتيجي، لذا يمكنك أن تقابل واحداً منهم مرةً كل يومٍ على الأقل!” فبالرغم من البعد الجغرافي بين بلادنا وبلاد الكاتب، إلاَّ أن ما قاله كويلو يكاد يكون مخصصاً لمرابعنا، باعتبار أننا لا نلتقي بالأغبياء وحسب، إنما هم من يتسنمون الكثير من مواقع القرار في مجتمعاتنا، وهم من يسيّرون أمورنا العسكرية والسياسية والاقتصادية.
كما أن ما قال الكاتب المصري الراحل فرج فوده في هذا الصدد عن المؤدلجين الدينيين الذين يتحكمون بكل شرائح المجتمع المصري، ينسحب بتمامه وكماله على المؤدلجين الشبه أميين الذين غدوا المسؤولين والقادة المتحكمين برقاب أصحاب أرفع الشهادات في مجتمعنا، وذلك بقوله: “لا أمل في أمة يجتمع فيها أطباؤها ومهندسوها وأساتذتها الجامعيين أمام منبر يخطب فيه فاشل دراسياً يبيع لهم الوهم ويحرضهم على العنف”.
فإذا كان الذين يشير إليهم فودة، يتحكمون بأصحاب جميع الاختصاصات العلمية من خلال مجموعة من الأحاديث الدينية وأحلام الفراديس، فإن أتباع حزب العمال الكردستاني يسوقون المجتمع الكردي برمته ببضعة شعارات طوباوية غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، ولم يسبق أن طُبق شيء من مخرجات تلك النظريات الهلامية منذ عقود، ومع ذلك حالهم حال المتطرف الديني الذي يعتبر أن العالم كله من الخاسرين ووحده مَن سيكون من الفائزين، وحيث أن حشد حزب العمال الكردستاني وقادته على نفس خطى ونهج المتطرف الديني بما أنهم يعتبرون كل الأحزاب والتيارات الكردية على خطأ ووحدهم من يهرولون على الصراط الفلسفي الأعوج.
على كل حال فمن بعض ما عُرف به السياسي الأخرق هو أنه شخص عشوائي ولا تمت قراراته وتصرفاته للعلم بصلة، وفوقها تراه مغرور برأيه ومستبد وعنيد ويرفض النصح والإرشاد، وبما أن فروع الغباء من نفس شجرة البلاهة، وبما أن الكثير من التنظيمات السياسية العقائدية تعتمد على المغفلين ومن يتسمون بالغباء العاطفي، فالغبي العاطفي من الناحية العلمية إذن هو الذي يتميز بعدم قدرته على التحكم بالانفعالات وترك زمام القيادة إلى المشاعر دون إعمال المنطق والعقل، كما أن الغباء العاطفي وفق التعريف هو فعل الأشياء بطريقة غير مدروسة دون التعلم من الأخطاء السابقة.
ومع أن القائد أو المسؤول المشار إليه غير قادر على تسيير أمور الناس ورعاية مصالحهم لافتقاره الإلمام بكل شيء يجري من حوله، ولكن مع كل ذلك القصور الذي يعاني منه يفرض نفسه عليهم كمسؤول سياسي أو أمني أو عسكري، ويصدر قراراته بناءً على مزاجه الشخصي أو بناءً على أيديولوجيته القروسطية، مما تتسبب قراراته وسياساته ومغامراته بخسائر مدمرة لمن يمثلهم ذلك المؤدلج الأخرق.
وبما أن ذلك القيادي يتصور بأنه الفهيم الوحيد في مجتمعه فلا يستشير أحداً في الذي سيقدم عليه، وإن شاور الغير فليس لكي يعمل برأيهم أو يستفيد من خبراتهم، إنما لكي يطعّم نظريته ببعض البراقع الجماهيرية لشرعنة ما يمارسه بحقهم، وهذه الصفات بمجملها لا تناسب ساسة حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردسباني فحسب، إنما هي بالضبط مقام كل من يسمون بالقادة العسكريين لدى الجهتين المذكورتين، ومن أبرز الممارسات والمخططات البليدة التي يلجأ إليها القادة الميدانيين للجهتين المذكورتين هي:
ـ الاعتماد الكلي على الأميين وذوي الإمكانيات العقلية المحدودة إلى الدرجة التي تجعل المتعلم المقيم بينهم أمام خيارين: فإما أن ينزل إلى مستوى تصوراتهم البدائية، أو أن على المتعلم اللجوء للنفاق والمحاباة ليعيش بأمان فهو معهم ولكنه يشعر بالغربة الحقيقية بينهم، ويتم هذا الأمر من قبل المنظومة العقائدية ليس من باب المساواة الإنسانية بين أفراد المجتمع أبداً، إنما بهدف الحشر والتحشيد وجعل طبقة الدهماء هي التي تفرض بلاهتها على الجميع.
