المثقف الشعبوي كرديا

وليد حاج عبدالقادر / دبي 

في سبعينيات القرن الماضي، وفي ذروة مخاض كما خلطة الشعارات والمبادئ، بدءا من الصراع مع الإمبريالية قبل تحولها الى كمبرادور، ومعها أيضا تحولات الماركسية بتحوراتها المتعددة ومدارسها كما منظريها، مرورا الى منهجية التلقين والتلقين المضاد المطعمة بنكهة توابل حركات التحرر العالمية المشروخة بعضها كانت بقيادات انغمست حتى العظم بحثا عن تطويبها، والتي حوطت نفسها باتباع اشبه بجدران باطون مسلح تسورها وتدافع عنها، هذه الجدران التي أوجدت زعما كخطوط دفاع وأيضا مزعومة لمواجهة التحديات وايضا كغاية ( مزعومة ) لحماية المجتمع بينيا، والتصدي للعدوان الخارجي الذي يتنشط فيه كتلة الدعاية بطبقتها التي اوجدتها النظم وفصلتها على مقاساتها، هذه الامور وكبداهة لابد لها أن تنعكس في الشريحة المفترضة بانها متعلمة – مثقفة والتي هي في الاساس – وإن كنا لسنا بصددها الآن – بحاجة ماسة للتعريف بهما كل على حدة من جهة وتبيان الفروقات والتداخلات البينية تعريفيا , 
وعليه وفي البداية ودرءا لأي تصور خاطئ ؟ وبعيدا عن كل المصطلحات والمفاهيم بتعاريفها، وجهود مفكرين كبار من طراز غرامشي وطرابيشي وفوكوياما، وكل المدارس والمفكرين ممن خاضوا مجال التنظير في هذا المجال، وحرصا للإبقاء على منتوجاتهم مغلفة وبعناية كديكور يضفي على غناء المكتبات و – بروظات – مقتنيها المبهرجة، ومع ذلك، فأن هذا الأمر يفترض به ألا يحد من ضرورة العمل على الفرز الدقيق في ماهية المثقف والثقافة كصفة متلازمة بالممارسة التطبيقية من جهة، وكمصطلح حيث الثقافة بمفهومها الشاسع وكمنبع معرفي ينهل منه المرء بشكل عام، وعلى أرضية ذلك يختار الجانب الأفضل والمتوائم مع ما يراه كانحياز معرفي لا رغائبي، وهي هنا قد تختلف لابل وقد تتداخل في الجوهر مع الممارسة الشعبوية لأشكال قد يخاله بعضهم للوهلة الاولى بأنها – الشعبوية – هي محرك البحث العملي والفعلي إن لإنتاج الثقافة او توفير ظروف لتنشئة وتامين كوادر ثقافية، هذه الشعبوية التي تنمو في بعض الحالات، لابل وتستخدم كغاية وتنحى صوب نزعوية يبقى هدفها الأول تحويل المجتمع وتحويطه بهالات طوباوية تعمل كجوقة تردد فعلا بلا ادرية حقيقية كما المتلقنين بهمهمات تتطابق بالفعل ما يردده القطيع، لابل ان هذه الشريحة بحد ذاتها وفي ذروة الإنسجام اللإرادي مع الجموع، وعلى قاعدة غوبلز وزير اعلام هتلر يصدق هو كذبه، وفي هذا الطور يكون – المتثاقف – قد انسلخ تماما عن كل القناعات المتصورة ويتماوه في كلية تامة وكجذب صوفي يرتل وبغمغمة وانسجام روحاني اصواتا لا يكاد يدرك طريقة نطقها حتى , هذا الطور بحد ذاته هو من أشد حالات الإنصهار الشخصاني وذوبانها في قطيعية تنعكس في آفاق وسلوكية كما النتاج المعرفي – إن وجد أصلا – وتنحى بحامله – تحوره الى داعية يردد كالببغاء ما يلقن من قادته – أئمته حتى لا نقول مراييعه، هذا التحور النزعوي بحد ذاته هو من أشد واعلى درجات الإنسلاخ لا عن الواقع وتصورات اليوتوبيا الخالدة تنظيرا كما صور – يصور لهذا النمط فقط، بقدر تجليات هذا السلوك بآفاقها المتورمة، فيتحول التلقين النظري الى أفعال تعمل ككاسحات جليد ضمن المجموعات القطيعية وكممارسات عملية، وعلى سبيل المثال : يصور للمتلقي وكحركة تايفونية تدور بعنف حول نفسها، تقوم شريحة المرايبع ضمن القطيع وفي دفع عملي لترسيخ المطلوب من خلال نبذه الظاهري، كأن يقول المرياع في ظاهرة الحض على العنف وزرع نزعة العسكرة، حيث يخاطب مجاميعه في سعي مبطن للتغطية على الكارثيات العسكرية فيردد ببساطة تلك الأسطوانة المشروخة : ليس المهم في الأمر ان تجعل من الأجساد والرفاق قنابل تنفجر لغاية ثابتة بقدر ماهو المهم ان لا يعرفوا وببساطة شديدة بعيدا عن غوغائية المصطلحات وسريالية الآيديدولوجيات من أجل ماذا استشهد ابنه او أن أخوه يقاتل دفاعا عن قضية صريحة، هذا الأمر بحد ذاته قد يؤدي الى تطورات بينية، ومع زيادة التراكمات وانكشاف كثير من