اغنياء وجوعى في بلدي

خالد بهلوي 
تشهد سوريا أسوأ أزماتها الاقتصاديّة والمعيشيّة مع انهيارٍ في قيمة الليرة وتآكل القدرة الشرائيّة للسوريين الذين بات الجزء الأكبر منهم تحت خط الفقر. بسبب ارتفاع أسعار مختلف المواد بشكلٍ كبير، واحتكار بعض التجّار تجار الازمات للمواد الأساسيّة. 
 اصبح حاجة الاسرة حاليا  لتعيش بحد ادنى من التغذية الصحية 635 الف شهريا بينما راتب الموظف مائة الف ل. س . هذا يعني ان كل اسرة معرض ان تصاب بأمراض لفقدانها المناعة المكتسبة من التغذية الصحية. وتزداد المشاكل الاجتماعية نتيجة الغلاء المتفشي الذي يرتفع يوميا.
  الكثير من المواد الأساسية تتوفر بصعوبة: بالمقابل متوفر بالسوق السوداء بأسعار مضاعفة تستطيع شراء كل ما تحتاجه اما بالسعر النظامي لا يتوفر. هذا يعني ان كل شي متوفر مثلا اسطوانة الغاز بمائة ألف ل. س متوفر اما بالسعر النظامي لا يتوفر. بسبب احتكار وفساد البعض الذين يتاجرون بقوت الشعب ويرفعون من ارصدتهم في البنوك على حساب لقمة عيش وصحة المواطن المعتر. 
  يحدث كل هذا في جميع محافظات القطر بأشكال ونسب مختلفة وتتضاعف الازمة في محافظة الجزيرة والمحافظات التي تتوافد اليها النازحين من بقية المناطق حيث يتفاقم فيها الوضع المعيشي وينتشر البطالة اكثر من غيرها؛ فمن السهولة ان تجد الكثير من الاسر فقدت معيلها اما بسبب الاحداث او بسبب الامراض المزمنة أومرض كورونا اللعين او الهجرة الى الدول المجاورة.
 لهذا يلجأ الكثير من الاسر الى مكب النفايات (براميل القمامة) للبحث عن بقايا طعام او مواد بلاستيكية لبيعها لسد جوع الاسرة خاصة الأطفال منهم. الحقيقة عندما يرتفع أسعار المواد التموينية يقل الخيرات حتى في براميل القمامة لان أي اسرة لم تعد لديها فائض لرميها في المكبات.
 الباحثين عن لقمة الخبز بين القمامة يعرفون جيدا مخاطرها الصحية وانهم سيتعرضون للأمراض التنفسية والجلدية لانّ القمامة تتفاعل مع بعضها البعض، وينتج عنها روائح كريهة، ممّا يسبّب أمراضاً صدريّةً ناهيك ان النفايات مرتع خصب للذباب والفئران ناقلة الامراض، قد يُصاب به الكبار والصغار. ويصعب عليهم دفع قيمة المعالجة او شراء دواء للتخلص من هذه الامراض المكتسبة من براميل القمامة الكريمة. 
مع كل هذا وذاك يتهافت الفقراء على أي شاحنة قادمة تحمل نفايات للبحث عن لباس او بلاستيك اوبقايا طعام 
 يتزاحمون خاصة في منطقة الأغنياء لان حاوياتهم تكون عامرة بالخيرات. ظاهرة نبش القمامة والتجمع عليها من قبل النساء والأطفال لإسكات الجوع مدعاة للحزن والياس والإحباط. 
وليس من الانصاف ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين يبحث مواطن عن لقمة عيش أولاده بين القمامة، في مدينةٍ توجد فيها عشرات المنظمات الإنسانيّة، ضوالاف التجار الذين يعانون من التخمة .
تشكل في المجتمع طبقتان طبقة تعيش في ترف ورفاهية وأصبحت تملك القصور والسيارات الحديثة وطبقة ترى في وجوههم البؤس والفقر والحرمان والتفكير، ينتظرون ساعات طويلة امام أبواب المنظمات للحصول على بعض من سلات الأغذية وينتظرون ساعات امام أبواب الافران للحصول على رغيف خبز ويقضون ليلتهم الباردة بدون تدفئة.  فما بالك بالذين ينامون بالمخيمات وكل فترة تطوف خيمهم بمياه الامطار يستنجدون لا أحد يسمعهم.  
ناس طاولاتها مفتوحة بمطاعم وفنادق خمس نجوم وناس طاولاتها عامرة من حاويات الزبالة 
يبقى السؤال مطروحا اين المنظمات الإنسانية. اين السلات الغذائية التي تصل؟ هل توزع لمستحقيها. هل تستطيع هذه المنظمات بسلاتها الغذائية اشباع كل الفقراء ؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…

د. محمود عباس صرخة في وجه التكفير والخراب والإرهاب. من يهاجم المكون الدرزي في السويداء؟ من يحاصر مدنها، ويهدد شيوخها، ويحرّض على أبنائها بذريعة كلمة قيلت أو لم تُقَل؟ من نصب نفسه حاميًا للرسول الكريم وكأن الإسلام ملكيته الخاصة، وكأن نبي الرحمة جاء لقوم دون قوم، ولدين دون آخر، متناسين أن محمدًا عليه السلام نبي الإنسانية كلها، لا نبي التنظيمات…

بوتان زيباري في رياح السياسة العاتية التي تعصف بأطلال الدولة السورية، يبدو أن الاتفاق الموقّع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهيئة تحرير الشام (هتش) لم يكن سوى وميض برقٍ في سماءٍ ما لبثت أن اكتظت بالغيوم. فها هو مؤتمر قَامشلو الأخير، بلغة ملامحه المضمرة وتصريحاته الصامتة أكثر من الصاخبة، يكشف عن مكامن توتّرٍ خفيٍّ يوشك أن يطفو على سطح…

إبراهيم اليوسف لقد كان حلم السوريين أن يتوقف نهر الدم الذي فاض وارتفع عداده ومستواه، تدريجياً، طيلة العقود الأخيرة، أن يُفتح باب السجون لا ليُستبدل معتقل بآخر، بل ليُبيّض كل مظلوم مكانه، أن يتحول الوطن من ساحة للبطش إلى حضن للكرامة. لقد كان الأمل كبيراً في أن تؤول الأمور إلى دولة ديمقراطية، تُبنى على قواعد العدالة والحرية والكرامة، لكن هذا…