سلاماً لروحك المغادرة يا علاءالدين جنكو

إبراهيم محمود
في الأسبوع، كما هو الدال، سبعة أيام، وفي آناء كل ليل وأطراف كل نهار من يوم له، ثمة حِداد كُردي يتبع حداداً كردياً رغم ولادات الكردي تباعاً،حداد على صاحب، صديق، قريب، محب، وذي مقام يستحق تهجئة اسمه بأكثر من طريقة. هوذا العزيز بظلّه الدكتور والباحث  والإنسان، علاء الدين جنكو، قد ترجّل عن حصانه الرهوان الكردي في ليل الخميس 23-9/ 2021. إنما كان قد تخلف عنه وعيه تحت حمْل وجع جسدي، عصبي، روحي في رحابة مدينتنا ” السليمانية ” قبل أن يسلّم ورقة حياته الأخيرة، ويبقى ظله الروحي بصمته البليغ، وبحضوره الأليف .
كم يموت المعذّب بوطنه، بأرضه، بأهله، بأحبّته، بصورة بيته، بكل شارع في حارته، بحفيف كل ورقة من شجرة بيته وبيت جاره، بالذين ينتمي إليهم إنسانياً، بالطرق التي سلكها واعتادها كثيراً، بالشوارع التي حفظت هسيس خطاه عن ظهر قلب، بوجوه أفراد عائلته في الصميم، هوذا الكردي ضمناً. ولوجع الكردي علامة فارقة، حيث ينذَر للمكابدة ومعايشة الموت أكثر من غيره، بسهم زائد، ويعيش المنغصات دورياً، أكثر من غيره، جرّاء كرديته .
ولذي الروح الصافية، الروح التي سعت إلى الوصل الحميم بين الديني والدنيوي، وهو بذقنه المتواضعة، وابتسامته البارزة، ولباسه الذي يخطىء في إشهار شخصيته هذه، وهو بين طلابه، أو وسط خلانه وأخوة الطيب وشفافية الرؤية، أعني به علاءالدين جنكو، مثل هذه البصمة .
لم يكن لدى جنكو ما يخفيه، ومن خلال ما يعرَف به، إنساناً، عادياً، بسيطاً، مطمئناً إلى ليله ونهاره، وهو بين من يقدّر فيهم ما يقدّرون فيه انفتاحه وامتداد ظله هنا وهناك وبيقين دامغ. كان لديه ما يحب إظهار لأي كان، علامة تواصل وتفاعل، تعميقاً لود نفسي وعقلي.
كان علاءالدين جنكو يسعى جاهداً إلى أن يكمون علاءالدين، كما هي فكرته عن التمايز المشروع، وتأهيل الشخصية لأن تمتلىء بالحياة، وبالآخرين، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
كان في الذين كيّفه لنفسه، وتكيف معه، هو في كيفية منح القول الذي يسمّيه قيمة داخلية، وهو يودِع فيها أريحية ونشداناً لما هو أصفى وأنقى وأكثر سلاسة .
في رحيل كل إنسان، أياً كان، أعني دون تفريق طبعاً، ما يبعث على الأسى، وفي رحيل الكردي ما يضاعف الأسى، لسبب يعرفه الكردي نفسه، وهو في شتاته الروحي، والمكاني، وإن كان في بيته اللابيت في الحساب الدقيق للمعنى، وهذا ما يدركه الكردي المأخوذ بمراتب الحياة، ومن هم في المراتب هذه منتشرون أو مقيمون، سوى أن الرحيل باسمه ليس واحداً، الرحيل الذي يترك فراغاً، والفراغ الذي يُرى بأم العين، ويُسمع من داخله، باسمه من أعلِن عن رحيله الأخير، هوذا رحيل من آثر ألا يفارق ما عانق دون ترِكة من روحه، تركة تسمّيه بصورته الروحية التي لا تبلى، أكثر من ثنيات الأوراق التي لمستها يداه، أكثر من القلم الذي ألف حنوّ أصابعه، أو مفاتيح كيبور الكمبيوتر التي حملت مجاهدته النفسية والعقلية الكثير، أكثر من الذين بالكاد يدقّقون في دقة ما يصلونه، وما يقرأونه، وما يصغون إليه.
هوذا رحيل من يكون للاسم الذي يشير إليه ما يميّزه عن سواه، ما يبقيه كما يستحق في حاضرة حياة أخرى، طي ألسنة تلهج باسمه كما هو حقه المشروع طبعاً.
أقصد في هذا الشأن، هوذا المستخلص من رحيل نفيس الروح، أثير الصوت علاء الدين جنكو، الكردي والإنساني، والعكس صحيح هنا، أعني بذلك رحيل من أطاع قانون الحياة الأخرى دون ” عصيان ” إيماناً بمأثرة القانون هذا، رغم وطأة اسمه، وفي ليل استغرق في صمته الأليم، مأخوذاً بحرقة روحية لأهله يبكونه البكاء الخاص، على روح عزيز خاص، أفراد عائلته، من هم في القرب المباشر، ومن كان يتابع من جهات شتى، كل مستجد على روحه، حتى نفاد عمره الحياتي، لينتقل إلى نهار الروح الذي يشع باسمه. فسلاماً مجدداً لروحه المغادرة وألف سلام.
والعزاء العزاء لكل من ينتمي إليه بصلة نسب: عائلة، وأهلاً وأحبة، ومعارف…!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…