وليد حاج عبدالقادر / دبي
صديق غير كردي التقينا بعد فترة فراق طويلة قال لي بغصة مؤلمة وهو المتعاطف صميميا مع قضية الشعب الكردي كواحدة من اكثر القوميات مظلومية في عصرنا الراهن : انتم الكرد تبعثرون طاقاتكم هباءا ! تأتيكم الفرص بالتتابع وانتم تتلهون بها ترفا ايديولوجيا حينا او خلاف ومقتلة بينية حينا آخر ! هذه الطاقات لو توفرت لأي شعب آخر، وفي قضية كما عفرين لضجوا العالم كلها وجعلوها في قمة قضايا الرأي العام العالمية .. اجعلوها عفرين كأيقونة لها وبرايتكم لا صور زعمائكم ! بيروت فكت حصارها وانتصرت لا بصور عرفات وغيره ياسادة وأوجلان ما جلب لكم سوى الزحف الإنكشاري، وعليكم الوقوف مليا امام هذه المهازل ووضع حد لها، وفكروا مليا امام المنعطفات التي اخذت تتجه إليها أمور المنطقة وبسرعة انحدارية فظيعة،
وقد تسألني عن الأسباب وساختزلها لك ببساطة ؟ أجل هي مجريات الحواديت وبمجرد ربطها ببعضها البعض، والتركيز بانتباه شديد على مسارات الثورة السورية باحداثها التي تلاحقت، ومع الأيام اخذت تزيح الستار عن كثير مما بقي – هكذا تصوروا – من الخفايا المنكشفة أصلا كانت، هذه الوقائع التي كانت تتسرب بين الحين والآخر وكتطويب مهني – عملي لمجريات التأسيس المرحلي الثاني لخرائط سايكس بيكو وتوافقات معاهدات سيفر ولوزان، وبوضوح اكثر موائمة البعد الديموغرافي البشري مع الخرائط لا العكس، أي ايجاد توازنات بشرية تتوائم مع تلك المخططات والخرائط التي رسموها بداية بقلم رصاص، وهدرت مقابلها رصاصات كثيرة ودماء وظلت بؤرا لصراعات عديدة وقد تستمر أيضا لفترات طويلة، وبتفصيل اكثر وكما هي في الواقع فقد اخذت قضايا كثيرة تطفح على السطح وتنكشف بسلاسة، ومنها مسألة التغيير الديموغرافي الممنهج، هذا التغيير الذي لربما هي متممات لما حدثت ومن جديد بعد الحرب الكونية الأولى وما تلتها من تفكيك للإمبراطوريات الكبرى، ومن ثم الإرتكاز على مبدأ الإستعمار كشعار فضفاض استهدفت انتدابات وبصيغ وأساليب حكم احتلالية، ومن تحت بلاطاتها وسدنتها تتالت الخطوط والمشاريع، وعليه فإن ما يهمنا بالتاكيد هو منطقتنا، حيث رأينا كيف ان مقص تفصيل خارطة سايكس – بيكو كان جاهزا وكما اسلفنا وبخطوط قلم الرصاص الذي اخذ يحدد مساراتها وتتغير حسب الراهنيات، وهنا وبعيدا عن كل الهرطقات بمزاعمها وطرائق ربطها المصطنعة بمفاهيم تأطرت في سياقات نظرية المؤامرة من جهة، قابلها الإرتهان هروبا ومن جديد في عودة لا حميدة الى ذات الحضن واعني بها نظرية المؤامرة ولكن كمنهج تطبيقي عملي، دابت عليها سياسات دول الإنتداب من جهة ومعها مخاضات تلك السنين التي تحوطت عمريا مابين سنة 1914 – 1925 ولكن المفصل الأهم كان عام 1917 الذي ارتبط معرفيا بوعد بلفور والذي مهد الى نزاع طويل لست بصدده، بقدر ما يتوجب التنويه لذلك لما آلت إليها طبيعة وتعدد كما تشابك قضايا كثيرة في مشرقنا، وعمليا ومن دون الخوض مطلقا في كثير من الشروحات والتفاصيل ضمن سياقات زمن وعد بلفور الى لحظتنا هذه وامام المتحولات المتتالية والتي ان توسعنا فيها فستوصلنا الى جذر المسألة الشرقية وتتبع حالات المد والجذر