صبري رسول
طال التّحضير لها مع خيباتٍ توقّعها السّوريون وغير السّوريين، فقد حملت اجتماعات اللّجنة الدستورية السورية فشلَها في أولى جلساتها في وقتٍ يسود أجواء سوريا خوف وقلق وعلى الأرض مازالت هناك معارك جانبية في كثير من المناطق، رغم تصريحات بيدرسون.
فعشية انطلاق الدورة السادسة للهيئة المصغرة للجنة الدستورية السورية الذي استهلك ما يقارب سنة من المفاوضات والجولات المكوكية للوصول إلى هذه البداية، وصف المبعوث الأممي الخاص لسوريا غير بيدرسون اجتماعه مع رئيسي الوفدين بأنّها «بأنها جيدة جدا» و«إنّ هدوءاً نسبياً يسود سوريا».
الصراع في سوريا وفي اللجنة الدستورية كان وسيكون على أشدّه بين ذهنياتٍ مختلفة، لا تغيب عنها آثار التاريخ الدموي الطويل الذي أسّس ثقافةً في غاية الحدّة لرفض الآخر، قامت عليها مجتمعات أفرزت «القاعدة وجبهة النصرة وداعش وحزب البعث وتيارات مشابهة.
الذهنية الأولى: ذهنية البعث:
هذه الذهنية تعود إلى بدايات الفكر العربي الذي حاول كسر القيود المفروضة عليه من الخلافة العثمانية ولياليها الطويلة، فارتدّ على المجتمع العربي بدكتاتورياتٍ دموية أباحت كلّ شيء، بما فيه تدمير المجتمع بشكل كامل، غيّبت القانون وحكمتْ بحكمٍ قاسٍ وفق مزاجية الحاكم. هذا ما حصل في سوريا والعراق، وبعض الدول الأخرى. ذهنية لاتقبل بوجود الآخر المختلف دينياً وقومياً، وترفض وجوده واسمه أو الاستماع إلى ما يطرحه هذا الآخر، وتنظر إليه نظرة العداء القاتم. هذه الذهنية هي الحاضرة في وفد النظام الذي استباحت سورياً كمزرعة خاصة، وتركتها جثة استقطبت كلّ التيارات الإرهابية إليها.
الذهنية الثانية: ذهنية ما يسمّى بـ«المعارضة السورية» التي لم تَعُد معارضةً حقيقيةً، بل قوة وحشية ظلامية تسعى لاستلام السلطة. الثورة السورية انطلقت بشكل عفوي غير منظم لرفض النظام الدموي الدكتاتوري وأسلوب الحكم. كان الناس تسعى إلى الحصول على حرياتها وقوت يومها الكريم، لكن الدول الأخرى كتركيا وقطر قامت بتصفية الشرفاء من العسكريين (تصفية جسدية وإقصائية) والسياسيين (بتهميشهم وإبعادهم) عن مصدر القرار. المعارضة الآن لا تمثل النبض الشعبي الذي هتف للحرية في الشارع السوري. وإذا استلمت هذه القوة سدة الحكم ستغرق سوريا كأفغانستان في صراعاتٍ لا تنتهي خلال عقود قاسية.
الذهنية الثالثة: تمثّل بعض المتنورين والشرفاء، وهم «قلة جداً» من كل الاتجاهات والوفود، في وفد النظام والمعارضة والمجتمع المدني، لكنهم لا يملكون إرادة القرار، يملكون خبرات حقوقية جيدة.
هذه الذهنية هي الحلقة الأضعف في اللجنة الدستورية السورية التي اشتغل عليها ديمستورا طويلاً، وأكملها السيد بيدرسون ليتوج بانطلاقتها اليوم. بقدر ما كان المثقف والأكاديمي والمتنور السوري محارَباً في السابق، إلا من كان ولاؤه يسيل على بياض التقارير، فهو اليوم في هامش الظل يلوك الكلام، ويجترّ المرارة في غربته الاجتماعية والمكانية والنفسية. ولن يترك بصماتٍ قوية على الدستور الذي سيقود السوريين لعقود طوال، ويقرّر مصير شعبه من كردٍ وعرب وأقليات أخرى.
ضريبة الكُردي:
لكن ما يثير التساؤل المريب، أنّ الكُرد يشكّلون بين 10% إلى 15% من السكان، بمعنى كان لهم حق 5 أشخاص من أصل 45 من المجتمع المدني في اللجنة. ما يُؤسَف له أنّ الكُرد لم يستطيعوا فرض أنفسهم رغم تضحياتهم الكبيرة، فأصاب التّشتت شارعهم، وحركتهم السياسية، فانقسموا إلى فريقين كلّ فريق ينظر إلى الآخر نظرة العداء الأسود. فأي مستقبلٍ ينتظره الكرد السوريون ضحايا الحزام العربي والإحصاء والتجريد المقيت، والتعريب والإقصاء وضحايا رأس الحربة ضد داعش.
الحلّ السّياسي للأزمة السّورية يبدأ بالتفاهمات الدولية، لترجمة قرار مجلس الأمن رقم 2254 على الأرض، وبما أنّ الإرادة السياسية لقوى الكبرى غائبة تماماً يحقّ للمرء أن يسأل: هل ستنتج اللجنة الموقرة دستوراً عصرياً يحفظ حقوق كل السوريين، ويحمي حقوق العرب والكرد والسريان؟ الدستور الذي سيوفّر العدالة والمساواة في دولة عصرية يتباهى بها السوريون أم دستوراً يحضره ظلام التاريخ والريح الدكتاتورية وعنجهية العصور القديمة؟.
مازال الحلّ السياسي بعيد عن الخريطة السّورية المتهاوية والمفرّغة من أهلها، كلّ دفع الضريبة المناسبة، إلا أنّ الكردي ضريبته أقسى.