العراق في محك الاختبار! 2-2

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

يمكن تقسيم الحركة الشيعية في العراق إلى فئتين عامتين، الفئة الأولى هي التيارات التابعة لنظام ولاية الفقيه المتحكم في إيران والتي كانت الخاسر الأكبر اليوم في الانتخابات الأخيرة وقد استثمر فيها علي خامنئي من خلال استخدام فيلق القدس، والفئة الثانية هي التيارات التي ظهرت في هذه السنوات، وبالرغم من وجود غالبية شيعية معهم إلا أن هناك نقطة خلاف بينهم وبين الولي الفقيه المتحكم في إيران ويسعون للسيطرة على الوضع لصالحهم، والفئة الثانية في الواقع هي الغالبية الشيعية من أبناء الشعب العراقي غير الراضين عن الوضع الحالي وقد انتفضوا وثاروا على عملاء النظام الإيراني مرارا وتكرارا.
ميليشيا الحشد الشعبي!
سرعان ما تحولت ميليشيا “الحشد الشعبي” التي سيطر عليها عملاء النظام الإيراني بأوامر مباشرة من قوة القدس الإرهابية التابعة لحرس النظام الإيراني إلى قوة خطيرة ، عملت هذه القوة الخطيرة بقيادة وتوجيه السفّاح قاسم سليماني منذ البداية وشكلت حكومة موازية لحكومة دولة العراق الرسمية وفرضت قراراتها كتهديد ماثل أمام الحكومة الرسمية.
نظرة فاحصة على المشهد السياسي في العراق اليوم!
بالإضافة إلى نهب المليارات من ثروة العراق والعراقيين من قبل الحكومتين الدميتين الأخيرتين في العراق، تجدر الإشارة إلى استشهاد أكثر من 700 متظاهرا خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة على يد الميليشيات التابعة لإيران، واختطاف وتعذيب آلاف آخرين، وأكثر من 30000 من الجرحى والمعوقين.
وقد وفّرت هذه الأوضاع أرضية لنمو التيارات التي ترتبط في بعض النواحي بارتباطٍ طفيفٍ مع ولي الفقيه المتحكم في إيران.
 عقب المظاهرات المناهضة للحكومة التي قام بها أبناء هذا البلد والتي أدت إلى هزيمة وإقالة حكومة عادل عبد المهدي وصل مصطفى الكاظمي الذي قيل إنه مقرب من تيار الصدر إلى السلطة، وكان إجراء الانتخابات المبكرة خطة نفذتها المرجعية الشيعية ونفذها مصطفى الكاظمي تحت شعار الإصلاح، وبعد زيارته للسعودية ولقائه بآية الله السيستاني تمكن مقتدى الصدر من إحداث نقطة تحول في ميزان القوى السياسية العراقية أضر بمصالح النظام الإيراني.
دور النظام في الفتنة والانقسام بالعراق! 
بنظرة عامة على العراق يظهر بوضوح أن جميع مناطق العراق تعاني من الفرقة والتشظي والانقسامات، ومن وجود جبهتين في كل جزء إحداها خاضع متأثر بنفوذ النظام الإيراني، والأخرى أصيلة متجذرة في المجتمع العراقي، وتفتقر الجبهة التابعة للنظام الإيراني إلى القاعدة والأصالة سطحية مصطنعة قائمة على المال والمصالح المادية، وتعتمد في جودها على التهديدات والرشاوى والاغتيالات وأعمال المافيا لفرض نفسها على المجتمع، والميليشيات والقوى الإرهابية هي أذرع هذه الجبهة.
وعلى الجبهة المقابلة أناس يريدون تحرير بلادهم من هذا الوضع المؤلم وخرجوا إلى الشوارع عدة مرات للقيام بانتفاضات صغيرة وكبيرة الحجم لإيجاد حلول تتحقق من خلالها حكومة وطنية شعبية وديمقراطية غير طائفية، وهذه الجبهة مستقلة على عكس الأولى التي عادة ما تكون مدعومة بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل النظام الإيراني، وقد تعرضت للقتل والقمع والتآمر عليها من قبل عملاء النظام الإيراني بالعراق، وإذا نظرنا إلى المشهد العراقي اليوم من خلال هذا الموشر فيمكننا رؤية هذه الحقيقة بشكل جيد.
