د. عبدالحكيم بشار
اطلعت اليوم على فيديو هو عبارة عن سيمينار تم إعداده من قبل أنصار حزب العمال الكردستاني PKK في ألمانيا، وحضر الندوة مجموعة من المثقفين المستقلين، لبحث مشكلة التواجد اللاشرعي لمقتلي الحزب في الإقليم وسبل التعامل معهم.
وقبل الدخول إلى صلب الموضوع بالنسبة لي أرى بأن المثقف الكردي هو ليس ذلك الذي يتقن اللغة الكردية ويكتب بها فحسب، هذا بالرغم من أهمية الكتابة باللغة الأم، إلاّ أن صف بعض الجمل والكلمات والعبارات الجاهزة كالتي يحفظها الناشئة من دون معرفتهم بفحوى ما يرددونه لا يدخل في إطار خدمة القضية ، إنما المثقف قبل كل شيء هو الذي يطرح الأسئلة المتعلقة بالقضايا الجوهرية ويجيب عليها وفق المنطق .
وفيما يتعلق بموضوع الندوة والذي كان بمجمله يدور حول منع الاقتتال الأخوى كما يسمونه بين طرفين، أحدهما يمثله إقليم كردستان العراق ويتحرك ضمن أراضيه وسيادته، وطرف آخر فرض نفسه بالغصب والإكراه وهو غير مرحب به من قبل الأهالي ويمثله PKK، ولكن في الندوة تلك كان ثمّة ميل واضح للدفاع عن تواجد PKK اللاشرعي، وعلى طول السيمينار ما من أحدٍ منهم طرح السؤال الجوهري: ماذا تفعل قوات PKK في أراضي إقليم كردستان وماهي وظيفة تلك القوات؟ فهل استنجد بها الإقليم؟ وهل هم ضيوف حقاً ويلتزمون بقوانينه؟ وأنهم بسبب حاجتهم إلى ملاذ آمن دخلوا أراضي الإقليم، أم أنهم دخلوه عنوةً بقوة السلاح واحتلوا القرى وهجروا أهلها؟.
ومن ضمن الطروحات الغريبة في الندوة ظهرَ مَن يسعى إلى تجاوز ألف باب المنطق والعقل، ويقول إن إقليم كردستان أرض كردستانية وبالتالي يحق لقوات حزب العمال الكردستاني التواجد هناك بدون موافقة أحد، إذ لو طبقنا هذا المنطق الأعوج في أماكن أخرى من العالم أما تحولت تلك الدول بمجملها إلى ميادين مفتوحة للصراعات التناحرية الدائمة بسبب دخول وخروج العصابات منها وإليها؛ ولا شك أن هذا المنطق يجعل إقليم كردستان في خطر دائم ويبنى عليه الاستنتاجات التالية:
أولاًـ يعني بأن حزب العمال الكردستاني لا يعترف بسيادة الإقليم على أراضيه ولا بقوانينه ولا بحكومته الشرعية، رغم أن العراق ومعظم دول العالم بمن فيهم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والاتحاد الأوربي يعترفون بشرعية الاقليم ويتعاملون مع حكومته على ذلك الأساس.
ثانياًـ إذا كان الـ: PKK ينطلق من اعتبار أنها أرض كردستانية وله الحق في التواجد فيها متى شاء، فإن هذا المنطق يعطي الحق للحشد الشعبي في بناء قواعد له في إقليم كردستان خارج إرادة حكومة الإقليم وقوانينها، وذلك إنطلاقاً من أن الإقليم ما يزال جزء من العراق وفق الدستور وحتى الواقع الميداني، وبالتالي بإمكانهم العبث بأمنه واستقراره.
ثالثاًـ فإن المنطق الذي يبني عليه حزب العمال الكردستاني نظريته أو أيدولوجيته يمنح الشرعية لداعش الإرهابي أيضاً بالتواجد في إقليم كردستان العراق إنطلاقاً من مبدأ أن العراق دولة إسلامية وجزء من الإمة الإسلامية.
إذاً ما هو مبرر تواجد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان؟ فإذا كانوا هناك من أجل تأمين ملاذ آمن لهم أليس من المفروض عليهم الحصول على موافقة حكومة الإقليم؟ وأن يلتزموا بقوانينه، وأن يضعوا أنفسهم تحت حمايته وإدارته، وأن لا يتسببوا في إلحاق أي أذى أو ضرر بمصالح الإقليم، وبالتالي أن لا يتخذوا من أرضه قواعد للهجوم على دول الجوار، أم أنهم عبارة عن محتلين كحال داعش والحشد الشعبي وبالتالي من حق الإقليم طرد قوى الاحتلال؟ أم أنهم ينطلقون من قناعاتهم الأيديولوجية التي أفرزت مصطلحات مخالفة للواقع مثل الأمة الديمقراطية الوهمية، ومن ثم نصبوا أنفسهم أوصياء على كل الكرد؟
ما جرى في الندوة هو أن المشاركون كانوا يتحدثون بمثالية عن المخاطر والفرص أمام الكرد، ولكن لا أحد منهم وضع الإصبع على الجرح ووقف على نقطة الخلل الرئيسية بهذا الخصوص، وحيث أن حال إقليم كردستان كحال دولة شبه مستقلة وهو بحاجة إلى أفضل العلاقات مع دول الجوار وخاصةً تركيا، وإذا كان هناك ثمة خطر على الكرد في كردستان العراق خاصةً على القضية الكردية بوجه عام، فإن الخطر يأتي من ثلاثة مصادر: داعش، الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني.
ختاماً إذا أراد حزب العمال الكردستاني تخفيف الخطر على القضية الكردية عموماً وعلى إقليم كردستان العراق بوجه خاص، ومن اجل استباب الامن في الاقليم وعودة الاهالي الذين هجرهم مقاتلي الحزب المذكور فليس امامهم سوى نيل موافقة حكومة الاقليم على تواجده والإلتزام بقوانينه وقراراته بما فيه تسليم سلاحهم الثقيل ووضعهم في اماكن محددة تحت اشراف الاجهزة الامنية للاقليم، او اخراج مقاتليه بشكل نهائي من الاقليم وفق جدول زمني قصير أما اتباع أي طريق آخر هذا يعني أنهم بسوية الحشد الشعبي وداعش، وأنهم كالجهات المذكورة يُشكلون الخطر الأكبر على القضية الكردية.