لم تعد تمتمةَ البيت الكوردي تنفع!

جان كورد

قال أجداد الكورد: “-ألف صديقٍ قليل وعدوٌ واحد كثير!” وهذا دليلٌ واضح على أنّ الكوردي كان في زمن النزاعات العشائرية الدموية وفي المعارك البطولية ضد الغزاة والمحتلين مع السلام والحوار دائماً ويكره أن يكون له أعداء، ثم اكتشف آباء الكورد فيما بعد أن ليس للكورد أصدقاء سوى الجبال! واليوم يبدو أن للكورد بعض الأصدقاء سوى الجبال، كما قال لهم الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن مرّةً في خطابٍ مؤثّر له في برلمان اقليم جنوب كوردستان أثناء إحدى زياراته للعراق و الاقليم الكوردي. 
أنا أجد الأوضاع الكوردية ليست على ما يرام، فالمشكلة لا تكمن في كثرة الأصدقاء أو قلة الأعداء  وإنما في نمط التفكير السياسي الكوردي الذي يتسم بالحدية والقسوة أحياناً، وفي بعض الظروف غير الملائمة أصلاً لاتخاذ المواقف الصلبة في أمورٍ هم متفقون عليها بأنها مصيرية نحتاج إلى شيءٍ من المرونة في الخطاب السياسي مع انفراج زاوية النظر إلى الآفاق القريبة والبعيدة. وهذه الأفكار السليمة يؤمن بها في المجال النظري أغلب السياسيين الكورد. وحقيقةً لم ألتقِ بسياسي أو بمثقفٍ أو فنانٍ كوردي خلال حياتي لم يطالب بالتروي والتعقّل وتدارك المواقف ورفض الهجمات التي لا مبرر لها في التفاعل الوطني عامةً، إلاّ أن جميع الذين تعرّفت عليهم أظهروا امتعاضهم من سلوك ومسار ومواقف البعض من زعمائنا واتهموهم بالعجرفة في القيادة وعدم التخطيط الجيّد للخطوات التي يجب أن يخطوها في الحيّز المسموح لهم استراتيجياً وضمن الإطار الظرفي الذي هم فيه، داخلياً وخارجياً…  
ولكن أحياناً يضطر المرء إلى القول: “-كفى! هذه الطنطنة التي تؤذي الآذان بعلوها عن التآخي والسلام والدعوات السطحية للتضامن لا تخفي حقيقة أن بعضاً مما نسميهم بالقوى السياسية الكوردستانية قد خرجت فعلاً عن الصراط القويم لمسيرة الأمة الكوردية المغدورة، وما عادت زعامات ذلك البعض يفرّق يسيب تهوّرها بين إطلاق النار على بيشمركة كوردستان و ربيئةٍ من ربابا الجيوش المحتلة لبلاد الكورد، وأنها لا تجد ذرةً من ندمٍ لتسليمها مدينة كوردية للعدو الغاشم، بل تساهم في ذلك التسليم بكل صفاقةٍ ووقاحة، دون أن تحترم مشاعر الملايين من أبناء وبنات شعبها، بل تعتبر القتال إلى مع قوات الأعداء ضد القوات الكوردية “نصراً سياسياً مؤزراً!” لها، وكما يجد البعض استلام رواتب مقاتليه من أشد أعداء الكورد لقاء خدماتٍ تافهة نوعاً من الذكاء والفطنة والدهاء…  أو أن ما يقوم به البعض من مخاتير الأحزاب من تلفيقاتٍ إعلامية وترتيباتٍ سياسية في هكذا ظروف لعرقلة تقدّم الحوار الداخلي للقوى الكوردية، كما في غرب كوردستان اليوم، لونٌ من ألوان المنافسة الشرعية لكسب ما يسمونه بالمناصب السيادية والوطنية في المدن شبه المهجورة والخيام الممزّقة التي يعيش فيها شعبهم الآن. 
في هذه الحال، لايمكننا قبول نياح الذين يتباكون على الحرية والسلام والتآخي أبداً، طالما ينجرفون بسكوتهم عن عدوان المعتدي بذريعة أنهم يسعون للسلام الأخوي، فالسلام يبدأ بكف البعض عن العدوان السافر على البعض الآخر.
بالتأكيد، ليست المسألة مسألة كثرة أعداء وقلة أصدقاء أو بالعكس، وإنما موضوع : كيف ومن أين نبدأ بإصلاح الخلل؟ فهل نقف بين من يتعاون مع العدو لاحتلال كركوك ومن يسعى لاستردادها ونقول: أنتم إخوة فلا تتقاتلوا! أم نسكت عن تجاوزات من يعتبر نفسه فيلسوف الثورة الأممية، بعد أن كان عبداً مطيعاً لفيلسوفٍ من قبله، وندعه يهدم في كل يوم درجةً من درجات السلّم الكوردي بتصريحاته وتصرفاته واغتيالاته واعتقالاته للكورد، ونقول له: “-تعال نتفّق، فالأعداء كثيرون والأصدقاء قليلون!”
إن هذه السياسة غير المسؤولة تفتك بالوطنية والقومية والإنسانية والتماسك والتجاذب، وتجعل المتهورين في ممارساتهم وبياناتهم محصنين في قلاعهم التي تفوح منها رائحة الجهالة والضلالة عن الطريق الصحيح.
برأيي،  الحرص على الحرية والسلام والتآخي والتضامن، وكل ما نحتاجه لجمع القوى وتوحيدها هو أن نكشف على مواقع الرقع في جلباب الكورد، ونشير بإصبعنا الطويلة صوب عيون الخارجين على إرادة أمتنا ونقول لهم بحدة: أنتم ربما لستم بأعداء إلاّ أنكم تخدمونهم ومصيركم إلى الزوال لأن الأمم إنما تستجمع قواها وتعيد انتاج ذواتها بالتطهير الذاتي المستمر، فالذي يحاول إيقاف مسيرة الكفاح الذي بدأه الآباء والأجداد وتابعه البيشمركة يجب إتخاذ موقف الرفض حياله، لا التوسّل إليه ألا يغتال مزيداً من الكورد ولا بفتك بهذا الشعب المظلوم كما يفعل الأعداء…
نعم، عدوٌ واحد كثير وخاصةً إن كان من أفراد البيت وألف صديقٍ قليل إن كانوا من البيت ذاته أيضاً.
10/07/2021

