وفاءا لتاريخ قادة الحركة الكردية في سوريا

وليد حاج عبدالقادر / دبي 

 خاص لموقع ولاتي مه 
 (لروح الصديق عدنان نواف نايف باشا الذي ارتحل قبل ايام وذكرى والده المناضل الراحل نواف نايف باشا)
بداية لابد لي من التنويه بأن الأمر الذي حثني بقوة ودفعني للخوض هذا المجال، هو الكم الهائل من روايات وشهادات مناضلين واكبوا هذه المرحلة وانخرطوا في ضمن صفوف الحزب الوليد .. شهادات عديدة اختزنتها الذاكرة وحوادثها عاصرناها، لابل اضحت كما حواديت ليالي تلك المرحلة مثار جداليات عديدة، هذه الشهادات والمواقف والتي لم تثر او تخلق أية خلافات في الهيكل العام وتراتبيات تراكم المتناقضات والخلافات والوصول الى حدود التازم، وهنا، وها نحن نستذكر في هذه الأيام ذكرى رحيل د . نورالدين زازا كأول سكرتير للحزب الناشيء، 
ولعل النقطة الأهم فيما ابتغيه من هذا السرد حتى لا اجازف بمصطلح التوثيق ! فسيبق الغاية هو تدوين رؤى ومواقف كما ملاحظات رفاق قدماء لذلك الحزب، ناضلوا في صفوفها وتعرضوا للملاحقات والإعتقالات، وقبل الخوض في سياق الموضوع احبذ ان التنويه بأن الغاية الرئيس لهذا الموضوع هو تسليط الضوء على جوانب قد لا تكون ذكرت او نقلت بدقة وامانة للمشهد البنيوي داخل التنظيم من جهة، وضمن المعتقل حيث كان المكان في سجن المزة .. وعليه فالزمن الإفتراضي لانطلاقة وتأسيس اول حزب كردي لم يمر عليها قرون، لابل مازال هناك من اعضائه وكوادره احياء يرزقون وبعضنا لازالت في قاع ذكرياته كثير من التفاصيل اليومية منها والحساسة، هذا الأمر الذي يثير الإستغراب فعلا من تجاهل كوادر مميزة والتي كانت تعتبر ذاتها القيمة على كل الإرث الحزبوي وكملكية مقدسة أن يخطئ في فهم او / أقله / يتذكر محطات جوهرية مست الإلتزامات والإستحقاقات في تلك المرحلة البدئية والحرجة، حتى ان بعضهم ظلوا في مسلكياتهم وكأنهم لازالوا يعيشون اجواء المعتقلات، ومن ثم العمل على وتر تناقضات المناضل الراحل د . نورالدين ظاظا من جهة والراحل عثمان صبري من جهة أخرى وكل يشد الحبل الى زاوية مختلفة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى : اللغط الكبير الذي اثبر حول منحى ومسار الإسم واعني به البارتي الديمقراطي الكردستاني، والعوامل وبعبارة ادق الدوافع التي ادت الى تغييب الكردستاني ومعه شعار توحيد وتحرير كردستان، وبالتالي القرار الذي اتخذ داخل المعتقل وتلكم المذكرة / ومنهم من يؤكد وجود مذكرتين واحدة منها سربت إلى الخارج بواسطة شرطي جركسي كان متعاطفا مع المعتقلين الكرد / التي قدمها الراحل ظاظا و / بالتوافق / مع غالبية الكوادر ان داخل او خارج السجن وبناءا على نصيحة اكثر من محام انبروا يومها للدفاع عنهم !! تلك المذكرة / او المذكرتان / كانتا الشرارة الأولى لبذرة الخلاف بين المعتقلين داخل المعتقل وهناك شهادات موثقة، وكثير منها سمعتها شخصيا من مناضلين احترم / الراحل نواف نايف باشا / و / الراحل احمد ملا ابراهيم / واكده كثيرون على لسان / الراحل كنعان عكيد / وسمعتها عشرات المرات من والدي رحمه الله  / عبدالقادر كري / .. نعم لقد تطور الأمر الى ما يشبه القطيعة بين المناضلين ظاظا وعثمان صبري وانعكس سلبا على وضع الرفاق داخل المعتقل وفي الخارج وذلك لأمرين اساسيين : ما كانت تسربه اجهزة الأمن من حالات التعذيب الوحشي والذي كان يمارس بالفعل، وحالات الخصام او اللاود بين الشخصيتين الرئيسيتين، مما ادى الى خلق حالة من التلبك عند الرفاق خارج المعتقل وبالتالي ضياع البوصلة او الركيزة الأساس داخل المعتقل، أي بمعنى : هل هم كردستانيون وشعار تحرير وتوحيد كردستان، ام ؟ واداة الإستفهام هذه جرت من ورائها سلسبيل من التساؤلات حول مفهوم الشعب والاقلية ومعها الحقوق والتي أيضا خضعت لقوالب وتفصيلات متعددة، هذا الأمر الذي تحول الى طاولة تفصيل وقص للمفردات، ومن الطبيعي ان يكون قد بقي بعضهم مصمما على ذلك، وآخرون دعوا وباسم الواقعية الى تغيير اسم الحزب وبالتالي الشعار، وسرب هذا الوضع بالرغم من الحصار الشديد على المعتقلين وحتى في زياراتهم النادرة منع عليهم التكلم باللغة الكوردية، الا ان المناضل ظاظا بحنكته ووعيه وذكاءه استنتج مآلات الخارج وحالة التلبك والرعب الشديدين فكانت رسالته المشهورة وبكلمة كردية واحدة لشريكه في مستودعات الأدوية – هناك تاكيدات أقوى وقد اكدها والدي عبدالقادر كري قبل رحيله بشهور حيث قال بانه والراحل نواف نايف باشا و د . نورالدين ظاظا كانت لهم زيارة، وكان الزائرون هم الراحل نايف مصطفى باشا ودكتور نافذ بك شقيق د . ظاظا والراحل قدري عبدالغني لزيارة والدي – قال بأن د . نافذ خاطب اخوه وباللغة العربية / مير بن … دواء مير بن هل هو متوفر عندكم .. كتروا منها  / … وبعد سلسبيل المحاكمات ومطالبات النيابة العامة بحكم الإعدام لكل المعتقلين خففت الى فترات سجن ونفي وبالفعل وكما أشار كثير من الجيل المواكب للمرحلة واكدها أصدقاء أيضا، دونوا بعضا من تلك الإحداثيات، فقد بقي وضع الحزب شبه مجمد، وان بقي المحيط والجماهير وقواعد الحزب بكوادرها تسير في متوالية لا الحل ؟! ولا للإستمرار حتى عام ١٩٦٥ وبداية انطلاقة التقدمي الكردي مجددا ومناكفة كتلتين رئيسيتين اليسار / او مجموعة عثمان صبري / و / كتلة المعارضة / بقيادة المناضل الراحل كنعان عكيد وبتصوري فأن هذه الكتلة هي كانت الركيزة التي عليها تمت تشكيل القيادة المرحلية او ما سمي ب / الحياد / سنة ١٩٧٠ / بقيادة المناضل الراحل حج دهام ميرو وفيما بعد الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا / البارتي / سنة ١٩٧٢ وما لبث ان تم اعتقال غالبية قيادتها وكوادر متقدمة فيها وليبدأ شيطان الأسد الأب يعبث في بنية الحركة السياسية السورية عامة والكردية منها بشكل خاص .. ومن جديد : أن الإنصاف والواقعية تقتضي بالجميع ان يسردوا التاريخ والوقائع كما جرت، لا كما تمناها ان تكون ومن هنا فأن تلك التجربة هي لنا وتعنينا كلنا، كما واننا جميعنا نستمد جذورنا منها … تحية لكل المناضلين الأوائل الذين ضحوا كثيرا وأسسوا لوعي قومي لا زلنا نرتشف من نبعهم وعلى ارضية الخلافات حينها ولكن : في نطاقية التآلف والتعاضد المجتمعي، لانه حينها : ماكانت الأحزاب لا لحميد حاج درويش ولا لصلاح بدرالدين أو حج دهام ميرو ولا من املاك كنعان عكيد آغا او نواف نايف باشا .. 