في تصاعدها، وفشل حربين عالمتين وقضايا الصراع الآنية، ومع هذا لا تزال قضاياها الكبرى مرهونة – مركونة ومن دون أية آفاق لحلول جذرية ( اوكرانيا انموذجا )، وباختصار شديد هنا وفي تسليط للضوء على قضايا قد تكون جانبية في خاصية الأزمة السورية، إلا أن الوقائع والإنكشافات تشي بما يناقض ذلك حيث تظهر مؤشرات لخفايا تبدو خطيرة جدا في خاصية الجغرافيا البشرية ومتحولات التغيير الديموغرافي الممنهج، ولتعيد بنا الى جذور الازمة وكنتاج رئيس لتموضعات الجغرافيا السياسية بخرائطها التي رسمت وتم تبنيها من قبل سايكس / بيكو وتقسيماتها المناطقية ان جاز التعبير ومتواليات التفاهمات التوافقية من خلال اتفاقيات اخرى مثل سيفر واستبدالها بلوزان، ولعل وعد بلفور في موضوع مبحثنا هذا هو من اهم مسببات وبالتالي عوامل رئيسة في بلورة مصطلحات تختص بظاهرة النزوح واللجوء بكافة اشكاله والتي برعت نظم التحزبات القومية العربية بوسمها بالجبرية، وان وجدت اصوات وشهادات بأن كثيرين من الفلسطينيين باعوا بياراتهم وحقولهم ودورهم، وإن لم يخل الأمر في حالات كثيرة أيضا من البعد الجبري طردا من دورهم واراضيهم، هذه الظاهرة إضافة الى مظاهر عنفية رافقت الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وعلى إثرها فقد هربت مجموعات فلسطينية كثيرة واستقروا في الدول المحيطة مثل لبنان والأردن وسوريا والعراق ومصر، وشكلت هذه الظاهرة بثقلها البشري ضغطا كبيرا على النظم، يضاف لها انها مهدت لصراعات كبيرة سواء بين الفلسطينيين وحكومات الدول او انها ادت الى حروب واستهدافات لتلك الدول من قبل اسرائيل، وقد شكل الثقل البشري للاجئين الفلسطينيين على ابقائها بندا رئيسا في جداول ومقررات منظمة التحرير الفلسطينية والقمم العربية ومعها جامعة الدول العربية، وازاها وبوضوح وكأهمية قصوى التركيز دائما على ايجاد مناطق بديلة، وكانت العيون تتركز على الدول الرخوة والتي تخوض حروبا ومنازعات عرقية مثل العراق وسوريا والسودان، وطرحت مشاريع ومبادرات وخطط تنفيذية كثيرة، وعمليا : فقد سعت العراق في سبعينيات القرن الماضي إلى تنفيذها، ولكن ونظرا لوجود كفاح مسلح وكذلك وعورة المنطقة وتحكم اهلها بجبالها، فكانت لظاهرة الخوف وبساطة افشال المشروع عاملا رئيسا رغم ان نظام الطاغية صدام حسين كان قد مهد للتوطين بعملية انفال ارتقت الى حرب إبادة جماعية وهجر كثيرا من سكان كردستان الى الجنوب والمناطق الصحراوية، وهناك معلومات موثقة على تدمير البيئة الكردية وهدم اكثر من 400 قرية ناهيك عن اتلاف وحرق البيئة الشجرية وختم الآبار وما شابه، وكان قد قابلها في تلك الفترة فتح المجال لعشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية في القدوم الى العراق والإستقرار في مدنها الكبيرة، وهناك معطيات – تلمستها شخصيا في واحدة من زياراتي الى كردستان العراق سنة 1977 بمعية الصديق محمد اومري حيث كان النظام العراقي المجرم قد بنى قرى نموذجية في أسفل الجبال حيث اكد لي مواطنون كرد بانها مخصصة لإستيطان مجاميع فلسطينية فيها – وفشل المشروع كواحدة من إفرازات وصرعات صدام حسين ذاته .
