ملاحظات أولية حول كتاب مسعود البرزاني ( للتأريخ).

عبدو خليل
صدر قبل فترة قصيرة كتاب للزعيم الكردي مسعود البرزاني تحت عنوان. للتأريخ. وحسب معلوماتي المتواضعة اعتقد انه الكتاب الوحيد. اليتيم. الذي كتبه طيلة مسيرته النضالية والسياسية الحافلة بالأحداث والمنعطفات المهمة. هذا فيما لو سلمنا بأن الرجل هو الكاتب الحقيقي للكتاب. فكما هو معروف اغلب قادة وزعماء الشرق ليس لديهم وقت للانشغال بالكتابة. سيما وأن أمور البلاد والرعية تشغلهم عن هذا الترف. كما حال قادة وسياسي العالم الغربي. الذين يمتلكون متسعا من الوقت للاشتعال على التدوين والكتابة. وهذا ليس اتهام مبطن  للسيد البرزاني إنما على الأقل إشارة حتى نمسك يد الحقيقة. ولا ينتقص هذا من مقدار الرجل. لأن الكتاب بالنهاية يحمل اسمه. على أمل أن يعتكف على طاولة  الكتابة لما لديه من مخزون تاريخي كبير ويترك شؤون البلاد والرعية لمؤسسات الحكومات التي من المفروض انها شبت وباتت قادرة على تسيير أمورها من تلقاء نفسها.
وبالعودة إلى الكتاب. وبعيدا عن بعض السرديات التاريخية التي جاءت في متنه يهدف الكاتب  بالدرجة الأولى إلى الوقوف على موضوعة الاستفتاء حول مصير الإقليم الفيدرالي وشق طريقه نحو التحول إلى دولة قائمة بحد ذاتها. هذا ما يتبين للقارئ بداية الأمر. ولكننا سريعا ما نكتشف أن الهدف البعيد ليس سوى القول.  ان قرار الاستفتاء لم يكن قرارا فرديا من قبل السيد البرزاني. إنما كان قرار أغلبية الأحزاب السياسية الفاعلة والعاملة في الإقليم. وهذا ما دفع بالكاتب والذي من المفروض أن يكون ذات نفسه الزعيم البرزاني الذي أصر على الاستفتاء عبر مقابلاته الإعلامية ولقاءاته السياسية عشية الاستفتاء. هذا ما دفع به  لتكرار أسماء الأحزاب التي اتخذت القرار ولمرات عدة بين دفتي كتابه وبشكل مبالغ فيه بهدف تثبيت الفكرة . مؤكدا بطريقة أو بأخرى أن القرار كان إجماعا ولم يكن قراره الشخصي. لا بل يرفق ذلك بعدة صور فوتوغرافية  للجنة الاستفتاء. وهذا هو الهدف المباشر من الكتاب برمته وما تبقى منه لا يحتمل سوى أن يكون سردا لا قيمة له تأريخيا . هذا بالمعنى البحثي الأكاديمي والتوثيقي التاريخي . سيما وأن الحدث ما يزال طازجا ولا يحتمل الارتيابات الزمنية ولا  تأويلات واجتهادات الباحثين والدارسين ضمن المدى المنظور الراهن .
من جهة ثانية  يناقض الكاتب  فكرته السابقة . أي أن  القرار كان جماعيا. حيث يقول الكاتب. الزعيم  البرزاني ( وصلت الأمور إلى محاربة إرادة شعب كردستان.. عند ذلك قررنا إجراء الاستفتاء في موعده وليحدث ما يحدث). وهذا ما سمعناه منه من خلال مقابلة  تلفزيونية مطولة مع الصحفية الشهيرة زينة يازجي مضيفا أنه على استعداد للعودة إلى حمل  البندقية . 
ثم يدخلنا الكتاب في متاهة نكتشف من خلالها أن المضي نحو الاستفتاء رغم تحذيرات الدول ذات الشأن خاصة من حيث التوقيت. وبعض هذه الدول طبعا  فاعلة في كردستان العراق كان في جانب منه. أي الاستفتاء. ليس سوى تصفيات حسابات وصراعات على الزعامة وكسر خواطر وعزائم بطريقة ريفية وعشائرية بين الحزبين الرئيسيين. الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. حيث يقول السيد البرزاني ( لو تراجعنا عن الاستفتاء لكان الخصوم والاعداء الداخليون يتحدثون بلغة أخرى ويوزعون التهم…). حتى أن هذا التوصيف وحسب تقديراتنا المتواضعة بعيدة عن إصطلاحات ومفاهيم السيد البرزاني المسالمة والرزينة وتكاد تتطابق مع ما تعودنا عليه من لغة كتب أوجلان العدائية!؟ 
ويختم الكاتب. البرزاني. ملف الاستفتاء بالعودة للمربع الأول. على كونه لم يكن سوى رسالة للمنطقة وللمجتمع الدولي حول الرغبة الحقيقية لشعب إقليم كردستان العراق وان الاستفتاء لم يكن يرمي للانفصال عن العراق ولا إلى  إعلان دولة مستقلة؟! . إنما كان يرمي إلى (حصول القيادة السياسية للإقليم على تفويض الشعب وتخويله في المرحلة المقبلة)؟! . ولاندري حقيقة مدى أهمية هذا التفويض والتخويل. والذي أفضل عدم الخوض فيه احتراما لتاريخ الرجل الذي أحيانا يكبلنا أخلاقيا رغم أن الجانب البحثي والعلمي بعيد كل البعد عن ما هو  عاطفي و وجداني. ويمكن ببساطة لمن يريد التأكد العودة إلى فصول الكتاب وتحديدا الفصل المخصص للاستفتاء حتى لا يتهمنا احدهم بالتحريف أو التحرش الفكري. 
اخيرا و في الحقيقة ثمة نقاط كثيرة جاءت في الكتاب و تحتمل التحليل بشجاعة ومسؤولية واستنباط ما هو أبعد للوصول إلى حقائق حيادية. لكن للأسف حال اغلب مثقفينا الكرد المسلوبي الإرادة والذين تقودهم غرائز قطيعية تكشف ضحالة أدوارهم في هذا المفصل التاريخي الذي يؤرجح عموم منطقة الشرق الأوسط مع هدير الطائرات ودوي المدافع. هؤلاء المثقفون الذي يختصرون دور الفكر والثقافة بالإطناب والتصفيق والهربجة للكاتب. الزعيم.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   مرت مئة يوم ويوم على سقوط الأسد، لكن الواقع الذي يعيشه السوريون اليوم يتجاوز بكثير الساعات التي مضت. هذه الأشهر الماضية التي تنوف عن الثلاثة كانت مليئة بالتحولات السياسية غير المنتظرة، إلا أن الواقع الأمني والمعيشي للمواطن السوري لم يتحسن بل ازداد تدهورًا. إذ من المفترض أن يكون تأمين الحياة للمواطن السوري هو أولى الأولويات بعد السقوط،…

