ماهر حسن
سواء في حاضر الزمان أو ماضي منظومة PKK، لا نجد تجربة ناجعة واحدة وناجحة، ولو بشكل نسبي يمكن للمرء ان يتلمسه دون الغوص في التفاصيل الدقيقة وأسباب عدم نجاحها، إذ لا توجد سياسية مطلقة في أي شيء سوى شعارات رنانة. نعم، هنالك لحظات لكنها عابرة ولا تلبث أن تنتهي أو تنهار على سبيل المثال مشاركة قوات البيشمركة بعد هجوم إرهابيي داعش على الإقليم، إلا أن الفرصة سنحت للمنظومة البقاء في شنكال وإثارة النعرات والفوضى وخلق أزمة تطوى فيها أوراق مسألة البند 140 بالدستور العراقي، ويعود الوضع إلى الحكم المركزي في بغداد من جديد. كما يجري في كوردستان سوريا مثلًا، المغلف بالديمقراطية شكلًا.
ليس المراد هنا مناقشة أو تحليل نتيجة سياسة المنظومة، بقدر ما أن المراد هو الإجابة هذا السؤال المؤرق: لماذا تخفق منظومة PKK في ردع الانتهاكات إن لم نقل لماذا تقدم الحجة والذريعة لوقع المصائب؟
بالنسبة للسبب الأول، وهو الثقافة التركية السائدة لدى أعضاء الحزب، تلك الثقافة المتراكمة منذ أن اعتقل أوجلان وأعاد تدوير وجهة الحزب عن أهدافها، وحتى اللحظة الراهنة، والمحددة واقعًا لسلوك المنظومة ضد الدولة القومية ومحاربة الأحزاب الكوردية، وفق قيم ممارسة السيادة وليست بالضرورة نابعة من ذات الكوردياتي لذا لا تقع سياسة المنظومة على طرفي نقيض مع قيم أولويات الدولة التركية او بالأحرى الدول الغاصبة لكوردستان، لذلك فإن سياسة منظومة PKK محكوم عليها بالفشل مقدماً في ظل سيادة هذه الثقافة. بل إن قادة وكذلك الأعضاء منهم، ما زالت أفكارهم وتحليلاتهم المتعدد في إيديولوجية ونظرية اخوة الشعوب مثيرة للجدل والاستلهام في الكثير من الكتب والدراسات والبحوث التي تسعى إلى تأويل أفكار أوجلان ورؤاه وتأملاته وجهازه المصطلحي، ومنجزه الفكري والنقدي الذي أثر في عقول كوردية عديدة تبدأ من محاربة القومية ورفضها، وتمتد إلى ترسيخ مفهوم أخوة الشعوب مع الدول الغاصبة.
ولعل أبرز ما أختلف فيه مع الكتّاب الذين يطبلون لهذه المنظومة وتتطاير اللعاب من حلقهم وما أكثرهم لمجرد انتقادنا لممارسات حزب PKK او طلب توضيح موقفهم، وجهت سيل من الشتائم ولا أعلم ما هي الجدوى المتأتية من وراء هذه الشتائم وكأنما هؤلاء الناطقون الوحيدون باسم الحقيقة أو مناوأة لكل واحد ينتقد سلطة حزب العمال الكوردستاني، كما يطلبون منا في الوقت نفسه عدم التوقف طويلًا أمام سياسات حزب PKK المتحجرة والجاهزة، وأفكاره القاصرة عن مواكبة هذا العصر ومتغيراته، وأمام الثنائيات العقيمة التي تقسم المقسوم إلى أجزاء صغيرة متناثرة أمام أعيننا، ولسبب إذا أتضح ما يحدث حولنا ، سيكون لنا من دور بصناعة الحدث وبالتالي المشاركة في نتائجة! وفي السياسة وإدارتها، الا ان المنظومة تعتبر عن سلطة حزب واحد لا يقبل بالشركاء.
أعود الى سبب اختلافي مع هولاء هو منهجية عدم تمكنهم من الفصل بين أعمال منظومة العمال الكوردستاني حول القضية الكوردية وممارساتها، لتبرير استبدادهم وجعل من قادتها أباطرة في الوقت ذاته.
ثانياً: هي ثقافة يسود فيها عقل اوجلان مقابل عقول الجميع. مفهوم اوجلان في تحديد مصير الكورد تحديدًا، هو المفهوم الأساس أو المحوري في فلسفة عناصر واتباع المنظومة، فرض قيوده ومحرماته ونظرياته التي لا يمكن التشكيك فيها، فهي من المقدسات، بل ولا حتى طرح السؤال حولها، حتى لو كان ذلك بطريقة يحوم حول استفسار او الرغبة لفهم أطروحاته، ومن يفعل ذلك، فهو بالضرورة خائن وعميل يستحق العقاب.
ثالثاً: الجبر ، اذ أصبح الجبر حجر الاساس في فكر وعقلية PKK ، وسلب حرية الكورد وفقًا لذلك، لصالح مفهوم مشوه وأيديولوجية خزعبلية ، فكل شيء وفق اطروحات اوجلان لا يمكن تغييره او الاقتراب منها، وتهدمت بذلك الإرادة الكوردية، فباتت الويلات قدر، والهزيمة قدر، والذل قدر، وما على الكورد إلا الانبطاح لفلسفته واستسلام له.
حقيقة، فإن الحديث في هذا المجال يطول ويتشعب، يكفي أن نسأل تلك الجيوش من اعضاء الحزب وكتّابها الذين يعملون موظفين نشيطين في مواقع الفيس بوك و التواصل الاجتماعي وهم يدركون جيدا انهم عالقون وسط نفق لا يرون في نهايته أي بصيص نور، كم مرة قدمتموه من الحلول على ابتكار بدائل وحلول للمشكلات السياسية والاجتماعية نعاني منها في كوردستان سوريا، لندرك نحن مدى الهوّة بين الثقافة والمعرفة التي تتحلون بها من جهة وبين الصدق من جهة أخرى. لكن لا بد للديك أن يصيح ذات الصباح.