الكوردي في مهب الإرهاب – مع كتاب : الكورد والإرهاب «للباحث الكوردي إدريس عمر»

إبراهيم محمود
كتاب ” الكورد والإرهاب ” للباحث الكوردي إدريس عمر ” والمقيم في ألمانيا ” وقد أبصر هذا الكتاب النورَ، من منشورات ” خاني ” دهوك، 2021، في “224 ص ” من القطع الكبير، وهو يستقبل قارئه في هدوء بال، ليدعه لحظة الانتهاء منه قلقاً دائخاً، على وقْع المعلومات التي ضمّنها كتابه عن الإرهاب، حديث الساعة، والذي يشار إليه في جهات شتى، ويجري وصْله بمفاهيم شتى بالمقابل. لهذا يصدُم !
لقد سعى الباحث عمر جاهداً إلى تحرّي موضوعه في اختلاف مؤثراته ومكوناته، التاريخية، السياسية، الاجتماعية، والثقافية، ودون نسيان الدينية منها، وكيفية تحويرها إيديولوجيا.
ولعل الناظر في لائحة مراجعه ومصادره المختلفة، يتأكد من جانب التنويع فيها، وإرادته في أن يأتي كتابه أكثر توازناً بحمولته المعرفية، حيث الإرهاب يكون المحرّكَ البحثي له.
ولا بد أن يُذكر هنا، أن صلة قربى الباحث بالموضوع، ربما تأتتْ من خلال واقع شخصي فاجتماعي وقومي بالمقابل، إذ إنه كان سجيناً سياسياً ” أمضى سنوات في سجون النظام السوري ” على خلفية من مواقفه السياسية وهوكوردي بالمقابل، كما لو أنه أراد الوصل بين تجربة السجن أو الاعتقال العملية منها، فالنظر، جهة تعقّب الآراء والنظريات ذات الصلة بالإرهاب، أو ما يصل بطرف ما إلى الإرهاب انطلاقاً من التطرف، ولأن كورديته ناطقة بلسان هذه التجربة بجلاء، وهو ما يمكن تبينه في كتابه الصادر قبل سنوات( سوريا من الاضطهاد السياسي إلى الكارثة الإنسانية، القاهرة، 2016 )، تجربة تأليف أو وضْع كتاب لا يخفي نطاقه الجغرافي بعائده الثقافي والسياسي ” سوريا “، ليكون هذا الكتاب تالياً، وفي معايشة تاريخية لا تنفصل عما كان عليه الوضع إبان فترة اعتقاله، وقد استشرى العنف ليثمر تطرفاً، وليثمر التطرف وقد استفحل بدوره هنا وهناك، وهو يكتسب صفة عالمية، بأكثر من معنى، ليصبح إرهاباً، ولتتسع دائرة البحث بالمقابل.
أحسب أن الباحث عمر، كان يتعقب نقاط ارتكازه البحثية، أو علاماتها الفارقة، وهو يعيش هول القائم في المنطقة، وتداعيات الإرهاب، ونصيب الكورد ” شعبه ” بامتياز من رعبه وميتاته .
إن قارىء كتابه وهو يقبل على قراءة كتابه، يتلمس مثل هذا التدبير في التفكير.
ولا يغيبنَّ عن ذهن أي كان، أن العنوان بطريقته تلك لم يأت عبثاً ( الكورد والإرهاب )، هكذا دون أي إضافة تقريبية أو حصرية للمتوخى منه، وما يترتب على ذلك من انفتاح الذهن على تفاسير وحتى تأويلات مختلفة: ماالذي يصل الكورد بالإرهاب، أو بالعكس، أي خط إيديولوجي، ثقافي، تدميري، يشد كلاً منهما إلى الآخر، من وراء إطلاق جملة الأوصاف التي تثقِل كاهل الكورد بما يحول بينهم وما ينشدونه كغيرهم من شعوب الأرض من استقلالية في الكيان السياسي؟
مفاتيح 
إن من يتفصح عناوين محتويات الكتاب يلاحظ هذه الرؤية البانورامية، بغْية إنارة مفهوم الإرهاب، كما يستحق، وهو في أعالي ظهوره، وأداني فظائعه بالمقابل.
