الخطاب القومي والأممي لدى الكورد بين الازدراء والابتذال «3»

زاكروس عثمان

 ماذا يحتاج الكوردي إذا كان في مرحلة حركة تحرر، وهو عالق في وضعية تَلفُ حول عنقه الف حبل وحبل، هل يبحث عن الحد الادنى الذي يحفظ وجوده ام يتعارك مع الكوردي الآخر على قشور فلسفة رمادية متيبسة بائسة، او على نهج اصبح منزوع الدسم من كثرة ما تاجرت به احزاب يقتات مسؤولوها من شعارات صدئة، هل اشعل فريق الفلسفة وفريق النهج المعارك فيما بينهما نتيجة ضعف في الوعي ام خطأ ام ان هناك قناعة حقيقية لدى كل فريق بتوجهاته الايديولوجية، ام ان دخول هذه المعمعة الطوباوية وتوريط الجمهور الكوردي فيها تم بموجب اوامر خارجية لمكافحة حركة التحرر الكوردستاني.  
تجد الكوردي الأممي يردد دون كلل او ملل عبارة “قومجي” تصغيرا للفكر القومي الكوردي، ليوحي إلى القطيع ان الفكر القومي نقيصة، وحيث ان القطيع مغرم بالتلقين فانه لا يسال لماذا تكون القومية تهمة، بل يقف منها اوتوماتيكيا موقف العداء، لتجد المئات يلوكون كلمة قومجي بفخر وسعادة، والغريب ان العاملين في غرفة عمليات غسل الدماغ يلقنون قطيعهم كي يتنمروا فقط على القومية الكوردية وعلى الفكر القومي الكوردي، دون التعرض للقوميات المسيطرة على الكورد من عرب وفرس وترك، تراهم زيفا وبهتانا يتنكرون باسم الأممية لحق الكورد في بناء دولة مستقلة، لكنهم يفتقرون الشجاعة للمطالبة بإلغاء الدولة التركية الايرانية العراقية والسورية وكلها دول تتبنى عقيدة قومية شوفينية عنصرية متطرفة، اليست العدالة تقتضي ان تساوي الأممية بين القوميات كافة، فان الغت حق الكورد في بناء دولة فعليها هدم دول القوميات المسيطرة على الكورد، اما ان نجعل الكوردي وحده قربانا للأممية، فهذا تجني على مبدأ الأممية وتشويه لها، حيث يتخذونها شعارا اجوفا لمكايدة القوميين الكورد، وكان حري بهم ان يشرحوا لأصحاب القضية مضمون نظريتهم، ان كانت امتدادا للأممية السالفة التي نادت بها وطبقتها الحكومات الشيوعية والراديكالية في القرنين 19ـ 20  والتي اعتبرت الاممية مبدأ سياسيا يتجاوز القومية إلى التعاون بين الشعوب، ولكن تجربة الاتحاد السوفياتي التي جمعت عشرات القوميات قسرا في دولة واحدة انتهت بفشل ذريع، وتسببت بوقوع حروب دامية بين البوسنيين والصرب والكروات، وما زالت النار مشتعلة بين الارمن والاذربيجانيين، ما معناه ان الأممية الشيوعية التي فرُضت بالقوة على الشعوب لأكثر من سبعين عام هي التي اشعلت النزاعات المسلحة، وليس كما يدعي الكوردي الأممي ان القومية مسؤولة عن اشتعال الحروب.
