
لم يكن رحيل مشعل الا استكمالاً لقافلة المناضلين الذين سطروا بدمائهم الحمراء دروب الحرية واعطوا للثورة السورية مضامينها النضالية وقيمها الانسانية من اباء وشموخ وكرامة وحرية ، فقد كان الشهيد صوت الحق واحد طلاب الحرية وبناة سورية ديمقراطية تعددية ، قائمة على المساواة وحكم القانون ، لقد كان يردد “امنيتي ان اموت فداء لشعبي وبلدي ” وقد حقق امنيته وامتزج دمه الكردي بدماء كل شهداء الثورة السورية العظيمة .
كان مشعل مُدرِكاً لصعوبة البحث عن الحقيقة وبناء الاوطان تحت وطأة القسر والاستبداد ، وما يرافقها من اسيجة التحريم والتجريم التي اقامتها السلطة ، وحولت فيها العقل الكردي الى مناطق مهجورة ، والعقل الشبابي الى تطرف ، والمطلب الكردي الى منافع شخصية ، كان يعلم بان ما سيقوم به هو عبارة عن تحدّي فيه الكثير من المخاطر ، لكنه اصرّ على ان يخوضه ، لأنه وجد فيه ضرورة وطنية وقومية ، رغم توقف العديد من المؤسسين الاوائل للتيار تحت مسميات مختلفة ، لا بل حاول البعض خلق تنظيمات موازية بعد استشهاده ، للنيل من ارادته في الحرية – ضد اضطهاد الداخل والخارج – عندما عمل على رفض الرهان على العقل الزائف الذي دأب العقل الكردي على بثه باسم الواقعية على مدار عشرات السنين من العطالة الفكرية والتاريخية ، وتحدى العقل القهْري المبْني على الطاعة والخنوع في بحثه عن الحرية والكرامة وحق الكرد في التشارك في دولة ديمقراطية تعددية تجسد شرعية الوجود القومي الكردي كشعب اصيل . من هنا امتلك مشعل الارادة ، وسعى الى صنع الظروف ، وعدم انتظارها وانتظار المنُقذ ، مُجَسِداً هذه الارادة بكل وضوح وعلانية بالقول لا للاستبداد والطغيان والعسف والاضطهاد القومي والديني والسياسي والثقافي ، لا للتبعيث والتعريب وهدر الانسان وتزييف التاريخ ، واللعب بصورة المكان كما يفعله الغزاة الجدد في عفرين وكري سبي وسري كانيه وبعض اذناب المعارضة السورية .
كان مشعل شخصاً استثنائياً ، يكره النمطية ويسعى الى التغيير الايجابي ، ولهذا كَرِهَتْهُ بعض القيادات الكردية التي كانت تسترجع احقاد الماضي تجاهه ، وهو لم يتوان عن انتقاد اخطائها واتخاذ منهج لا يساير اهوائها ، في الوقت الذي كان يقول فيه ” لا لحوارٍ مع نظامٍ يسفكُ الدم، لا لحوارٍ مع نظامٍ فقدَ شرعيتهُ ، لنْ نتحاورَ معه ، نرفضُ الحوارَ مع الاجهزة الامنية ، نرفض الحوار مع الدبابة ، نرفض الحوار مع الرصاص” ولهذا اغتالته هذه الاجهزة وادواتها في المنطقة.
في العشرية الماضية ، تبلورت العديد من المعطيات والنتائج في ملف سوريا الساخن ، حيث التراكم في القهر والاستبداد وتفتيت المجتمع ، وصعوبة الاوضاع الاقتصادية لا بل انهيارها ، وتنفيذ التغيير الديمغرافي ، وسيطرة الفكر الاحادي والشعاراتي الذي بات ينمو ويتضخم في ذاته ولذاته وكأنه مركز الكون .
من – المبكر – الحكم على ادارة جو بايدن وما “ستفعله” فالصورة الاولية لهذه الادارة تُؤسس لمرحلة فيها الكثير من التناقضات ، واعطاء الفرص للنظام والروس باتجاه ايجاد تسوية او وضع حد لما وصلت اليه الاوضاع في سوريا.
كردياً شَهِدَ الواقع تراجعاً ونكوصاً لبعض القوى الكردية عن نهجها الميداني ، عبر التغاضي عن الكثير من الاعمال السلبية التي تكرست طيلة الاعوام السابقة بما فيها المعارضة السورية ، وهو ما نسميه “تدجين” الشباب الكردي واعادته الى المكان الذي كان فيه ، بعيداً عن حق الكرد في الحرية والحياة وتكريس الوجود.
ان مجريات الامور باتجاه التسوية تدفع القوى المتحكمة بالإبقاء على الوضع الراهن ، لكن بدون انياب ايرانية او تركية او سورية ، بعيداً عن مفهوم الانتصار ورفضاً له .اي ان الزمن في سوريا معيّر ومستمر على روزنامة الانتظار ، وبالتالي فان القاعدة الشبابية هي حامل التغيير من جهة ولقوة الفعل الميداني من جهة اخرى ، وقد ملت –هذه القاعدة – الانتظار – وقرِفت – من لغة البيانات الانشائية – كما يحصل الان- وبالأخص تلك التي تُسَوِغْ الركون والاستسلام بانتظار “غودو” كي يخلصه من الخنوع والخرف السياسي ، في الوقت الذي يمارس فيه ال ب ي د اللعب على عدة حبال في ان واحد ويتشاطر عليها ، تحت شعار ” الامة الديمقراطية “. ان هذه السياسة التي يمارسها ال ب ي د ويعمل من خلالها على سن قوانين ومراسيم – غير مدروسة – وتحت مسميات -مختلفة –هي في شكلها قوانين تسعى الى “تنظيم” الفوضى و” ادارة ” المجتمع ، لكنها في جوهرها تعكس ذهنيتها كجزء من سلسلة طويلة من الممارسات ” الاقتلاعية ” تجاه الشعب الكردي ودفعه الى “التذرر” ، بسبب الحرب والجفاف وصعوبة الاوضاع المعيشية . فمن يبني الاوطان ويدفع بها نحو التطور والمدنية لا يمارس القمع والاضطهاد ، والافقار والافساد.!
ان حق الشعب الكردي السوري في الوجود والحرية ، كقومية رئيسية على ارضها التاريخية ، وكشعب ينشد الحداثة والديمقراطية والحق والقانون كنهج ، والحرية كمطلب وسلوك ، يجب ان يكون مصونا في الدستور السوري الجديد ، وقائماً على اسس الاعتراف المتبادل ، والمواطنة المتساوية بإطلاق. . .
اخيراً ، فان التغني بشعار وحدة الحركة الكردية السورية ، واعادته الى التداول اليومي ، لا يرتبط بقناعات الداعين له – رغم انه مطلب عادل وشريف – بل يتطابق مع سلوك السلطات السورية الاستبدادية ، عندما كانت تقع في مأزق محدد ، عبر طرح الشعار ، وصولاً الى التجييش الاعلامي لتحريك العواطف – فهم ابعد ما يكونون عن هذا المطلب – لانهم بخطابهم وسلوكهم يقومون بتفريق احزاب الحركة وتشتيتها !
تحية الى مشعل في يوم استشهاده.
تحية الى رفيقة الدرب ، الوفية لقيم الحرية وكرامة الانسان زاهدة رشكيلو.
الخزي والعار للمجرمين والقتلة.
وسيعرف الذين ظَلَموا أيُّ منقلبٍ سينقلبون.
تيار مستقبل كردستان سوريا.
الهيئة التنفيذية
قامشلو 6- 10-2021