الهم الكوردي الذي يسكنه هو ما يعّمد بنية الكتاب، وهذا من حقه. في محاولة التصدي لمن يسيء إلى الكورد، وبالتوازي مع كيفية تشكل الإرهاب بعدّته وعتاده وعدده، وفي الإطار التاريخي الذي تمكن فيه الكورد من مواجهة التجسيد الأكثر دموية ورعباً للإرهاب ” تنظيم الدولة الإسلامية: داعش ” ومن يكون سنداً له، بمعانيَ مختلفة( لقد رأى العالم كيف سطَّر أبطال الكرد الملاحم البطولية ضد هؤلاء الهمج القروسطيين، وكيف تم الانتصار عليهم بشجاعة يندر لها مثيل…ص16 ).
وحين يقبِل الباحث عمر على عنونة فصوله، فرغبة في الإيضاح والتفصيل لما يراه مطلوباً، ليكون الفصل الأول بعنوانه ” ماهية التطرف الديني الإيديولوجي والإرهاب ” الأول في الكتاب، بعد مقدمته.
ما يكونه التطرف خطراً على صاحبه والآخرين، وخاصة لحظة اقترانه ( بالدين والإيديولوجيا. ص 19 )، وكيف تبرز الجماعات الإرهابية جرّاء التطرف المتصاعد قولاً وفعلاً. حيث لا يخفى صواب قوله( الإرهاب أداة لصراع سياسي . ص 21 ).
وبسبب خطورته على المجتمع الإنساني كان نبذه دينياً وتاريخياً.
وما يردُ في سياق الفصل الثاني ” العلاقة بين التطرف والإرهاب ” يعزز هذه الاظاهرة. وقد تعمقت جذورهما ( جدير بالذكر أن ظاهرتي التطرف والإرهاب استفحلتا لدرجة مريعة، بعد موجة ما أطلق عليه ” الربيع العربي ” التي ابتدأت في مطلع عام ( 2011 )، والتي كان من أعراضها ” الجانبية ” تفشي الفوضى وانفلات الأمن وضعف هيبة الدولة الوطنية..ص43 ). وهي مقولة تقبل النقاش جهة محتواه، أي ما إذا كان ذلك مخططاً هنا وهناك، وحيث لا نجد أثراً لمفهوم ” الدولة الوطنية ” أصلاً في تاريخ الشرق إجمالاً.
الإرهاب ينطق بلسان مجتمعي. طبعاً ( فالإرهاب أحد مظاهر العنف الاجتماعي، وعليه فهو ظاهرة مركبة ومتعددة الأبعاد..ص 52 )، لهذا ( من الصعب تعريف الإرهاب بكلمات قانونية واضحة..ص53) .
ويتعقب مصادر بحثية مختلفة لتوضيح هذه النقطة التي تشمل الكتاب ككل.
ومن ذلك بالمقابل، سعيه إلى تبرئة الأديان وبوصفها أدياناً سماوية مما هو إرهابي، وهو  يستهل ذلك طي عنوان فرعي” موقف الأديان من الإرهاب ” بقوله( جاءت الأديان لأجل الإنسان أولاً وقبل كل شيء آخر، فالإنسان هو الحرمة الأولى في الأديان..ص76 )، وبدءاً من الزرادشتية. وهو في متابعته هذه، يقدّم صورة مثالية عن الأديان، كم لو أنها واحدة، وليس ما يخص كل دين و” جماعته ” والانقسامات الحادثة جرّاء المختلف عليه اجتماعياً، وتاريخ الأديان هو الذي يعلِمنا بذلك. إن ” سفر العدد “، ” التثنية ” و” يشوع “..الخ، ظاهر بعمق في استثنائية اليهود، وتبرير كل عنف مميت موجه ضد الآخرين ” الغوييم: الغرباء “، وهذا ما نتلمسه في ” العهد الجديد ” كذلك، وكيفية الاعتماد على نصوص دون أخرى لقتل الآخرين ” ما فعلته أوربا في ” العالم الجديد ” مثال حي “، وهذا ينطبق على التفاسير الإسلامية والفتاوى المعززة لذلك.
ولعل قارىء الفصل الثالث ” نماذج من الحركات الإرهابية في العالم ” يلاحظ كيفية تلوين ما هوديني واجتماعي أو ثقافي وعقيدي، وهو فصل خصب بأمثلته وسردياته التاريخية المدوخة، وضمناً ما تعيشه الساحة السورية من أوجه إرهاب قاتلة ومدمرة .
