داعش في قلب المدينة ج3

زاكروس عثمان

 بخصوص مكافحة الارهاب هناك خلل او تناقض في موقف الادارة الامريكية، إذ انها تأخذ بيد وتعطي باليد الاخرى، من جهة تلاحق كوادر وقادة داعش، ومن جهة تلتزم الصمت حيال انشطة تركيا التي تصب في دعم الارهاب، ولعل الاحداث التي وقعت في الايام الاخيرة توضح ذلك، بدءا من غزوة داعش لمدينة الحسكة، حيث ساهمت قوات التحالف بفاعلية كبيرة في دعم قوات قسد للتصدي للمهاجمين وإفشال مخططهم، بالمقابل واشنطن امتنعت عن مساءلة انقرة رغم توفر قرائن تشير إلى لعب الحكومة التركية دورا في تمهيد الطريق امام داعش للهجوم على الحسكة، فما نفع ضرب داعش ميدانيا ان كانت واشنطن تسكت على توفير أنقرة الملاذ الآمن للإرهابين وتقدم لهم مختلف انواع الحماية والدعم، بل الادهى من ذلك ان الادارة الامريكية تسمح لتركيا بضرب قوات قسد كلما الحقت هذه القوات ضربات نوعية بتنظيم داعش،
بكلام آخر حين تكون العلاقة بين واشنطن وانقرة على المحك فان امريكا تفضل التساهل مع الارهاب إلى حد ما، وذلك بالسماح لتركيا بممارسة الغطرسة على قوات قسد المفروض انها حليف امريكا لمحاربة الارهاب في سوريا، إذ بعد فشل غزوة داعش على الحسكة صبت تركيا جام غضبها بشن غارات جوية على عشرات القرى الكوردية في روزئافا واقليم كوردستان، دون ان تحرك امريكا ساكنا، وكأنها راضية بمعاقبة تركيا للكورد جراء محاربتهم لداعش.
هذه الضبابية في الموقف الامريكي اصبحت مصدر قلق وحيرة للكورد، إذ هناك اعتقاد لدى عامة الكورد بان تركيا رأس الارهاب وداعش ذيله، فان تم قطع الرأس تكون نهاية الذيل امر مفروغ منه، والذي يحدث ان امريكا لجملة اسباب معقدة ومتشابكة لا ترغب بقطع رأس الافعى ولا حتى الحد من تحركها.
وترى شريحة واسعة من اصحاب الرأي الكورد انه لولا وجود تواطئ بين واشنطن وأنقرة، ما كان الجيش التركي يحتل اراض شاسعة من مناطق الكورد في سوريا، ولا استطاع سلاح الجو التركي شن هجمات يومية على المنطقة لضرب اهداف معظمها مدنية، ناهيك عن استمرار المسؤولين الاتراك في اطلاق تهديدات باجتياح كوردستان روزئافا بالكامل، فهل كانت تركيا تجد كل هذه الاريحية في الاعتداء على الاراضي الكوردية السورية، لو تلقت تحذيرا امريكيا صارما من مغبة الاعتداء على حلفائها قوات قسد، اليس هذا افضل من الاكتفاء بضرب الذيل.
في الحقيقة فان الخطر الاكبر الذي يواجه الكورد يأتي من تركيا وليس من التنظيمات الارهابية، لانه بكل بساطة يستطيع الكوردي الدفاع عن نفسه وصد مختلف التنظيمات الارهابية ما لم تتلقى الدعم من تركيا، لهذا استقبل الكورد بفتور نبأ مقتل زعيم خلافة داعش ابو ابراهيم القرشي في عملية نفذتها قوات التحالف في ساعة متأخرة من ليلة 3/2/2022، بالأمس تم تصفية ابو بكر البغدادي الزعيم السابق لداعش بالقرب من الحدود التركية على الاراضي السورية التي تحتلها تركيا, واليوم قٌتِلَ خلفه بنفس المنطقة، هذه دلالة على ان تركيا من خلال التنظيمات السورية الموالية لها توفر الحماية والتغطية لقادة تنظيم داعش، وما يحز في نفس الكورد  ان الادارة الامريكية على دراية تامة بهذه الامور ولكنها تتجنب توجيه تهمة دعم الارهاب إلى انقرة، وطالما تمتنع الادارة الامريكية عن وضع حد للعدوان التركي على روزئافا، فان الحديث عن مكافحة داعش يصبح موضع شك، وليس واضحا فيما اذا كانت القوات تعجز عن الانتهاء من التنظيم الارهابي ام ان هناك مشيئة في واشنطن تفضل إبقاء الملف مفتوحا بهدف استثماره في جوانب اخرى.