وفي العودة إلى الوقائع ودور الشخصيات الريادية في الوسط السياسي الكردي، وبالتالي استهدافها حتى عند شريحة من المجتمع الكردي، و بالأخص د . نورالدين زازا إن في شخصه أوكاريزماه وثقافته، ناهيك عن الكثير من الصفحات التي غيبت وكانت غطت تاريخ بدايات التأسيس، ومن ثم الإعتقالات التي شملت غالبية القيادة والكوادر المتقدمة في الحزب، و تغييب او غياب بقية القيادة والكوادر المتقدمة طوعا او بامر حزبي وباتوا بحكم الملاحقين، وللأسف أيضا فان بعبع او خنجر الشرخ البنيوي في جسد الحركة بدأ منذ تلك الفترة، والخلاف بين المناضلين الراحلين د . نورالدين ظاظا وعثمان صبري والذي اتخذ مناح عديدة، وكانت بدأت منذ أيامات الإعتقال الأولى، وقد لاحظ الرفاق المعتقلون معهم، انه ومع انتهاء وجبات التعذيب كانت تبدا الجدالات وتحتد بين الرجلين، وهذا الأمر كانت تعرفه القيادة خارج السجن أيضا، لابل وهناك توكيدات على ان بعضهم كان يسعرها ويزيد في تصعيدها، وانقسم المعتقلون الى جناحين واضحين والغالبية التفت حول د. نورالدين ظاظا . وهنا يجب التذكير بأن بداية بلورة ما يمكن وصفه بالتوجه الماركسي ومفهوم ربط النضال القومي بالطبقي، تفاعلت مع هذا التوجه والمناضل عثمان كان حديا في هذا الإتجاه، وبالرغم من كل ذلك ومع شدة الأحكام وبالتالي نفيهما، سجل للإثنين مواقفهما مابعد فترة الإعتقال : اعتكاف د. ظاظا واستمرار عثمان صبري لابل تزعمه لكونفرانس الخامس من آب عام ١٩٦٥ وبالتالي تشظي البارتي الى : اتجاه الراحل حميد حاج درويش واليسار بزعامة عثمان وكتلة المعارضة بقيادة الراحل كنعان عكيد .. وفي عودة الى لب الخلاف والذي ابتدأت شرارته من موضوعة المذكرة الأولى التي قدمها د. نورالدين ظاظا للمحكمة الغسكرية والتي على اساسها طالبت النيابة العسكرية حكم الإعدام للمعتقلين، وانبرى مجموعة من المحامين العرب حينها – منهم مصريين لان سوريا كانت في نطاق الجمهورية العربية المتحدة – واللغط دار تحديدا او أثير بنية الإساءة لشخص د. ظاظا كقامة أكاديمية – لازال كثيرون يؤمنون بنظرية السعي المركب لإبعاده، و يؤكد غالبية المعتقلين حينها وكشهادات سمعتها شخصيا مئات المرات من والدي الراحل عبدالقادر كري، وأيضا من المناضلين حاج احمد ملا ابراهيم والراحل نواف نايف باشا واكدها المناضل الراحل كنعان عكيد أيضا حول تسريبهم مذكرتين للقيادة في الخارج إلا ان القيادة – بعضهم – وفي خطوة لتشويه مواقف كما استهداف جماهيرية د. ظاظا وهذا الامر اضافة لقضاياخاصة به واعماله التجارية وهو في المعتقل شكلتا لديه ردة فعل قوية .. وبتصوري ومن دون انحياز مطلقا لما كان يؤكده الوالد وصدق اقواله العديد من رفاقه حيث ان الوالد كان قد عين من قبل الرفاق  مسؤولا للإرشيف وزيادة على ذلك كان يتم تداول اسم ذلك الشرطي الشركسي المتعاطف معهم جدا وينقل الرسائل من الداخل الى الخارج وبالعكس، وقد سبق لي شخصيا أن سألت الراحل الأستاذ محمد ملا احمدي توژ اواسط الثمانينيات، بعد نشره الجزء الأول من تاريخ الحركة الكردية في سوريا عن المذكرتين وسرهما أكد بأنه سمع أيضا بوجود مذكرة ثانية من د. ظاظا ولكنه لم يقرأها .. أسئلة كثيرة وحقائق أكثر كما صفحات ناصعة ان من تاريخ الحركة او لشخصيات استهدفت وتم منهجة الحط من ثوابتهم ورعيل تلك المرحلة غالبيتهم رحلوا ولكن علينا جميعا ممن عايش تلك الفترة أن يتجرأ ويتجاوز الرهاب فيكتب ما سمعه او عاشه .. ومع كل ذلك سيبقى د. نورالدين ظاظا وعثمان صبري أنموذجان للنضال القومي الكردي في سوريا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…