أما الفصل الرابع ” الكورد والإسلام والإرهاب ” والذي يقدَّر ترتيباً، بأنه لم يأت هكذا، إلا لكي تكون صورة المعطى أكثر شفافية، أي بصدد الكورد نشأة وأصولاً وعقيدة وصلات اجتماعية، وما انبثق كوردياً ناحية القائمين بالتطرف والإرهاب هنا وهناك، والكِلف الباهظة في التكاليف التي دفعها ولا يزال الكورد يدفعونها من دمائهم وحياتهم وأتعابهم، وفي مدى تعرضهم لأعمال إبادة جماعية مختلفة ” حلبجة، كنموذج حي هنا “. حيث إن قضية الكورد الوطنية والقومية، كما كتب الباحث عمر، لم تحل دون ظهور تنظيمات إسلامية متطرفة وحتى إرهابية” بدءاً من ص 179 “.
إنها مخططات دول تقاسمت كوردستان، وقوى لا تريد للكورد وحدة أو استقراراً، حيث كان داعش القوة الأكثر تدميرية وإرهاباً ومن يدعمونه في المنطقة وفي الخارج. وكان الفشل ( لقد دفع الكورد ضريبة كبيرة ليس دفاعاً عن أنفسهم فحسب، بل عن الشعب العراقي والعالم في حربه ضد داعش…ص209 ).
إن ما يخلص إليه الباحث عمر، هو بمثابة النشدان لسلام عالمي، من خلال تصفية الإرهاب والقضاء على المؤثرات الداعمة له، أو الفاعلة في بقائه، من فقر وبطالة وظلم وعنف وانغلاق وجهل وتخلف….” ص 214 “.
نقاط إضاءة
كما نوهَّت، فإن مساعي الباحث عمر الحميدة في مكاشفة الإرهاب دلالة ومعنى وعلاقة، ومن خلال شمولية، لا تخفي قائمة من النقاط التي تضفي على موضوع الكتاب نفسه قيمة اعتبارية.
من ذلك قوله عن ( أن البشرية لم تعد تحتمل مزيداً من القتل وسفك الدماء…ص57 )، وهي نظرة تفاؤلية خيّرة، ولكنها تتجاهل التاريخ الذي يعرَف بوجوه عنفه المختلفة إجمالاً، وأن العنف الذي هو قاطرة التاريخ الكبرى، يتنوع، ويترافق مع مستجداته الاجتماعية والثقافية.
وفي السياق نفسه، ما يختلَف عليه في المجتمع الواحد، وفي السياسات المتضاربة للدول، لا بل وفي تصورات المثقفين والكتاب والمفكرين أنفسهم .
فالتاريخ الذي يسمي الإرهاب فرنسياً ” 1794 ” كما يذكر الباحث عمر ” ص 57 ” تكمن قوة المفارقة فيه، أنه جاء إثر الثورة الفرنسية ” 1789 “.
إلا أن الجدير بالذكر، وما في ذلك من لفت النظر، حين ينبري أحدهم إلى ربط ” التنوير ” نفسه، هذا الذي يكون محط مديح ، بالإرهاب؟ كيف يكون التنوير في خدمة الإرهاب؟
ذلك هو محتوى كتاب  ديفيد ليفينغ ستون ” الإرهاب والتنوير: تاريخ عمره ثلاثة آلاف عام “(ترجمه أدهم وهيب نطر، ونشرته دار تموز، دمشق، ط1، 2018)، حيث إن تاريخ المتنورين يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد،في مدينة بابل ( وذلك مع ظهور بدعة ” القبالا ” اليهودية. ص 12 ). وليس من استثناء في ذلك .
وهناك نقطة أخرى تخص عملية تفجير البرجيين العالميين في نيويورك ” 11 أيلول 2001″ وكيف أنها، بتعبيره ( هزت العالم ..ص45 ).
هذه النقطة بالمقابل، مختلف عليها أشد الاختلاف،وهو ما نتلمس أصداء مختلفة لها وعنها، في مجموعة مقالات صدرت حينها، ونشرت في كتاب ( ذهنية الإرهاب: لماذا يقاتلون بموتهم )، لجان بودريا وآخرين ” ترجمة، بسام حجار، المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2003)، وتحديداً، من خلال مقالة ” ذهنية الإرهاب ” لبودريار، والذي تعنون به الكتاب” صص 15-37″.
