القرارات المتخبطة في مناطق «الإدارة الذاتية الديمقراطية» في سوريا

حسين جلبي
أصبحت “الإدارة الذاتية الديمقراطية” التابعة لحزب العمال الكُردستاني في سوريا، موضع تندر في الشارع الكُردي خاصةً في الفترة الأخيرة، نظراً للتخبط في اتخاذ قرارات تبدو ارتجالية، في أمور جوهرية تمس حياة المواطنين، إذ لا تكاد “الإدارة” تتخذ قراراً هنا “بناءً على مقتضيات المصلحة العامة”، إلا وتعمد بعد وقت قصير، لا يتجاوز ساعات قليلة في بعض الحالات، وقبل أن يسمع به كثيرون، إلى إلغائه واعتباره لم يكن، بناءً على “مقتضيات المصلحة العامة” أيضاً، حتى أصبح السؤال يدور في كل مرة، بعد صدور قرارات تؤثر على حياة المواطنين ومعيشتهم، عن الخطوة التالية التي ليست سوى إلغائه، دون أن يعلم أحدٌ شيئاً عن “مقتضيات المصلحة العامة” تلك.
فقد أعلنت “الإدارة العامة للمعابر” في إدارة حزب الـPKK مؤخراً، عن إغلاق معبر “سيمالكا” الحدودي مع إقليم كُردستان بشكل كامل، مانحة حاملي الإقامات الأوربية الذين يتواجدون فيما تبقى من مناطق نفوذها، مهلة أربعة وعشرين ساعة لمغادرتها، وقد سارع هؤلاء بالفعل إلى المغادرة، إلا أن إدارة الحزب عادت وأعلنت بعد ساعة من دخول قرارها حيز التنفيذ، عن إلغائه وفتح المعبر بشكل كامل. ومعبر سيمالكا بالمناسبة، هو جسر عائم أخضر اللون يربط ضفتي نهر دجلة، بنته سلطات الإقليم في بدايات الثورة السورية على النهر، لتزويد المناطق الكُردية السورية بالمساعدات الانسانية والوقود، لم يلبث الحزب وإن استفرد بالسيطرة عليه، بعد انتزاعه من المجلس الوطني الكُردي، شريكه المفترض في إدارة المنطقة، حسب اتفاقات كان الطرفان وقعا عليها برعاية إقليم كُردستان.
إذاً، لم تكن القرارات السابقة هي الوحيدة المتضاربة التي اتخذتها إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكُردستاني التركي، بل كانت آخرها، ويبدو بأنها لن تكون الأخيرة في هذا الصدد، بسبب عقلية الحزب التي يدير بها المنطقة والآليات التي يستخدمها لاتخاذ القرارات، والتي تكون على شكل ردود أفعال أو نتيجة لأوامر يتلقاها القائمون على الإدارة، لا تأخذ بعين الإعتبار مصالح الناس والأزمات التي تعيشها المنطقة وظروفها الصعبة، وبالتالي عدم ملائمة القرار المعلن زماناً ومكاناً. فعندما اتخذت “الإدارة الذاتية” قراراً برفع أسعار الوقود الذي كان مفقوداً أصلاً، لم يكن المواطنون لمسوا تحسناً في أحوالهم المعيشية، على العكس من ذلك، تابعت الأوضاع تدهورها، إلا أن إدارة الحزب التي أشارت إليها أصابع الاتهام بخلق أزمة وقود في السوق تمهيداً لرفع سعره، استمرت في سياساتها الممنهجة في تفقير المجتمع لكسب الولاءات، كما جاء تطبيق التجنيد القسري على أبناء منطقة منبج، في وقتٍ يمكن القول معه بأن معارك الـPKK الأساسية في سوريا وضعت أوزارها، بحيث افتقدت سياسة التجنيد القسري إلى مبرراتها.
إن ما تتخذه “الإدارة الذاتية الديمقراطية” في سوريا من إجراءات تمس حياة الناس وأمنهم ومعيشتهم، ومنها المسيرات المتواصلة لدعم حزب العمال الكُردستاني ورفع صور زعيمه، ليست سوى محاولات لتقوية أوراق الحزب خاصةً في إقليم كُردستان، حيث بات الحزب محاصراً بالأسئلة حول مبررات تواجده على أراضي الإقليم الذي يعتبر جزءاً من سيادة الدولة العراقية، والاعتداءات التي يقوم بها ضد مواطني الإقليم وأراضيه وقوات البيشمركة المدافعة عنه، كما أن تلك الإجراءات ليست سوى محاولة للهروب إلى الأمام واشغال المواطنين بأزمات مستمرة، للتغطية على تقصيره في توفير خدمات لهم، وصرف النظر عن عمليات النهب المنظم لخيرات المنطقة، التي رفدت خزائنه بالمليارات، في وقت لا يجد فيه الكُرد أبسط مقومات المعيشة، رغم دفعهم ثمناً غالياً، يشهد عليه عشرات المقابر الكبيرة التي تزنر ما تبقى من مدنهم.
المصدر: السوري اليوم

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف   منذ 2011، فتحت تركيا أبوابها للسوريين، ليس دعماً لهم، بل لاستغلال نزوحهم، على أكثر من صعيد، متوهمةً أن سقوط النظام لن يطول. استقبلت الأيدي العاملة، بأجور جد زهيدة، و استغلتهم عبر أساليب مشينة، واستفادت من ضخّ المساعدات الدولية الممنوحة للسوريين، بينما اضطر رجال الأعمال إلى نقل مصانعهم إلى هناك، لاستمرار معيشتهم وديمومة حياتهم، ما عزّز الاقتصاد…

في إطار الاهتمام العالمي بالقضية الكردية عامّةً، وفي سوريا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية في 12 آذار 2004م، ازداد اهتمام العواصم الأوروبية بقضيتنا الكردية؛ فأوفدتْ مندوبين عنها إلى الجزيرة من قبل الاتحاد الأوروبي والقارة الأمريكية (كندا)، وذلك للوقوف على الحقائق كما هي في أرض الواقع؛ بغية الوصول إلى رسم تصوّرٍ واضحٍ ومباشرٍ لوضع الشعب الكردي في سوريا ومعاناته الاجتماعية…

ماهين شيخاني كان يكبرنا سناً ومحل احترام وتقدير لدينا جميعاً وفي المؤتمر (……) كان بيني وبينه وسادة، لمحته ينظر لوجوه المؤتمرين، هامسته : هل أكملت جدول الانتخاب ..؟. أجاب: مازال قائمتي بحاجة الى بعض المرشحين ..؟!. وضعت ورقتي المليئة بالأسماء التي انتخبتهم حسب قناعتي بهم على الوسادة أمامه، تفضل ..؟. نظر أليَّ باستغراب، رغم ثقته بي ووضع…

صلاح بدرالدين   منذ عدة أعوام ولم تنفك وسائل اعلام أحزاب طرفي ( الاستعصاء ) – ب ي د و انكسي – تنشر تباعا عن تدخل وسطاء دوليين لتقريب الطرفين عن بعضهما البعض ، والاشراف على ابرام اتفاقية كردية – كردية ، وانهاء عقود من حالة الانقسام في الصف الكردي السوري !!، من دون توضيح أسس ، وبنود ذلك الاتفاق…