جواني كوردي
من عيوب المجتمعات الشرقية في العصر الراهن أنها تأخذ بقشور ومظاهر الحضارة الغربية وتترك ما هو أساس النهوض والتطور ، والسمة الغالبة للوضع السائد في الشرق بروز وتفاقم ألانا الذاتية كحالة مرضية في الأحزاب والتنظيمات السياسية ، والحال هذه ينطبق على واقع الحركة الكردية في سورية ، فتبادل بعض الاحزاب بين حين وأخر الاتهامات بالتقصير في النضال والتهاون بالحقوق المشروعة للشعب الكردي وغيرذلك من التهم ترك أثراً عميقا في الشارع الكردي وكان من النتائج التي انعكست بالسلب على المجتمع الشقاق السياسي و التنافر الشعبي بين أنصار و مؤيدي بعض الأحزاب دون أن يكون لهذه الانشقاقات مرد سياسي أو برنامج عمل نضالي جديد يعطي تقدما للحركة الكردية بوجه عام
وما نشهده في الواقع من توجيه بعض الأحزاب الخطابات شبه العدائية للأخر ورفض بعض الاحزاب العمل الموحد والنضال المشترك مع جماعة حزبية أخرى ، لسبب أو أخر يزيد في عمق الانقسام داخل البيت والشارع الكردي و في تفاقم الخلافات القائمة وهذا لا يصب في خدمة القضية الوطنية في وقت يتطلب فيه النضال ، العمل المشترك وتوحيد الصفوف على اختلاف الانتماءات السياسية ونبذ الخلافات بعيداًعن الغاية التي تجمع جميع الاحزاب طالما الهدف ونيل الحقوق المشروعة مطمح جميع الأحزاب ،ومن سوء النتائج المترتبة عن الوضع السياسي المتردي، ما نسمعه ونراه ، من لجوء بعض الجماعات الحزبية إلى أساليب القوة والعنف السياسي دفاعا عن إيديولوجية الحزب وبرنامجه السياسي ومن المؤسف والمحزن أن يبلغ الأمر أحيانا حدّ المواجهة بين أخويين أو ابن وأبيه في أسرة واحدة إذا وجد أكثر من اتجاه حزبي في الأسرة ،وحال ما نراه اليوم تعبير صارخ عن تصدع الرابطة الوطنية وشرخ هدام في البيت الكردي السوري وكأن دروس التاريخ وعبر الماضي ونضال الشعوب لم يترك أثرا في نفوس بعض قادتنا من الحزبيين و السياسيين ليتخلوا عن بعض مطامحهم الشخصية وليتخلصوا من أنانيتهم الذاتية في سبيل قضية وطنية أسمى من كل المصالح الدنيوية خاصة وأن الشعب المغلوب على أمره ملّ من الانتظار والترقب وبات يأمل تغيرا ملموسا يخرجه من دائرة الضيق والفتور، إن زعزعة الثقة بالأحزاب الكردية في سوريا أوجد حالة من الإحباط واليأس عند الكثير من الوطنيين الشرفاء فاعتزلوا العمل السياسي وابتعدوا عن التنظيمات ، وليس مستغرباً أن تتمخض عن الذهنية الضيقة لدى البعض من هؤلاء ما يزيد في تفاقم الخلافات السياسية و تباعد بين الأحزاب والشارع الكردي ، لأن تضخم ألانا الحزبية وتمسك كل جماعة بآرائها وأساليبها النضالية بعيداً عن وحدة الصف الكردي يشكل هدرًا للوقت والجهود ولأن قوة الحركة تُستمدُ من اتحاد كلمة جميع الأحزاب على قرار سياسي واحد ، وبالتالي فإن الخروج من إطار الحزبية الضيقة و الانصهار في كتلة عمل وطني واحد يجنب الأحزاب من الانزلاق في اللأنا السائدة ، وأحداث آذار الدموية ، أثبتت جماهيرياً نجاح الأحزاب في قيادة الشارع والمجتمع الكردي ، فبالرغم من حالة الحزن العام إلا أن الفرح الجماهيري باجتماع كلمة الأحزاب كان كبيراً ، لكن الخلافات ما لبثت أن طفت على السطح ، وتبخرت أحلام الكثير من الوطنيين ، وتبددت الآمال أمام الوضع السياسي المتردي ، وعودة التمييز الحزبي ، وبالتالي فالضحية هو البيت الكردي المشتت والمنقسم بين مجموعة من الأحزاب السياسية تحمل نفس الأهداف وتعمل لنفس الغاية ، في حين أن الجهات الشوفينية العنصرية تتربص بالحركة الكردية ، وتبحث عن ثغرات لإضعاف الصف الكردي وإحداث شرخ بين القاعدة الشعبية والقيادات الحزبية , فهل تتعظ هذه الأحزاب و تتجاوز الخلافات والشقاق القائم بين أغلبها ، وتضع برنامج عمل سياسي و نضالي مشترك في وقت تتطلب فيه الظروف المحلية والإقليمية والدولية وحدة المواقف السياسية والنضالية والابتعاد عن ألانا الذاتية التي تشكل عقبة أمام تطور الحركة الكردية , وتحجب الثقة عن هذه الأحزاب ،أم أن هذه الأحزاب والقيادات السياسية تنتظر أذاراً دمويا جديدا لتستفيق من شتاتها وتحقق حلم الجماهير في وحدة الصفوف .