وكيف أن المفكر المغربي الأكاديمي فتحي المسكيني، أفرغ محتوى هذه المقالة بأكثر من معنى، في قالب مقال له، وهو ” الإمبراطورية والمسلم الأخير أوحديث القيامة بين ” الجليل ” و” الهائل “”، ” صص163-198 “، وضمن كتابه ” الفيلسوف والإمبراطورية : في تنوير الإنسان الأخير “، منشورات المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1، 2005 ، كما في هذا التعبير( إن الحداثة إذن هي اللباس الذي اختفى وراءه المسلم الأخير لإكراه حيوانات الديجيتال على إخراج كل ” الهائل ” التقني الذي تختزنه في رفاهيتها الوثيرة، نعني على إخراج ” القيامة ” التي تختبىء في ” الهائل ” التقني دون أن يراها ..ص 184 ).
إنه تقريظ ملحوظ لذلك المعرَّف به إرهابياً ومفجّراً البرجين المذكورين، وفاعل إدانة لأميركا.
لنورد هذا المقطع الخاص ببودريار والمتعلق بالإرهابيين أولئك( لقد استطاعوا أن يجعلوا موتهم سلاحاً مطلقاً ضد سستام يحيا من استبعاده الموت، ومثاله هو ” صفر من القتلى “، كل سستام يقوم على صفر من الموتى، هو سستام حصيلته عدم….ص25 ).
بينما نجد لدى نظير عربي للمسكيني، وهو هاشم صالح، في كتابه ” الانسداد التاريخي : لماذا فشل مشروع التنوير في العالم العربي؟ دار الساقي، رابطة العقلانيين العرب، بيروت، ط1، 2007 .”، ما هو مغاير تماماً، حين نقرأ ( 11 سبتمبر وما تلاه من أحداث كـ” 11 ” مارس في مدريد أو تفجيرات لندن سوف تجبر العرب والمسلمين بشكل عام على الانخراط في مشروع التنوير غصباً عنهم.ص 77 . ثم:  أعتقد شخصياً أن ” 11 ” سبتمبر أقوى من سقوط جدار برلين والشيوعية على الأقل من الناحية الشكلية. إنه حدث صاعق لكل ما للكلمة من معنى.ص 75. “، وما يشكل تصعيداً بالموقف ورؤية للكارثي على وقع الحادث ( يبدو أن وباء الأصولية والتعصب والإكراه في الدين يستفحل حالياً في العالم العربي والإسلامي كله، بل يصل بعدواه إلى الجاليات الإسلامية المقيمة في الغرب منذ زمن طويل . ص 89 …وكذلك: تباهي الإيديولوجيين العرب بالحرية والذين يتعاطفون علانية مع بن لادن والزرقاوي وصدام حسين على الرغم من أنهم يعيشون في لندن أو باريس أو برلين أو امستردام يسرحون ويمرحون. ص 91.)…الخ.
إنها أكثر من حمالة أوجه هذه الواقعة، أو ظاهرة الإرهاب وطريقة تصريفها قيمياً وثقافياً .
ملحوظتان 
الأولى ذات صلة بتوحيد الكلمة، كما في حال الكرد، كردستان، مثلاً، وقد جاءت هكذا ” الكورد ” وأحياناً  ” الكرد ” وهذا ينطبق على ” كردستان ” ، ” كوردستان “.
والثانية، تتعلق بأخطاء لغوية وردت في كتاب ” الكورد والإرهاب ” حيث تتطلب تصويباً، إذا قيّض له أن يبصر النوررفي طبعة لاحقة.
كما في حال : أولى أهدافها: أول أهدافه- وكبت الأفواه: وكم الأفواه- أن يخطوا: أن يخطو- شعب بمنجاة: شعب بمنجى- بادر إلى ذهني: تبادر إلى ذهني-المفكر المتطرف: المفكر المتشدد- صورة زئبيقية: صورة زئبقية-  داعش ” يذكر ويؤنث “، كما في : داعش وصلت لحدود إيران ولم يتقدم …ص194 ..
إنهما ملاحظتان عابرتان، مقارنة بالجهد البحثي المبذول، من قبل من يستحق تسمية الباحث، أعني به: إدريس عمر…دون ذلك، ما كنت أقبِل على قراءته وتقديمه هذه، ولو باقتضاب .
ملاحظة جانبية: وأنا أنتهي من كتابة مقالي، رأيت في نشر مقال بالفرنسية، ويخص الإرهاب، في جانبه التعريفي، وقد ترجمتُه إلى العربية، وفي ذيل مقالي ذاك، تعميقاً لاسم الكتاب ومحتواه:
جيل فيراجو: الإرهاب في التعريفات
تعريف الإرهاب أصعب مما يبدو: الاسم خطاب سياسي أكثر من كونه حقيقة قانونية. فقط اللجوء إلى التاريخ يجعل من الممكن رؤيته بشكل أكثر وضوحاً.