لماذا تلتزم الابوجية الاممية الغموض والصمت، وتكتفي بذكر العموميات في حين يتطلب الامر الخوض في دقائق وتفاصيل مشروعهم الأممي، فالعملية متعلقة بمصائر شعوب وليس من اللائق جعل مجتمعات كاملة فئران لتجارب فلسفية اكل عليها الزمان وشرب، إذا كانوا يعارضون الفكر القومي من حيث المبدأ، فلماذا يميزون بين الشعوب، اي أممية هذه التي تهبط بالقومية الكوردية امام القوميات الاخرى إلى الدرجة الثانية او الثالثة، يدعي بعض من هؤلاء الأمميين الطفرة، ان انتقاصهم من حقوق  الكورد ليس موقفا او سياسة ثابتة انما تكتيك يخفف من تخوف الاطراف الاخرى من مطالب الكورد بحق تقرير المصير، اليس من المفروض وضع خطوط امام مهندسي التكتيكات لا تسمح لهم بتجاوزها كي لا تتحول إلى تنازلات استراتيجية، هل التكتيك ان تفرض نفسك دون تفويض وصيا على شعب تعداده 40ـ50م/ ن وتعلن باسمه رفضك لحقه في الحرية والاستقلال، وبنفس الوقت تؤكد حرصك الشديد على سلامة الدول التي تستعبد هذا الشعب.
لماذا هذا التهافت المصطنع على الأممية، وهي كإيديولوجيا لم يعد لها ثقل يذكر إلا في امخاخ قلة من المستحاثات العالقة بالحقبة الماضية، لماذا الركض خلف تجارب مريعة، سقط ملايين البشر قتلى اثناء محاولات تطبيقها، وبعد فشلها تسببت في حروب ونزاعات ما زالت قائمة، لماذا يصبغون الأممية بصبغة سياسية صرفة وهي بالأساس مبدأ اقتصادي ـ اجتماعي اكثر مما هو سياسي، الليبراليون الامميون طرحوا الأممية ليس لحل قضايا سياسية، خاصة تلك المتعلقة بتحرر الشعوب انما ـ حسب وجهة نظرهم ـ لحل مشاكل تتعلق بالاقتصاد والتجارة والاسواق العالمية، كذلك جاء الشيوعيون يروجون للأممية لأهداف اقتصادية ـ اجتماعية صرفة تتعلق حسب ادعائهم بحقوق طبقة البروليتاريا، اما الأممية القائمة في وقتنا الحاضر فهي بعض من المؤسسات التي لها طابع دولي وعالمي، وهي بعيدة كليا عن الأممية التي نتحدث عنها.
ليس من الصواب إسقاط مبدأ اقتصادي ظهر منذ قرون في اوروبا على مسائل سياسية ـ اجتماعية معقدة قائمة في الشرق الاوسط في القرن21، فالمسالة القومية في بلدان المنطقة مشكلة مركبة، يغلب عليها الشق السياسي و ربما لا يشكل الاقتصاد جانبها الاساسي، اقصد لو كانت القضية الكوردية مشكلة اقتصادية لكان طرح الابوجية للترياق الأممي لمعالجتها وجهة نظر قابلة للنقاش، ولكن هذه القضية بالدرجة الاولى سياسية والمشاكل الاخرى التي تواجه الكورد منعكسات لها، فهل نجحت الامميات الفارطة في معالجة القضية القومية او حتى المشاكل الاقتصادية، تجارب تاريخية لا زالت ساخنة تقول ان الاممية فشلت في الاتحاد السوفياتي الذي منح عشرات القوميات كيانات خاصة بها تتمتع بالحكم الذاتي، ولكنه مارس تمييز عنصريا ضد القومية الكوردية بحرمانها من تلك الحقوق، بل  قام القادة الروس بتشتيت الكورد ونفيهم من موطنهم إلى مناطق نائية ادى إلى موت الالوف منهم، هل تستطيع الابوجية تقديم ضمانات على ان الكورد لن يتعرضوا للإبادة ثانية تحت حكم الامميين الجدد، وإذا كانت الابوجية تطرح فلسفة تحيل المؤمنين بها إلى مواطنين عالميين ملزمون بمساعدة العالم، فهذا بطر فكري لا تتوفر للكورد كقومية معرضة للإبادة لا تستطيع الدفاع عن نفسها بل احوج ما تكون إلى العالم لحمايتها من الافتراس.   

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…