التعليم لدى «الإدارة الذاتية الديمقراطية» وتناقض الأقوال والأفعال

حسين جلبي
كشفت نتائج امتحانات نهاية السنة الدراسية الحالية للمرحلة المتوسطة في سورية مرةً أُخرى، عن التناقض الكبير بين الشعارات التي يرفعها حزب العمال الكُردستاني ويرغم الآخرين بقوة السلاح على الخضوع لها، والتي يسوّق لها مسؤوليه وكوادره وأنصاره باعتبارها تمثل روح ثورة الحزب وعصارة المكتسبات التي حققها والأساس لمنجزات قادمة كبيرة ستتحقق من خلالها، في الوقت الذي لا يقرن فيه الحزب القول بالفعل، ولا يلتزم فيه مروجي شعاراته، من كوادره ومسؤوليه وموظفيه بها، لا بل يفعلون عكس ما يقولون.
لعل أول المصطلحات التي يستخدمها حزب الـPKK ديكوراً لتغليف دكتاتوريته الحزبية المقيتة، بالإضافة إلى شعارات الحرية وأخوة الشعوب وغيرها مما عفا عليه الزمن، وأثبت خلوه من المحتوى هو مصطلح الديمقراطية، والذي يستخدمه لاحقة لأي “نشاط” حتى إذا كان شتماً وتهديداً وقمعاً، فهناك الأمة الديمقراطية، القوات الديمقراطية، الإسلام الديمقراطي المرأة الديمقراطية، الحياة الديمقراطية، الشبيبة الديمقراطية، الرياضة الديمقراطية، الفن الديمقراطي، هذا رغم أن الحزب ومنظماته وأنشطته أبعد الجهات عن معرفة أبجديات الديمقراطية وتطبيقاتها، حتى أن كلمة اعتراض أو احتجاج واحدة، لا بل عدم المشاركة ببغاوياً في ترديد شعاراته الفارغة، قد تجعل صاحبها هدفاً لحملات تخوين وتشويه وربما تؤدي إلى اختفاء أثره، دون أن يجرؤ أحد من محيطه على السؤال عنه، بسبب منسوب الرعب الذي خلقه الحزب.
فرض حزب العمال الكُردستاني بعد استلامه المناطق الكُردية السورية من نظام الأسد، منهاجاً دراسياً غريباً على الكُرد، مستغلاً تعطشهم إلى التعلم والدراسة بلغتهم، لكنه عمد إلى “دس السم في الدسم”، عبر جعل منهاجه الحافل بالأخطاء والأكاذيب؛ مقتصراً على الترويج للإيديولوجيا التي يؤمن بها، وجعل التاريخ الكُردي يبدأ من وقت ظهوره ويتمحور حول شخص واحد هو زعيمه اوجلان، حتى أنه حلماً للأخير أصبح مادة في المنهاج، ينبغي على الطلبة دراسته. ومع سطحية المنهاج وركاكته، بسبب وضعه من قبل جهات حزبية غير مؤهلة لمثل هذا العمل الخطير، وتدريسه من قبل كوادر حزبية غير حاصلة على المؤهل التربوي التدريسي، وعدم حصول المنهاج على الاعتراف من أية جهة كانت، بما فيها منظمة اليونسكو التي تعتبر المرجعية في مثل هذا الأمر، يتضح حجم الكارثة التي يلحقها الـPKK بالكُرد.
أرغم حزب العمال الكُردستاني الكُرد على الدراسة وفق منهاج إدارته، باستخدام العنف غالباً، وذلك بمنع أطفالهم من التسجيل في المدراس الحكومية المعترف بها واعتراض سبيلهم خلال ذهابهم إلى المدرسة، ووصل به الأمر إلى حد المراقبة اللصيقة على الأطفال وذويهم، درجة إغلاق المعاهد الخاصة ومنع الدروس الخصوصية حتى في البيوت، واعتقال مدرسين كانوا يقومون بإعطاء حصص تقوية لطلاب الشهادات الأساسية الحكومية، لتحضير أنفسهم لتقديم امتحاناتها، لتكون النتيجة دراسة في مدارس غير معترف بها، يحصل فيها الطالب بالنتيجة على ورقة عديمة القيمة لا تعطي حقوقاً، منها متابعة الدراسات العليا، هذا مع كثير من الأذى النفسي والتشويه الفكري، بسب استخدام المدارس وسيلةً للتلقين الإيديولوجي وحاضنة للتجنيد القسري.
لكن نتائج الامتحانات المعلنة خلال اليومين الماضيين من قبل وزارة التربية التابعة لنظام الأسد، بينت أن مسؤولي “الإدارة الذاتية الديمقراطية” التي أعلنها الـPKK في المنطقة، والذين يروجون ليل نهار لمنهاج “الإدارة الذاتية الديمقراطية”، ويطلبون من الكُرد الالتزام به، كانوا أبعد الناس عنه، فقد عمدوا إلى تسجيل أبنائهم في “مدارس نظام الأسد”، حسبما يسمونها عندما يطلبون من الكُرد الابتعاد عنها، وتقدم أبنائهم للامتحانات وفق ذلك المنهاج، وكان ممن سجل النشطاء ورود أسماء أبنائهم في جداول النتائج، ابن الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي أعلن “الإدارة الذاتية الديمقراطية، ابن رئيس حزب سوريا المستقبل التابع لإدارة الـPKK في المنطقة، عضو في “مؤسسة الدراسات الاستراتيجية للتربية والتعليم في الإدارة الذاتية”، المختصة بوضع منهاج الحزب الإشكالي، ابن “رئيس جامعة عفرين” التابعة للإدارة الذاتية، ابن الناطق باسم قوات سوريا الديمقراطية، وهو أكثر من روّج لمنهاج الحزب ودعا الآخرين إلى الالتزام به، وابن “مشرف الامتحانات لدى الإدارة الذاتية” الذي كان وراء فصل الكثير من المعلمين، لأنهم أرسلوا أطفالهم للدراسة في المدارس الحكومية، في الوقت الذي امتنع هو عن إرسال أطفاله إلى مدراس الإدارة الذاتية.
لا يقتصر التناقض بين الأقوال والأفعال لدى الـPKK على التعليم، فالحزب الذي أعلن عن “إدارة ذاتية ديمقراطية” للمنطقة، تعتبر إدارته مجرد فرع أمني غايته عد الأنفاس على الكُرد وتحصيل الأموال منهم بأي ثمن، كما تنتفي صفة الذاتية عنها، إذا علمنا بأن من يديرها هم كوادره الغرباء عن المنطقة والذين ينتمي معظمهم بأصوله إلى تركيا، بينما يستخدم بعض الكُرد السوريين واجهة لها، أما الديمقراطية التي يتغنى بها الحزب، فقد أثبت باستمرار بأنه لا تعني سوى توزيع ظلمه بالتساوي على الكُرد. 
المصدر: السوري اليوم

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…