إنه خيال قديم ، للفرد الذي ، بإرادته وحدها ، يمكنه تغيير العالم … خيال ذو وجهين: كان يمكن أن يكون ملكاً مطلقًا تكون إرادته قانوناً لرعاياه ، مثل الرجل وحده الذي يواجه المجتمع. وقد اكتسب حلم السلطة هذا أهمية خاصة في القرن التاسع عشر مع ولادة الرومانسية وعبادة الفرد. وكان كذلك في القرن التاسع عشر ، وهو قرن التسييس الجماهيري siècle de la politisation des masses ، ظهر الإرهابيون في مظهرهم ، ودعوا إلى العنف لتغيير نمط حكم المجتمع ، وحتى تنظيمه. هذا العنف بلا شك سياسي: وهذا هو جوهر الإرهاب. 
مصطلح ضمني
وكموضوع للتفكير العلمي ، يطرح الإرهاب مشكلة. هذا الموضوع ، لا سيما منذ هجمات 11 أيلول 2001 ، يخضع للتدقيق والتحليل من جهة القانونيين، كما هو الحال من قبل علماء الاجتماع أو الصحفيين. لكنهم توصلوا جميعاً إلى النتيجة نفسها: صعوبة ، إن لم يكن استحالة ، إعطاء تعريف موضوعي للإرهاب يتفق عليه الجميع. وجرت الإشارة إلى المصطلح وتظل معالمه غامضة ، مثل “الحرب على الإرهاب” التي دعت إليها إدارة جورج دبليو بوش في عام 2001 ، وقد باتت طرقها المسدودة – القانونية والاستراتيجية – واضحة الآن. وبصفته متخصصاً في هذه المسألة ، يلاحظ الأمريكي والتر لاكوير: “حتى لو كان هناك تعريف موضوعي للإرهاب ، والذي لن ينطوي على أي قيمة وسيشمل جميع جوانبه وخصائصه الرئيسية ، فسيظل هناك من يريد رفْضها لأسباب إيديولوجية  ” ” 1 “
وتنبع هذه الصعوبة في تعريف الظاهرة التي أصبحت منتشرة في كل مكان في وسائل الإعلام والثقافة من تعدد أشكالها – من التخريب “السياسي” du vandalisme « politique إلى الإرهاب الجماعي ، بما في ذلك الاغتيال المستهدف – وتعدد فاعليها (من الفرد إلى الدولة. ) وقبل كل شيء من وجهة نظر. لقد بات التفكير في الإرهاب أكثر تعقيدًا جرّاء التهمة العاطفية لهذا المصطلح: إرهابي الأمس يمكن أن يكون محرر الغد ، وعلاوة على ذلك ، فإن قلة من الإرهابيين يدعون هذا الاسم. لهذا فهو خطاب سياسي أكثر من كونه حقيقة قانونية. يُعرّف الإرهاب بأنه العنف السياسي باعتباره غير شرعي بداهة ، وهو يحيلنا إلى صيغ الفقيه الألماني كارل شميت الذي يتمثل دور السياسة بالنسبة له في التمييز بين الصديق والعدو ، وليس الخير من الشر أو فقط من الظالم ” 2 “. 
وتنشأ مسألة الضحايا بالمقابل عن ظاهرة يتم تحديدها، من خلال أهدافها المباشرة والهدف “” بالمعنى الواسع للهجوم: الرأي العام الذي يجب أن يحركه هجوم مستهدف مثل العنف العشوائي. لذلك فإن المصطلح ، الغامض ، هو موضوع قضية ، عندما لا يصبح سلاحًا لتشويه سمعة الخصم.
وفي حالة التراجع ، يمكن للتاريخ أن يقدم مقاربة للظاهرة ، إن لم تكن جديدة ، على الأقل شرعية من حيث أنه يسطّرها على المدى الطويل. ويثير الإرهابيون مشكلة – اجتماعية ، سياسية …إلخ. – إذ يزعمون أنهم قدَّموا ردود فعل عنيفة عليها. وبالتالي ، تتمثل مساهمة المؤرخ في إبراز علم الأنساب ، والتقارب ، مع مراعاة سياقات محددة. إنها أيضاً مسألة تسليط الضوء على الإطار الذي يتطور فيه الإرهاب، ويؤكد نفسه: فبينما تبدو الديمقراطية هي المكان الأنسب للتفكير الموجه للجماهير ، لا يمكن اختزال الإرهاب في حرب بين الديمقراطية وأعدائه.