اما في سورية فقد طفى على السطح مسألة الإستيطان تلك بالتوافق مع مرحلة هيمنة الطغم العسكرية، وبرزت كعنوان بارز في مرحلة الوحدة مع مصر، ولتظهر وبوضوح تام مسألة التغيير الديموغرافي وبمنهجية صريحة حيث ابتدأوها ببناء عدة قرى في ريفي ديريك وحسيجة واستقدام مئات العائلات من ريف السلمية، هذا الأمر أثار احاديث كثيرة عن نية النظم السورية في استيطان الفلسطينيين في محافظة الحسكة، وكان مخيم النيرب بحلب ومعها مخيم آخر من الدفعة الأولى، وحينها لم تكن فكرة سد الفرات ومناطق غمرها قد تم تداولها وما كان المجرم حافظ أسد والذي يعد العراب الأول لكل التطبيقات العنصرية بحق الشعب الكردي قد استلم الحكم، تلك الممارسات التي كان قد تم التمهيد لها نظريا وبشكل مسبق، وذلك من خلال مشاريع ابتدأها ضابط الأمن العميد ميني وطورها فيما بعد وايضا ضابط الأمن محمد طلب هلال، وليتممها تطبيقا وتنفيذا عمليا نظام حافظ أسد العنصري، ورغم جلب آلاف العائلات والتي غطت قرى عديدة بنتها لجنة مزارع الدولة التابعة لقيادة البعث القطرية، إلا أن هوس السيطرة الديموغرافية على المنطقة لم تتوقف، حيث سعى النظام باسترضاء فلسطينيين سواء من مخيم سبينة وجرمانا والنيرب الى ريف المنطقة الكردية وذلك مقابل جلب عوائل من الساحل ذي الغالبية العلوية الى المناطق التي ستخلى، وبناء تجمعات عسكرية بحجة استقرار عوائل الجيش بالقرب منهم، ويبدو ان الصراع مع الأخوان المسلمين قد أجل الموضوع إضافة الى ان الشارع الكردي كان لايزال في اشد حالات الحنق من النظام وممارساته العنصرية الفاقعة، وهناك شهود عيان اكدوا وبالدليل الملموس على مسألة استقدام الفلسطينيين وأن مجموعات استطلاعية منهم قدمت الى منطقة ديريك وتفقدت قرى – حنيوية وكاني بحني وكرزرك ومعها سويديكا جم وگارشان -، وليتم التحفظ على الموضوع وإن بقي كمشروع قيد التنفيذ، ومع احتدام الصراعات وتداخلها بدءا من انطلاقة الثورة السورية، ظهر بشكل صريح اكثر من ملمح تم فيها استهداف اكثر من منطقة سواء لغايات مذهبية – دينية او قومية، كما ظاهرة تلبيسة وتريمسة وتلكلخ والقلمون ومعها الفوعة ونبل والزهراء وغيرها، وفي الجانب الكردي بدأت ملامحها تظهر من خلال استهداف تلعرن وتلحاصود والقرى التابعة لهما، ولكنها وكظاهرة مخططة برزت بشكل صريح وواضح في غزوة عفرين وگري سبي وسري كانيي، وللأسف الشديد فقد ساهم حزب اتحاد ديمقراطي وبكل امكاناته في تقديم التسهيلات اللوجستية اللازمة من خلال دفع سكان تلك المناطق جبرا الى الهجرة من بلداتهم وقراهم فاسحين المجال لمجاميع عربية للقدوم والإستقرار في دورهم ومزارعهم و … الآن ؟ ماذا يحدث ؟ في عفرين هناك همة ونشاط ومال غزير يصرف لبناء تجمعات استيطانية كثيرة تهدف بالدرجة الأولى – حسب انباء شبه موثوقة ومتداولة – جلب المئات من العوائل الفلسطينية الذين دمرت مخيماتهم وإسكانهم في تلك التجمعات بينما سيتم الإحتفاظ بالعوائل الكردية من سكان المنطقة في مخيمات آلدار خليل – البرخودانية – حتى يتم تنفيذ ذات المشروع في گري سبي وسري كانيي يي أيضا … فعلا ياسيد آلدار خليل : برخودان چيانا .