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…

عبد الجابر حبيب ـ ذاكرة التهميش ومسار التغيير بعد عقدين من اندلاع الأزمة السورية، وتحوّلها من انتفاضة مطلبية إلى صراع إقليمي ودولي، ما زال السوريون يتأرجحون بين الحلم بوطن حر تعددي عادل، وبين واقع تمزقه الانقسامات، وتثقله التدخلات الأجنبية والمصالح المتضاربة. سوريا اليوم لم تعد كما كانت، لكن السؤال يبقى: إلى أين تسير؟ وهل ثمة أمل في التحول نحو…

حوران حم في زوايا الحديث السوري اليومي، في المنشورات السريعة على مواقع التواصل، في تصريحات بعض “القيادات” ومواقف فصائل تدّعي تمثيل الثورة أو الدولة، يتسلل الخطاب الطائفي كسمّ بطيء، يتغلغل في الروح قبل أن يظهر في العلن. لم تعد العبارات الجارحة التي تطال الطوائف والأقليات، والمناطق، والمذاهب، تُقال همساً أو تُلقى في لحظة غضب، بل باتت تُصرّح جهاراً، وتُرفع على…

إبراهيم اليوسف لم يكن، في لحظة وطنية بلغت ذروة الانسداد، وتحت وطأة أفق سياسي وأخلاقي مغلق، أمام الشيخ حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، كما يبدو الأمر، سوى أن يطلق مكرهاً صرخة تهديد أو يدق طبول حرب، حين ألمح- بمسؤوليته التاريخية والدينية- إلى احتمال طلب الحماية الدولية. بل كان يعبّر عن واحدة من أكثر المعضلات إلحاحاً في واقعنا…