اخطاء جسيمة ليس واضحا من المسؤول عن ارتكابها، هل هي قوات التحالف ام قوات قسد ام كلاهما معا، وعلى رأس هذه الاخطاء إطلاق سراح مئات الارهابيين، بموجب مصالحات مع شيوخ بعض عشائر جنوب الحسكة والرقة و دير الزور، والذي حدث هو ان الارهابيين المطلق سراحهم عادوا وشاركوا في غزوة غويران الدامية، ما يعني فشل محاولات إعادة تأهيلهم “ترويضهم”، واحتفاظهم بالحواضن الشعبية بين المكون العربي، اي ان الاموال والامتيازات التي منحت لشيوخ تلك العشائر بغية فصلهم عن داعش ذهبت سدى.  
وما يثير القلق من عودة مباغتة وقوية لتنظيم داعش، هو وجود فجوات واخطاء كثيرة في طريقة معالجة قوات قسد لملف مكافحة الإرهاب، ومنها قبول القادة بتجميع آلاف الارهابيين في سجن واحد، وتوطين الآلاف من عوائل داعش في مخيم واحد، دون الحصول على دعم عسكري كاف، او الحصول على ضمانات سياسية، اقتصادية، امنية، تحميها من الدول الداعمة للإرهاب، وكانت النتيجة ان قوات قسد تحملت بمفردها عبء محاربة الارهاب ميدانيا، اما المكافئة  فان واشنطن تركتهم وحيدة امام الهجوم التركي، وقد ذكرنا في سياق المقال كيف ان الاجتياحات التركية المتكررة انعشت داعش ميدانيا ومعنويا.
ومن اخطاء قادة قسد ايضا انهم ساروا دون شروط وفق الخطة الامريكية الخاصة بمكافحة داعش، ولم تكن رؤى قيادة التحالف الدولي توافق دائما رؤى قيادات قسد، إذ حددت الادارة الامريكية علاقتها مع قوات قسد فقط في إطار مكافحة داعش، بكلام آخر تنظر واشنطن إلى هذه القوات نظرة شركة امنية لا اكثر، ومن هنا تتعاطى مع ملف الارهاب وفق الاجندة الخاصة بها، دون اخذ اجندة قوات قسد ومصالح سكان المنطقة بعين الاعتبار، وكثيرا ما يسيئ قادة التحالف تقدير الامور اثناء معالجتهم للقضايا المتعلقة بالإرهاب، ومنها طريقة معاملة سجناء داعش، والموقف من  المجتمعات المحلية الموالية للتنظيم، ولهذا كان المفروض بقادة قسد / مسد ان يضعوا خطة خاصة بهم لـ ( مكافحة الارهاب) مستقلة عن خطة التحالف، للقيام سرا ببعض الاعمال الضرورية التي تنهى عنها قوات التحالف، او التهرب من إداء أعمال تصب في مصلحة الارهابيين انما التحالف يطالب بالقيام بها، ولكن على ما يبدو فان قادة قسد وافقوا ضمنيا ان يكونوا شركة امنية يؤدون ما يطلب منهم مُشَغِلهم الامريكي، وقد كلف هذا الخطأ قوات قسد والكورد خسائر كبيرة سياسيا وعسكريا، اخرها غزوة داعش لمدينة الحسكة وما اسفر عنها من خسائر بشرية فادحة، دفعت الكثيرين إلى الياس والتفكير بمغادرة البلاد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…