خوشناف ديبو
في ثمانينيات القرن الماضي وفي ذروة الصراع بين قطبي الحرب الباردة، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وحلفائهم، لجأت الاولى وحلفائها الى دعم وتمويل وتسليح جماعة المجاهدين الأفغان وتنظيم القاعدة لإسامة بن لادن، من خلال “عملية الإعصار”، التي أطلقتها المخابرات الأمريكية عبر باكستان، تمت فيها توجيه ضربات موجعة للجيش السوفيتي هناك، تكللت بهزيمته وإنسحابه من البلاد في عام 1989. على اثر ذلك بدأت حرب أهلية طاحنة أدت في نهاية المطاف إلى إنهيار جمهورية افغانستان الديمقراطية، بسبب فقدان قيادتها الدعم العسكري والاقتصادي من جانب الإتحاد السوفيتي، ليجدوا أنفسهم وحيدين في مواجهة حركة طالبان. وبحلول عام 1996، تمكنت الحركة في فرض سيطرتها على معظم الأراضي الأفغانية، وقامت بالقبض على الرئيس نجيب الله وأعدامه أمام أنظار الناس.
ومن هنا بدأت مرحلة جديدة لصراع ديني مذهبي عقائدي بين حلفاء الأمس، بين “الغرب الكافر” وجماعات الأسلام السياسي.
لقد كانت استراتيجية الغرب الهادفة الى التحكم بأنظمة الحكم القائمة في منطقة الشرق الأوسط وإستحواذ وإمتلاك موارد الطاقة والمياه هناك، تتركز منذ البداية على دعم وإسناد الجماعات والقوى الإسلامية المتشددة، وذلك من خلال التلويح بخطر تلك الجماعات. لكن مع تزايد أعداد الجهاديين الإسلاميين، ساءت الأمور وخرجت عن نطاق السيطرة. فبدأت دول الغرب بمحاربة الإرهاب والمنظمات الإرهابية، الذين اصبحوا يهددون أمن وإستقرار المجتمعات الغربية في عقر دارهم. وبالتزامن مع إنتشار وتوسع ظاهرة العولمة، إزداد الأمر تعقيدا، إذ قامت تلك المنظمات بتفعيل أنشطتها الإرهابية داخل المجتمعات الغرببة وبدأوا بتنظيم صفوفها وتأسيس وبناء المساجد وجمعيات دينية، مستغلين وجود ثغرات ونواقص قانونية في دساتيرهم وتوفر المناخ الديمقراطي العام، فتحولت مع مرور الزمن الى محميات ومرتع لولادة وإنتشار الفكر الإرهابي، حتى باتوا يشكلون تهديدا مباشرا لأمنهم القومي.
من هنا نشأت الحاجة الى وضع استراتيجية جديدة لوضع حد لإنتشار وباء الإرهاب المتمثل في الإسلام السياسي، والذي يمكن تلخيص جوهرها في ما يلي:
١- تصدير الإرهاب إلى خارج حدود مجتمعاتهم وإفساح المجال للإرهابيين بالتنقل بحرية.
٢- العمل على تجميعهم في حدود منطقة جيوسياسية واحدة ومتصلة، للتمكن من محاربتهم بسهولة ومهاجمتهم جوا وبرا وبحرا في سبيل تأمين الأمن والحماية لمواطنيهم وممتلكاتهم من الدمار. فتم إختيار دول مثل العراق وسوريا واليمن وبلدان اخرى.
٣- إيجاد او خلق قوى محلية على أرض الواقع، تقوم بمحاربتهم. فوقع الإختيار على الكُرد ومكونات اخرى لتنفيذ المهمة، وقاموا بتسليحهم وتقديم الدعم والسند، وذلك وفق مشروعهم الإستراتيجي الآنف الذكر. وفي هذا الصدد يجب التنويه الى ان الكُرد، ضمن هذه المعادلة المعقدة، كانوا امام خيارين صعبين: اما الموافقة على محاربة الإرهاب، او القبول بخيارات أسوء، وبالتالي نسيان طموحهم في بناء دولتهم المستقلة.
٤- ولكي تكتمل الحلقة والتمكن من تمرير مشروعهم، كان من الضروري وجود تنظيم متطرف يجسد قوى الظلام ويجذب الإرهابيين من جميع أنحاء العالم. فجاء إعلان تأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” في الوقت المناسب وبمثابة هدية أُنزلت من السماء، او لربما وأكرر لربما، أن أجهزة إستخباراتهم الذكية أوجدوا التنظيم الإرهابي السيئ الصيت “داعش”. إذ تم منذ بداية تأسيسه غض النظر عن نشاطاته المشبوهة، بل اُفسح له المجال بالتمدد على رقعة جغرافية واسعة، ومنحهم تسهيلات التنقل والحركة عبر الحدود التركية-السورية، بل تم إمدادهم بالمال والسلاح وتسهيل حركة المرتزقة من أوروبا، حيث تشير بيانات موثوقة بأن عددهم تجاوز خمسة عشر مرتزق، منهم 900 من الولايات المتحدة و 700 من بريطانيا و 500 من فرنسا و 400 من ألمانيا. وتأكيدا على صحة هذه الفرضية، يمكن الإستشهاد بتصريح منسوب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال فيه: أن مهمة القوات الروسية في سوريا كانت “مهمة حميدة لمساعدة روسيا ومواطنيها”، وأن بلاده ساهم في محاربة الإرهاب العالمي مشيراً الى أن “آلاف من الروس ومواطني آسيا الوسطى تجمعوا في سوريا، وأن الأفضل كان العمل على تدميرهم هناك، بدلاً من استقبالهم هنا ومعهم أسلحتهم”.