مروان سليمان
حتى الأمنيات أصبحت أثمانها باهظة التكاليف و صعبة الوصل إليها بسبب الذاكرة المنسية أحياناً و المثقوبة أحياناً أخرى، يبدو أنه عالم مشدود نحو الدخول في أبواب الهزيمة الإنسانية، حيث يقف العالم على مفترق طرق و صحارى مجهولة فتصبح حتى الأمنيات من كبريات الخطايا و الذنوب حيث محاور الشر و عدم وجود السكينة و الأمان و الإستقرار حيث ينتظرنا طريق الغرق لا محالة إذا بقيت الأوضاع هكذا مزرية، حيث ينتظر الوطن و المواطن أن يعلن أحد ما، قيادته بشرط أن يصل إلى علاج هذه الأزمات المتراكمة و وضع الحلول المناسبة لها و لسان حالهم يقول لا مفر من هذا الوضع إلا من خلال الهجرة أو القتال من أجل الآخرين حيث الذاكرة مؤلمة و وجعها أسوأ لأن لعنة الذاكرة السيئة تلاحقنا إلى حيث نتواجد و يشكل جدلاً حاداً ما بين الحلم و اليقظة
و نسقط بعد ذلك في غياهب الهم الأبدي و الغرق في بحور الأفكار التي تذكرنا بإنتصاراتنا الوهمية على قوى الشر و الظلام و نخرج سالمين غانمين من المعركة المفترضة و بعدها نرجع إلى الواقع لكي ندرك مدى عجزنا و قلة حيلتنا و نسترجع هزائمنا حتى أن ماضينا أصبح الطريق الذي ينير لنا الدرب و لولاه لكنا نسير في غفلة الزمن الغادر و لا ندري أو نشعر به حتى تقع الهزيمة و نموت آلاف المرات و نعيد الكرة ثانية و هكذا يمضي الزمن بنا لكي تتلاطمنا الأمواج ما بين الحلم الجميل و الذاكرة المسكينة فيسكن فينا شبح شخص حكيم و يلازمنا روحاً ليسكن في ثنايا أجسادنا لكي يقول لنا تابع مسيرك حتى النهاية ويشجعنا على وضع حد لثقافة الخوف و اللعنة التي حلت بنا لأننا في طريقنا إلى المجهول لعلنا نصل حتى لو لم يكن هناك الهدف الرئيسي و إلا فنحن غارقون لا محالة. و لكن السؤال الذي يراودنا متى تتوقف الحياة عن تعذيبنا؟ ليأتينا الجواب من خلال معاركنا التي خضناها و آمال إنتصارتنا الناقصة حتى تتناثر الأوجاع داخل أرواح أجيالنا القادمة عبر الزمن من خلال جدلية أبدية يبدو لا نهاية لها في الأفق.
المرور على ذكريات الهزائم و الإنتكاسات التي حلت بنا منذ الزمن الغابر و لم نتعظ منها حتى الآن، فماذا فعل الأعداء بنا؟ و نحلم بأن نعيد العملية مرة أخرى ذهنياً و جماهيرياً من أجل استرجاع ما خسرناه إلا إننا سرعان ما ننسى ما حل بنا إلا أن الحقيقة المرة التي يجب أن لا ننساها بأننا قوم ما قبل الثورة و ما بعدها، ما قبل الإنتفاضة و ما بعدها و هكذا نعيد فقط الذكريات في ذاكرة منسية و مثقوبة من غير أن نبحث عن الأسباب و البدائل التي أوصلتنا إلى هذا الحد، إلا أن الفكر الذي ساد أجيال الستينات و السبعينات و حتى الثمانينات من القرن الماضي تلقى ضربة قاصمة حيث ذهبت الشعارات و ذابت الفوارق و غابت العدالة الإجتماعية و ذهبت مع الرياح كل ما كانت تحلم بها الأجيال في ذلك الزمن.
لقد تبين للمواطن بأن تلك الشعارات كانت رومانسية فقط لا علاقة بواقع الحال الذي يعيشه إلا أن يلعق جراحه من المشاكل الداخلية و إرتفاع الأسعار الجنونية و عمليات الإرهاب المنظمة وبروز فكر متطرف غارق في العودة إلى الوراء الذين وجدوا ضالتهم فيه و بأنه هو الحل المناسب لجميع مشاكلنا، وبسبب فقدان الثقة بحاملي الشعارات و الخطب الرنانة إنتقل بعض الأطراف إلى الضفة الأخرى و الترويج للفكر الطوباوي مثل دمقرطة الشعوب و أخوة الشعوب بعدما تخلت عن أخوة الدم و لكن لم يفهم المساكين أن ما يجري على الأرض شئ و في ساحات القتال شئ آخر و لم يدرك المواطن المسكين مدى إتساع الفجوة بين ما يسير سياسياً و بين ما ينفذ على الأرض غير أنه إجتهد في خلق التبريرات لما حدث و يحدث و جعل من بائعي الوطن أبطالاً و من المساومين على الدم الكردي قيادات و هكذا.
مروان سليمان
السلك التربوي – المانيا
11.09.2021