ويمكننا أن نرى أن الخطابات والممارسات الإرهابية، وطريقة العمل ونظريات العمل قد تم تداولها منذ القرن التاسع عشر. والكلمة نفسها تظهر في شفق القرن الثامن عشر. إنها تنبع من كلمة “الإرهاب”. الإرهاب يقضي على العقل ويشل إلا إذا كان في حالة من الذعر. وكسياسي ، ظهرت خلال الثورة الفرنسية. والسياق معروف: تحالف أجنبي يهدد فرنسا ، واستقر مناخ من التوتر داخل البلاد عندما وقع اغتيال مارات ، “صديق الشعب” ، من قبل شارلوت كورداي ، في 13 تموز 1793. هذه الجريمة تقود الأقسام الباريسية. إلى إعصار بلاغي تنبثق منه فكرة وكلمة “الإرهاب السياسي”. فاز المشروع بالاتفاقية في 12 آب 1793 ، عندما نظر فيه كل من دانتون وروبسبير ، وكان روير التقليدي ، خلال اجتماع عقد في 30 آب في نادي اليعاقبة ، هو من صاغ التعبير المكرس. الأجندة هي الطريقة الوحيدة لإيقاظ الناس وإجبارهم على إنقاذ أنفسهم. “
وتم تمرير هذا الإجراء في 5 أيلول 1793. ثم دخل الإرهاب التاريخ السياسي! يدخل من الباب الرئيس ، باب الدولة وسياسة مشروعة باسم السلامة العامة. وفي عام 1798 ، كشفت الطبعة الخامسة من قاموس الأكاديمية الفرنسية Dictionnaire de l””””Académie française عن كلمة “الإرهاب” ، التي تُعرَّف على أنها نظام إرهابي (وبالتالي نظام سياسي) ، والإرهابي باعتباره عميلًا أو داعمًا لهذا النظام.
وهكذا نشأ إرهاب الدولة ، هذا النمط من حكم الرجال من خلال استخدام الإرهاب ، أولاً. تكررت في عام 1815 مع الرعب الأبيض ، وهو انتشار عنف الملكيين ضد البونابارتيين واليعاقبة السابقين ، والذي شرع بعد ذلك من قبل غرفة الألتراس ultras ” 3 “. على المنوال نفسه ، يمكن للمرء أن يستحضر الإرهاب الأحمر في أيلول 1918 في روسيا ، والذي اتخذ الخطاب والإجراءات لعام 1793 ويصور الشمولية النازية أو الفاشية أو الشيوعية. إنها ديناميكية حللتها هانا أرندت في أصول الشمولية (1951): “إذا كانت الشرعية هي جوهر الحكم غير الاستبدادي ، وغياب القوانين هو جوهر الاستبداد ، فإن الإرهاب هو جوهر الهيمنة الشمولية  ” ” 4 “
وليست الدول الشمولية هي الوحيدة التي تستخدم الإرهاب: فبعض الدول يمكن أن تدمج الإرهاب في دبلوماسيتها. وقد أطلق عليها اسم “الدول المارقة États voyous ” منذ أن استخدم الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في أواخر الثمانينيات مصطلح “دولة مارقة” للإشارة إلى ليبيا ؛ وهو تعبير غالبًا ما يُتهم بإخفاء الميول الإمبريالية لما يسمى بالدول “الشريفة honnêtes “. على نطاق أوسع ، الإرهاب يفسح المجال للتلاعب والاستغلال. كم عدد القوانين المشكوك فيها ، وغيرها من “القوانين السفيهة lois scélérates ” ، التي تم تمريرها في أعقاب الهجوم؟ عندما لم تكن الدولة هي نفسها مصدر إلهام للقضية …   
داود مقابل جالوت
لكن بالنسبة للرأي العام ، فإن الإرهاب يعني قبل كل شيء عنف الأقليات ، سلاح الضعفاء: داود ضد جالوت. وبالتالي فإن هذه الظاهرة ليست مجرد مسألة دولة. كان القرن التاسع عشر هو الذي اخترع هذا الإرهاب “من الأسفل”. يمكن أن يعود تاريخ أول عمل إرهابي حقيقي إلى 24 كانون الأول 1800 ، مع الهجوم على شارع سان نيكيز ، عندما انفجرت “عربة مفخخة” في طريق القنصل الأول بونابرت ، وهو أول تأكيد على إرهاب الأقلية. وفي هذه المناسبة أيضًا ، اكتسبت الكلمة معناها الحالي. “فعل الملكيين” ، يتهم فوشيه ؛ كان رد بونابرت “لا ، الإرهابيون”. في مواجهة الدولة ينشأ إرهاب فردي يعتبر نفسه شرعيًا.