القضايا بالترافق مع سيل الإنهزامات وتفكك مفعول الضبط العنفي كنتاج لعوامل عديدة من اهمها فرط الهيبة العسكرية وادواتها البوليسية المتحكمة، الأمر الذي قد يدفع في البداية وببطئ شديد الى ظهور بوادر لحراك نقدي لطيف قد ترتكز على الاوضاع المعيشية المتردية وتتطور كنتاج حتمي لممارسات المتحكمين المحوطين بقطعان منسلخة ظلت تعيش رومانسياتها الثورية بعيدا عن الواقع، ومع تصاعد البينيات التي قد تتداخل فيها الصراعات الشخصية وتضارب المصالح، والذي قد يمهد الى ظهور – تاسيس آفاق مضادة تنحى صوب الآفاق الجماهيرية وهنا – لربما – تتوضح – تنكشف لبعضهم الحقائق المخفية فتبحث عن سبل فراق الشعبوية !! نعم .. هي لحظات الفراق البدئية والتي ما خلت ولم تخل من صراعات دموية حادة بين رفاق الامس واعداء اليوم، ولينطبق على تلك المجاميع مقولة : ان الثورة تفتك بأبنائها . وفي هذه المرحلة يتوضح مفهوم الثقافة الملتزمة – الموائمة لكل طرف – والمضادة وظهور لفئة – متثاقفة جديدة – تسعى – تلك الفئة – وبكل طاقاتها للموائمة مع النمط الفوقي المتشكل، ويترافق ذلك وبشكل حتمي التصعيد في التسعير والدفع الى التصفيات والحروب البينية ومن ثم تحول الأقلام بحروفها الى طلقات رصاص، هذا إن استطاع الطرف الأضعف النجاة من فكي كماشة التصفيات على يد الطرف الأقوى، هذه الظواهر التي تتبدى في العادة بعد تراكم الخلافات وخروجها الصريح من طور التحكم والسيطرة وتحولها الى حالة من الرهاب الفكري هنا، والتي ستتحول بشكل طبيعي إلى آفة وخنجر بنصلين يجرح المستهدف وان لم تصبه، ولكنها ستطيح بممارسه ولو بعد حين ! . إن الرهاب هو شقيق الإرهاب لابل أن النصل المستخدم هو كالمشيمة بين اللفظتين ! عندما يفقد بعضهم توازنهم، ويتجاوزوا أبسط أسس التعاملات وكعجز باطني ينم عن وهن الحجة واهتراء ناطحات الجليد الذائب بفعل وهج شمس الحقيقة .. ان يتحول بعضهم الى منتجي صفحات صفراء بدل المغمسة بدم حقيقي هدر ! أن يتجاوز بعضهم أسس التفاعل المجتمعي ! . وامام سيل ما ورد أعلاه ! وبكل بساطة سنلحظ : فئات المثقفين المتلونين والذين اشتهروا عمليا ومعرفيا بمواقفهم المتذبذبة كما رقاص الساعات فتتلولح ولكنها تميل هنا حسب رياح المراهنات في ذهنية هذا النمط وعباراتهم الخالدة : لقد قلت … أشرت الى ذلك .. قلتها وعارضت ذلك بأعلى صوتي .. أنا من أشار الى الخطأ وبهمس  – جادلت .. ؟ واشرت عليه ب ..  الخ -، وكل هذا : في تسويف حقيقي واستهتار عملي بالذاكرة الفردية والجمعية . وهناك نمط آخر يصر دائما ان يبقي قدما هنا وقدما هناك وكراصور رقاص ومنضغط يميل القدمين حيثما يتوقع هو ارجحية ميلان وصعود جهة على حساب الأخرى، وعمره لن ينسى هذا المتثاقف رقصة النط على القدمين في أية ظاهرة تقارب بين التوجهين . إن من أشد مظاهر انسلاخ المثقف لا عن واقعه فقط، بل عن وعيه الشخصاني، والذي يمكن ربطه بالوهن وتضخم النزعة الذاتوية عنده، هذا النوع الذي يتصوره المبتلي به بان كل نياشين بوكاسو امبراطور دولة إفريقيا الوسطى المقبور قليلة عليه، فيتقمص ذات نزعة المثقف الذي يتصور ذاته وقد اعتلى برجا عاجيا ومن تحت اقدامه الجميع يمرون بخشوع، هذه الظاهرة وكمتلازمة تودي به الى اختلاق بطولات ونظريات ومعارك لن تخلو من مبارزات سرفانتسية من جهة، وفي كل معترك او بناء له فيها حبة إن لم تكن قبة . وباختصار شديد : أن صفة المثقف والخلط المتعمد بينها وبين المتعلم من جهة، وكذلك التعمد في تعميمية هذه التسمية بعيدا عن التقاطع العملي الممارس لا تفرغ هذا المصطلح من معناه فقط بل تضيفه الى سلسلة المصطلحات المهملة والفاقدة لأية قيمة وإلا : كيف لمثقف ان يبشر ويشرعن للتصفيات الجسدية على أرضية الخلاف ؟ ! او ان يقبل بتجنيد الأطفال ويعتبرها حرية شخصية وغاية مقدسة لتحرير الشعب والوطن ؟! و : يرى في زواج القاصرات جريمة – وهو محق – ولكنه يشرعن   ويبرر لها حمل السلاح وخوض المعارك والحروب ؟! .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…