شيروان شاهين تحوّل الصراع في سوريا، الذي بدأ منذ 14 سنة كحركة احتجاجات شعبية، من حالة صراع بين ميليشيات مسلحة وسلطة منهكة على مستوى أطراف المدن والأرياف إلى صراع طال شكل الدولة ككل. حيث أفرزت الحرب الأهلية واقعًا وعنوانًا جديدًا في 8 ديسمبر 2024: انهيار دولة البعث وإعلان دولة القاعدة. تميّز حكم البعث، الذي بدأه أمين الحافظ “السني”…

اكرم حسين   طرح الأستاذ عاكف حسن في مقاله هل ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب السياسية؟ إشكالية عميقة حول جدوى الأحزاب السياسية اليوم، متسائلاً عمّا إذا كانت لا تزال ضرورة أم أنها تحولت إلى عبء ، ولا شك أن هذا التساؤل يعكس قلقاً مشروعًا حيال واقع حزبي مأزوم، خاصة في سياقنا الكردي السوري، حيث تتكاثر الأحزاب دون أن تنعكس…

صلاح عمر   ثمة وجوه تراها حولك لا تشبه نفسها، تبتسم بقدر ما تقترب من الضوء، وتتجهم حين تبتعد عنه. وجوهٌ لا تعرف لها ملامح ثابتة، تتشكل وفقًا لدرجة النفوذ الذي تقترب منه، وتتلون بلون الكرسي الذي تطمح أن تجلس بقربه. هؤلاء هم “المتسلقون”… لا يزرعون وردًا في القلوب، بل ينثرون شوك الطمع على دروب المصالح. لا تعرفهم في البدايات،…