في الوقت نفسه ، أكدت خطابات إضفاء الشرعية على الإرهاب نفسها طوال القرن التاسع عشر في أورُبا واقتبست من العدمية الروسية تصريحاتها وطريقة عملها. لا يتعامل الأناركيون مع العنف كغاية في حد ذاته ولكن كوسيلة للتعريف بكل من مطالبهم ومعنى نضالهم. إن اغتيال وزير ، رئيس دولة ، هو بالفعل أمر يأسر الخيال ويظهر ضعف الدولة. ألقى ريمون آرون الضوء على هذه الآلية التي أظهرتها هجمات 11 أيلول 2001.
ونمت العلاقة بين الإرهاب ووسائل الإعلام بشكل مطرد من الأغطية المثيرة للإيضاح في أواخر القرن التاسع عشر إلى مشاركات بن لادن على قناة الجزيرة القطرية. لقد أصبح الإرهاب مشهدًا spectachW .
إنه يفترض مسبقاً سينوغرافيا ” مشهدية حسية ” وخطابة واستراتيجية للصور. ويتغذى الإرهاب أيضًا على التقدم التكنولوجي ، وفي هذا الصدد ، يعتبر الاختراع هو نقطة البداية: الديناميت ، الذي طوره ألفريد نوبل في عام 1866. من الديناميت إلى الطاقة النووية ، بما في ذلك القنبلة “القذرة” ، والأسلحة البكتريولوجية والكيميائية أو فيروسات الكمبيوتر ، والتكنولوجيا. ودائماً ما يستغل الإرهابيون التقدم.
معضلة الديمقراطية
كيف نحارب ظاهرة يصعب تعريفها؟ الإرهاب يستجيب لمحاربة الإرهاب مما يؤدي إلى معضلات كثيرة ، لأنه يطرح سؤالاً رئيسياً: كيف نحارب خصم “بلا دين أو قانون” مع البقاء في إطار الشرعية؟ بطبيعة الحال ، فإن “الحرب على الإرهاب” الأولى التي دعا إليها الدكتاتور التشيلي بينوشيه ضمن خطة كوندور (1975-1981) لم تحرج من مثل هذا التردد. وطبق بينوشيه أساليب “مكافحة التمرد” التي طورتها ألمانيا النازية في حربها ضد مقاتلي المقاومة – مثل المرسوم المشئوم: الليل والضباب Nacht und Nebel ، “Nuit et brouillard” ، الصادر في 7 كانون الأول 1941 ، والذي يهدف إلى القضاء على المقاومة. لإرهاب من حولهم – وإعادة توظيفهم في الحروب الاستعمارية.
في الوقت الحاضر ، تواجه الديمقراطيات القضايا نفسها: من “يجب إرهاب الإرهابيين” (تشارلز باسكوا ، في عام 1995) إلى “قانون باتريوت” (المعتمد في الولايات المتحدة في عام 2001) والذي ، من نواح كثيرة ، بعيد عن أمر الإحضار ، عبر غوانتانامو ، تظل المشكلة محلّية: هل يجب معاملة الإرهابيين مثل السجناء العاديين؟ هذا بلا شك هو أول انتصارات الإرهاب: إنه يتطلب من الديمقراطيات أن تترك العقد الاجتماعي.
غير معروف قانونياً
والإرهاب هو جريمة عابرة للحدود ، كما أنه ليس من السهل تعريفه من خلال القانون. ومع ذلك ، هناك أكثر من مائة تعريف ، من الدول أو المنظمات الدولية أو المتخصصين. كان الهيكل الدولي الأول الذي رسم تعريفًا للإرهاب هو عصبة الأمم (عصبة الأمم) في عام 1937: “إن عبارة” أعمال الإرهاب “تعني الأعمال الإجرامية الموجهة ضد دولة والغرض منها أو طبيعتها هو إثارة الرعب لدى أشخاص عازمين أو مجموعات من الأشخاص أو في الجمهور. “
ومنذ ذلك الحين ، حملت الأمم المتحدة الشعلة. لكن في نظام دولي كبير ومعقد ، ظل الإرهاب لفترة طويلة مجهولاً من الناحية القانونية. وانتهى الأمر بالدول إلى الاتفاق على قرارات تدين طريقة عمل معينة ، مثل عمليات الاختطاف ، على سبيل المثال ، ومعظمها لديه قوائم بالمنظمات التي تعتبر إرهابية. لكن مشكلة التعريف القانوني للظاهرة لا تزال دون حل. وهكذا ، في 17 كانون الأول 1996 ، تم تكليف لجنة خاصة من الأمم المتحدة بالنظر في تعريف الإرهاب … ولم يكتمل العمل بعد.
