المجلس الوطني الكردي والقرارات الصّعبة

أمينة بيجو
استقطب انعقاد المؤتمر الأول التأسيسي في 26/10/2011 للمجلس الوطني الكُردي أنظار الشعب الكردي كحدثٍ بارزٍ في تاريخ الحركة الكردية المليء بالانشقاقات والتناحرات غير المبررة، التي جاءت في غالبيتها على خلفية الخلافات الشّخصية، والمنافع الآنية، دون أنْ يضع أحدهم المصلحة الكردية العليا معياراً للعمل السّياسي في التنظيم الحزبي، وغياب شخصية ذات سمّة كاريزمية تستطيع أن تكون محوراً أساسياً ساهم في التّشتت الكردي،  فتكاثرت الأحزاب، وتعدّدت الأسماء المتشابهة والمتقاربة والمختلفة، حتى شعرت غالبية الشّعب الكردي بالغثيان السّياسي، وابتعدت عن الانخراط في العمل الحزبي، فجاءت ولادة المجلس كخطوة نوعية لتوحيد الصّف الكردي وخطابه السياسي، والإرساء على شعارٍ موحّد كحلّ للقضية الكردية وسوريا المستقبلية. 
لم يكن لدى قادة المجلس الخبرة العميقة في تأطير القوى السياسية رغم تجربة التحالفات السابقة، وللأسف لم يستطع المجلس الوطني الكردي استيعاب طبيعة المرحلة، حيث أدخلَت بعضُ أحزابها المعطبة أمراضَها داخل قاعة المجلس، وتصرّفت بما يتوافق مع مصالحها الحزبية الضّيقة، ومنافع شخصياتها التي تجاوزها التاريخ، فأصابت عطالة مزمنة مفاصل المجلس، وتوقفت نشاطات لجانها المختلفة، حتى بات هيكلاً فارغاً من أي محتوى. الخلافاتُ – التي نخرت أداء المجلس نتيجة اصطفاف بعض الأحزاب إلى جانب «إدارة ب ي د» والقيام بالمهام الوظيفية الموكلة لها لنسف المجلس من أساسه- أفقدتْ المجلس مهارة البحث عن التجديد وإيجاد آلياتٍ فعالة لاتخاذ القرارات.
الالتفاف الشّعبي الكبير حول المجلس الوطني الكردي عند انطلاقته لم يدُم، فقد شعرت غالبية الناس بالخذلان، وأصابهم الإحباط، وتذمّرت من مواقف المجلس، سواء ما يتعلّق بالجانب الخدمي، أو السياسي. حيث فقد المجلس الزخم الشّعبي، ووجد كثيرٌ من الناس أنّ مجلساً هزيلاً متردداً لايُشبعُ جائعاً، لن يؤمن لهم مستقبلاً وأماناً، هذا العطبُ السّياسي قد يكونُ طبيعياً لمجلسٍ مبنيّ على تركيبة غير موضوعية، يتساوى فيه حزبٌ صغير جماهيرياً يبحثُ عن موطئ قدمٍ لوجوده مع حزبٍ جماهيري قدّم تضحيات كثيرة، ذي إرثٍ نضالي تاريخي، إضافة إلى مستقلين تلاعبت في انتخابهم المحسوبيات الحزبية، والعلاقات الشخصية، فغاب العقل الجمعي والمعيار النّضالي في القرارات المصيرية، فأخذ المجلس منحى التعطيب والتعطيل المُزمِن، ورغم الاعتراف الإقليمي والدولي له إلا أنه لم يكن بمستوى المسؤولية التّاريخية الملقاة على عاتقه.
عشر سنواتٍ عجاف مرّت ولم يستطع المجلس تنظيم مؤتمراته الدّورية، رغم المهام المصيرية الملقاة على عاتقه، تنظيمياً، وسياسياً، أولها تغيير تركيبة البنية التنظيمية من خلال وضع معايير معينة لتمثيل الأحزاب فيه، وإفساح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني (جمعيات حقوقية واتحادات الطلبة والشباب والمرأة والكتاب وغيرها) والشخصيات الوطنية والسياسية من ذوي الكفاءات والخبرة للاستفادة من طاقاتها، ليكون المجلس تعبيراً حقيقياً عن النَّفَس القومي الكردي، يعكس طموحات وتطلعات الشعب الكردي، ويأخذ مكانته الطبيعية في النضال السياسي.
بغير ذلك سيتقلّص دورٌ المجلس ولن يستقطب الشارع الكردي التّواق إلى أي أفقٍ مضيء ثانية، وسيكون أي مؤتمرٍ آخر مجرّد تكرارٍ وجمعٍ عدديّ لا يغير من الواقع شيئاً، وسيدخل في صراعاتٍ حزبية جانبية قد يؤدي إلى انتكاسات سيدفعُ ثمنها الشعب الكردي في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا، دون أن ننسى أنّ النظام استعاد أنفاسه اعتماداً على القوة العسكرية الرّوسية.
على المجلس اتخاذُ قراراتٍ جريئةً وصعبة، ومن دونها سيفقد أصدقاءه، ودوره المتراخي منذ سنوات، وأول القرارات: التخلّص من رائحة الفساد، حيث بات السّطو والتنمّر على مقدرات المجلس حديثاً يومياً، وتسلّقت جدرانَه الطحالبُ والطفيلياتُ، وثانيها: إتاحة الفرصة للشّخصيات والقوى المدنية ومنحها دوراً أكبر. ثالثها: قراءة الأحداث وما يجري على الأرض بدقّة، فالخيارات المتاحة أمام المجلس تتقلّص، فإذا علمنا أنّ إدارة (ب ي د) غير مستعدة للشراكة الحقيقية مع أي طرفٍ كردي لايتماهى مع سياساته العنفية والنفعية، والنّظام غارقٌ في الدّم، والمعارضة في تيه المال الارتزاقي، فلا بدّ من مراجعة شاملة للمواقف والأحداث واتّخاذ ما يلزم من القرارات الصعبة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…