الخطاب القومي والأممي لدى الكورد بين الازدراء والابتذال «1»

زاكروس عثمان

تصاعدت في السنوات الأخيرة وتيرة الملاكمة الإيديولوجية بين فريقين كورديين، يعتقد او يدعي كل منهما انه يحمل فكرا متكاملا فريدا من نوعه قادرا على الفوز بحل للمسألة الكوردستانية، بل يذهب احد الفريقين ابعد من ذلك معلنا امتلاكه إيديولوجية مبتكرة تحمل حل جوهري لقضايا شعوب بلدان الشرق الاوسط وتحديدا الدول المحتلة لكوردستان، فهل يوجد تنظيم سياسي كوردستاني يعمل بالفعل على بناء نظرية فكرية متكاملة واضحة المعالم يمكن الاعتماد عليها لإيجاد مشاريع حل للمسالة الكوردستانية، لكن ما هو موجود لا يتجاوز ثرثرة سطحية تزخر بها ادبيات الفريقين، حيث لا يمتلك اي منهما فكرا او معرفة او حتى موهبة ليخوض معارك إيديولوجية ـ فلسفية، الفوز فيها يتطلب قدرات عديدة وشروط صعبة بالغة التعقيد، وهي لم تتوفر بعد لدى الكورد سواء من الخاصة او العامة، إذ ان الوحيد المتوفر هو افرقاء كثر اطلق كل واحد منهم على نفسه اسما ولبس قميصا واتخذ لوغو، وما كانت الاسماء والرموز والقمصان يوما تصنع لاعبا يتقن فنون اللعب، والمضحك في هذه المبارزة هو أن كل فريق يكذب على نفسه وعلى جمهوره وعلى خصمه. 
في هذه المقالة لن اتحدث عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ـ PDK  او حزب العمال الكوردستاني PKK، كتنظيمين سياسيين انما كمدرستين فكريتين لكل منهما اتباع في اجزاء كوردستان الاربعة، وتُعرَف مدرسة الـ  PDK شعبيا بـ البارزانية اما مدرسة الـ PKK تسمى الابوجية، اي ان تأثير كل منها لا يقتصر على السياسة بل تؤثر ايضا في قناعات الافراد وافكارهم وتوجهاتهم لتصل درجة الايمان لدى البعض، ولان المادة  تتناول السياسة من الشق الفكري ـ الثقافي رأيت من الانسب استخدام عبارة البارزانية للدلالة على التيار القومي، والابوجية  للدلالة على التيار الاممي في حركة التحرر الكوردستاني. 
فما هي قصة الاشتباكات الإيديولوجية بين الكورد، لنجد الابوجية يروجون بطريقة شعبوية ـ يساروية ممجوجة لمقولات اممية منقرضة، يناهضوا بها الفكر القومي الكوردي ـ حصرا ـ بل بعضهم ينكر حتى القومية الكوردية، إلى حد التحريض والعداء، حيث تعمل بروبوكندا كائنات ما فوق قومية جاهدة على وضع الفكر القومي الكوردي في قفص الاتهام، بالمقابل يستخدم انصار المدرسة القومية خطاب شعبوي ـ تقليدي لاستجرار العواطف من خلال ربط هذا الفكر بالمدرسة البارزانية، وتكرار الصيغة القديمة من الخطاب القومي دون التفكير في تنقيحها و تجديدها، لإظهار الجوانب الانسانية المشرقة للفكر القومي الكوردي، فالبارزانية ليست مجرد تماهي البعض في شعارات سطحية مُستَهلَكة بل هي العمل على تجسيد قيمها ومعانيها الرفيعة، بكلام أخر المطلوب من كوردي يروج للأممية ليس الحديث عن عناوين وهمية والاختباء في ضباب العموميات، بل تقديم شروحات مفصلة تبين كيف يمكن للأممية ان تؤسس مدينة فاضلة تحمي الكورد من الابادة، ومطلوب ايضا ممن يدافع عن الفكر القومي الابتعاد عن العناوين العامة والاوهام، والكشف عن تفاصيل المشروع القومي أن كان حقا يلبي مطالب سكان كوردستان.
من الضروري أن يكشف كل فريق عن اوراقه ويترك الخطابات الشعبوية المُضَلِلَة جانبا، لأن استخدام الخدع الشعبوية في الاشتباكات الجاهلية بين الفريقين، ادت إلى نشوء شريحتين متواجهتين القاسم المشترك بينهما هو الجهل، شريحة متعصبة  لمبدأ الأممية الابوجية دون ان تعرف ماهية الاممية، وبنفس القدر تتعصب ضد الفكر القومي الكوردي دون معرفة السبب، راسلت العشرات من الكورد الأممين؟ من مستويات تعليمية مختلفة، من اجل استبيان آرائهم حول هوسهم بالأممية و اسباب عدائهم للفكر القومي الكوردي، فلم احصل من اي منهم على إجابة مقنعة، بعضهم قال: طالما عبدالله اوجآلان زعيم الـ PKK  يقف وراء هذا المبدأ فهو شيء جيد وسوف ادعمه تلقائيا، هذا يعني ان نصفهم لا يعرفون معنى الأممية، وعن اسباب العداء للفكر القومي الكوردي قالوا ما معناه لمجرد انه مرتبط  بالبارزانية  يجب ان نحاربه، وقال أخرون ان فلسفة اوجآلان تبين ان القومية فكر متخلف رجعي عشائري اقطاعي يشعل الحروب لذا يجب مكافحة هذا الفكر الهدام على حد قولهم، دون ان يوضحوا كيف يكون الفكر القومي سببا للحروب، واضح ان هؤلاء دخلوا غرفة عمليات غسل الدماغ  ليتم تلقينهم بفكرتين، الاولى الفكر القومي الكوردي خطر يجب اجتثاثه, والثانية الأممية هي الجنة الموعودة التي يجب الوصول اليها بالسير على جثث الكورد، واضح ان هذه الشريحة تناقض نفسها حين تعلن عدائها السافر للقومية الكوردية اي انها تعادي ذاتها كونها كوردية، ما يدل على انهم لم يعادوا القومية الكوردية إلا لأن البعض ربط الفكرة بالبارزانية، حيث التوجه العام لدى الـpkk  هو مكافحة البارزانية، وماذا عن شريحة انصار الفكر القومي، المحزن انها ايضا تجهل ماهية هذا الفكر وتكاد لا تعرف تماما لماذا تناصره، وحين راسلت البعض منهم تبين انهم ركبوا التيار حبا بالبارزانية، حتى مسؤولي الاحزاب التي تدعي تبني البارزانية يرددون انهم يسيرون على النهج القومي دون بيان الاسباب، دون أن يشيروا إلى فحوى البارزانية الاصيلة التي تضفي على الفكر القومي الكوردي الصحيح طابعا تحرريا يجعل كوردستان بلدا حرا يستوعب كل شعوبه على اسس عادلة ومتساوية، إذ لا بد من التركيز على هذه الجوانب حتى لا يتشكل انطباع لدى الاخرين بان الفكر القومي الكوردي فكر عنصري ـ شوفيني.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…