ومع ذلك ، فقد أظهرت هجمات عام 2001 وما أعقبها الضرورة الملحة لتعريف يحقق الإجماع في القانون الدولي. في عام 2005 ، في قمة عُقدت في نيويورك في الفترة من 14 إلى 16 أيلول ، أشار الأمين العام للأمم المتحدة ، كوفي عنان ، إلى عدم وجود أي شيء أفضل ، أن “الإرهابيين يمكن التعرف عليهم من خلال أفعالهم” وأن “البيان البسيط والواضح يمكن أن تجلب بعض الوضوح الأخلاقي “. ووقعت الدول الـ 192 الأعضاء في الأمم المتحدة إعلانا يدين الإرهاب بشكل واضح وصريح “بجميع أشكاله ومظاهره ، بغضّ النظر عن مرتكبيه وأماكنه وأهدافه”. ومع ذلك ، فإن الإجماع في إدانة الأساليب الإرهابية لا يمتد إلى التعريف. هذا الصمت الذي يصم الآذان يشهد على تنوع وجهات النظر حول الظاهرة وصعوبة تلاقيها. بينما يكافح المجتمع الدولي لتعريف الإرهاب ، يوجد تعريف أكثر تماسكًا على مستوى البنى الإقليمية مثل الاتحاد الأوربي. وهكذا ، فإن الاتفاقية الأوربية لقمع تمويل الإرهاب المؤرخة 10 كانون الثاني 2000 تقترح ما يلي ، وإن كان واسع النطاق: “أي عمل يقصد منه قتل أو إصابة مدني أو أي شخص آخر بجروح خطيرة لا يشارك مباشرة في الأعمال العدائية في حالة نزاع مسلح ، عندما يكون الفعل بطبيعته أو سياقه يهدف إلى تخويف السكان أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه. “
وفي حالة عدم وجود إجماع دولي ، تقدم كل دولة تعريفها ، وعادة ما تكون مصحوبة بقائمة من المنظمات المصنفة على أنها إرهابية. هذه تتقاطع وتتداخل أو تواجه بعضها بعضاً. وهكذا يظهر حزب الله في القوائم الأمريكية والكندية والأسترالية للتنظيمات الإرهابية ولكن ليس في القوائم التي وضعها الأورُبيون.
هناك شيء واحد واضح: الإرهاب ، على الرغم من كونه مهدّدًا ، لا يحقق الإجماع ، ولكنه يقسم المجتمع الدولي. هذه إحدى نقاط قوته ، وليس أقلها.
مصادر وإشارات:
* “الإرهاب” هي كلمة فرنسية (بالإضافة إلى مشتقاتها: إرهابي ، إرهابي) تم تحديدها لأول مرة عام 1798 بوساطة قاموس الأكاديمية الفرنسية. تم العثور عليها في عام 1795 تحت قلم الفيلسوف الإنجليزي المعادي للثورة إدموند بيرك للإشارة ، بطريقة ازدراء ، إلى النظام الذي أسسه روبسبير في أيلول 1793. 
1- دبليو لاكوير ، عصر الإرهاب ، بوسطن ، ليتل ، براون وشركاه ، 1987 ، ص  150. 
2-ك. شميدت،مفهوم السياسة، فلاماريون، 2009، ص 76.
3- هذه الغرفة ، التي انتخبت في عام 1815 وبأغلبية ملكية ، تضفي الشرعية على الإرهاب الأبيض من خلال الدعوة بشكل خاص إلى إبعاد جرائم الملكية وإعدام “خونة” المائة يوم.
4-هانا أرندت، أصول الكليانية، غاليمار، 2002، ص 819.*
*- Gilles Ferragu :Le terrorisme en definitions, Le vendredi 9 janvier 2015, www.lhistoire.fr
====

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…