ضرورة مهمة ملحة وعاجلة!
بغض النظر عن صعود وهبوط القوى والتقلبات العديدة في العقدين الماضيين لم تعد أهمية حقيقة الوحدة والتماسك والوقوف يدا بيد وجنبا إلى جنب أمرا خافيا على أي جزء من المجتمع العراقي وذلك لتحرير العراق والشعب العراقي، وفي هذا السياق يمكنهم تجاوز بعض الخلافات والإختلافات والانتصار على النظام الإيراني المحتل.
واليوم يمكن القول وبكل جرأة وشجاعة أن النظام الإيراني نظام محتل وقوة شر مدمرة في نظر الغالبية العظمى من العراقيين لأنها انتهكت سيادتهم ومست كرامتهم وتعدت على مستقبلهم ومصيرهم وفرضت أسوأ قوة على الشعب العراقي وهي قوة الميليشيات المسماة بـ “الحشد الشعبي” التي أوجدها النظام الإيراني تحت ستار “محاربة داعش”! 
لذلك أصبح الوقوف في وجه النظام الإيراني ضرورة مهمة وعاجلة ملحة في المجتمع العراقي، وإذا كان أو أصبح هذا الوقوف المطلوب بوجه النظام الإيراني “كسد منيع” فلن يكون الوضع في العراق كما هو عليه الحال الآن بل سيكون مختلفا تماما، ويشير تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية إلى غياب مثل هذا العنصر عنصر التماسك والترابط والمواجهة الموحدة، وخلافا لذلك كانت هذه القدرات ولا تزال موجودة في المجتمع.
وبالرغم من أن إقليم كردستان العراق يختلف إلى حد ما عن باقي مناطق العراق الأخرى من حيث التاريخ والسوابق، إلا أن كردستان العراق ليست استثناءا، فبالرغم من خصوصية وسوابق كردستان العراق فإن الميليشيات الموالية للنظام الإيراني لم تتمكن من الفوز بمقاعد في الانتخابات العراقية الأخيرة، وقد كانت  كردستان ولا زالت معرضة للتهديد على الدوام من قبل التيارات المقربة من النظام الإيراني والتيارات الأصولية والمتطرفة، وإن سنحت لهم الفرصة فسوف يدمرون هذه المنطقة.
التحصن والإحتراز من تكرار الكارثة!
استثمر النظام الإيراني منذ وصوله إلى السلطة وحتى اليوم بشكل دائم في العراق وسعى لتحقيق أهدافه بطرق مختلفة من خلال عملائه العراقيين وأصبح هذا واضحا للجميع وخاصة الشعب العراقي، واستطاع هذا النظام ان يحتل اهم المناصب الرئيسية في العراق بسبب الاخطاء الاستراتيجية للدول الغربية، حيث احتكر النظام الإيراني في العقدين الأخيرين أهم منصب ومركز تنفيذي في البلاد وهو نصب رئيس الوزراء  تحت مسمى «الأغلبية الشيعية»، وقد ارتكب تحت هذا العنوان جرائم جسيمة أيضا.
وعلى الرغم من خبرة الشعب العراقي الكبيرة الآن بالدور التخريبي للنظام الإيراني وعملائه العراقيين في بلدهم، يبقى الشعب العراقي عرضة لخطر عدم إدراك مؤامرات النظام وتهديداته، لذا فإن عليه الإستفادة من إنجازاته وتجاربه السابقة كنقطة انطلاق لخلع يد النظام الإيراني وعملائه من العراق، وطرد العملاء المقربين من هذا النظام من المناصب الرئيسية في بلادهم، والعمل والتكاتف من أجل تشكيل حكومة وطنية شعبية وديمقراطية.
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…