ـ احتواء البقايا والفاسدين في المجتمع، ما يجعل نظيف الكف والسيرة والسريرة والفهيم ينزوي أو يبتعد حتى عن العمل في مجاله واختصاصه.
ـ ثمة ثوابت لدى منظومة حزب العمال الكردستاني وكامل فروعها حتى لو لم يعرف المريد الجاهل تلك الثوابت، وهي: معاداة علم كردستان، معاداة البيشمركة، معاداة حزب الديمقراطي الكردستاني، معاداة عائلة البارزاني، معاداة مفهوم العائلة في المجتمع الكردي، معاداة العلم والمعرفة والتنوير، والعمل على تعميم الجهل والتخلف والعقائدية العمياء.
ـ البدء بحفر الخنادق كاستراتيجية قتالية متخلفة في أي صدادم أو نزاع مسلح مع جهة عسكرية أخرى، وذلك بما أن كل ظنهم بأن عدوهم سيأتيهم على الخيول والفيلة والبغال وليس عبر الطيران الحربي والمسيرات.
ـ استهداف مواقع الخصم من بين بيوت المدنيين، حتى يقوم الخصم بالغارة على السكان الآمنين.
ـ جمع المدنيين حولهم عبر حبال الأيديولوجيا وجعلهم كالرهائن وذلك من أجل الاحتماء بهم وجعلهم دروع بشرية متنقلة، وليس من أجل الدفاع عنهم أو حمايتهم من الهجمات.
ـ جمع الحشود البشرية في كل مظاهرة ضد تركيا ورفع صور المقيم في منتجع إيمرالي في تلك المظاهرات، وكل ظنهم بأن صور زعيمهم هي بمثابة مصدات للصواريخ، علماً أنها غير قادرة على التشويش ولو على أتفه طائرة ورقية في سماء جزيرته.
ـ تلغيم بيوت المدنيين لكي يُقتل المدني الذي يفكر بالعودة إلى بيته، لأن هدفهم ليس قتل العسكري! باعتبار أنهم لا يُلغمون السلاح المتروك خلفهم، ولا يلغمون النقاط العسكرية!
ـ إبان المعارك يعملون على ترك الملفات والكمبيوترات وأرشيف المؤسسات كما هي حتى تقع تلك المستندات بيد الخصم، وبناءً عليه تقوم الجهة التي وقعت بيدها الملفات بتعقب الأفراد فرداً فرداً، والهدف من هذه النذالة هو بألا يفكر أي مدني بالعودة إلى بيته أو مكانه الطبيعي خوفاً على حياته، طالما أن اسمه وملفه الكامل صار بيد الجهة المعادية.
ـ إفراغ القرى والبلدات والبيوت من سكانها بذريعة أنها في خط الجبهة.
ـ بعد إفراغ المناطق من أهلها بحجة الحرب يجرون المدنيين إلى خلف جبهات القتال وبعد تأكدهم من أن المدني لم يعد قادراً على العودة لبيته، ينسحبون من تلك المناطق ويسلمونها فارغة من أهلها للجهة التي تهاجمهم وفق المتفق عليه.
ـ في العالم كله تقوم الاستراتيجية العسكرية الناجحة على نقل المعركة إلى ميدان العدو، بينما الغباء الأوجلاني ـ نسبة لزعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان ـ العسكري الصرف يعمل بكل طاقة وإصرار على جلب العدو إلى داخل مهاجع عناصره وإلى داخل منازل وحجرات المدنيين.
وفي الأخير من كل بد لسنا هاهنا في وارد النُصحِ الإرشاد، ولا في فضاء التحريض أو التنظير نعوم، إنما الوقائع تدفعنا لعدم الاحتفاظ بما نعتقده مفيداً ولو في أضيق الحدود، إذ بناءً إلى ما جره ويجره معه هذا التنظيم بمخططاته التي يُنفذها على الأرض قادته البُلهاء أينما حلوا وحكموا قبضتهم في المناطق الكردية، ورغم تأففنا واشمئزازنا من الصِلات القبلية والأعراف العشائرية بكوننا ننتمي بفكرنا لهذا القرن، إلاّ أن العشائرية على علاتها ربما كانت الرابطة التي يحتاجها الكوبانيون وأهل الجزيرة بقوة في الوقت الراهن، وذلك بعد أن جُروا رغماً عنهم إلى فِخاخ القنديليين الذين أُرسلوا لكي يُفككوا ما تبقى من الروابط الاجتماعية في المجتمع الكردي، بل ويُفككوا حتى الأسرة الواحدة، ليزرعوا مكانها عقيدة سياسية مرتقة من فتات الأيديولوجيات الرثة، ومصنوعة بعناية استخباراتية في الأقبية التي لا تمت للمجتمع الكردي بصلة.