وليد حاج عبدالقادر / دبي
في مقالٍ قيّمٍ جداً للكاتب خالد غزال في جريدة الحياة عدد ١٨٣٢٦ تاريخ ٧ _ ٦ _ ٢٠١٣ ص ١٠ تحت عنوان : منع الفتنة المذهبية بتعميقها جاء فيها / . . في العلاقة الوثيقة الناشئة بين العنف والمقدّس تتدخل الحقيقة التي تحتكرها كلّ فئة وترى أنّ خطابها هو الصحيح فيما الباطل هو من نصيب الآخرين .
أهم نتائج احتكار الحقيقة هي رمي الآخرين بالتكفير والتخوين والهرطقة بما يسمح بإهراق الدم في سبيل هذه الحقيقة . هكذا يحدّد مثلث الحقيقة _ المقدس _ العنف مسار العلاقة التي تتحكّم بين الطوائف والمذاهب . . / .
وفي استعراضٍ عفوي، وسرد سريع عن الراديكاليات المتعدّدة في طرائقها ومذاهبها بتشعباتها العديدة، وفي التركيز على البعد الفكري والممارسات التنظيمية – التجميعية لها ، سيلاحظ كلّ مَن يملك أبسط رؤية نقدية – استيعابية لمفهوم الجدل العقلي، إن وهم القداسات – الوضعية – أغلبها هي تلك المستندة على لا شيء ومَن يمارسها عملياً، شاء ام أبى ، فهي مرتبطة بوعي أو من دونه بالغيبيات ، وهنا فهو يخلط بين الديني والبشري في تناسٍ كامل لمفهوم الخطأ والصواب حتى في الأديان كما الآية القرآنية الكريمة ( عبس وتولى ) , وهذا لا ينفي مطلقاً أنّ بعضها عفوية المنشأ ، لابل وقد تكون نتاج صدفة أو ظرف طارئ ، وقد تكون – أغلبها – صناعة ضخ ذاتوية متعوبة عليها ، وبمرياعية تنظر أماما فقط وموجّه لمركز محدّد فتخلق عنده هالة بأنّ المقدس تحفة لن تتكرّر و .. يفقده – للمرياع – حاسة التوازن الشخصي بأنّ الظروف إياها التي وفرت لمقدسه لو كان هو من توفرت لكان هو مكانه .. وعليه يصبح مقدسه حالة ذهنية بأنه لا يخطئ ولن يتكرر . هذا الأمر – ومع التأكيد مجدداً بأنّ المعني هنا هي الوضعيات النظرية والعملية بمختلف مذاهبها – فإنّ هذا الأمر، وكواحدة من أهم تجلياتها التعويمية هو التعويم السياسي ، والذي يضاهي كثيراً وجود اعتى الجيوش ، هذا الأمر الذي كنا نركّز عليه في الخاصية الكُردية ، وأعني بها ضرورة ترتيب البيت الكُردي ، على قاعدة القضية الرئيس منها والأساس، ودائماً كانت المصيبة هي تلك الردود المشفوعة بمعطف النظم / السلطات التي فشلت قمعاً ولكنها في الممارسة التشتيتية لواقع الحركة السياسية ! فهي – هم لازالوا إلى الآن تمارس – يمارسون وبمنطق آخر وأيضاً كخنجرٍ ذي حدّين، همها الأوحد نشر وبعثرة خلايا مسرطنة لا أكثر ، وهنا ، أكاد أن أجزم على أنّ هناك قضايا كثيرة أخرى وتشاركاً مع غرف دولية عديدة متداخلة والتي كشفتها الوثائق منذ بدايات الثورة السورية وفقدان النظام لهيبته وسيطرته، وحالات الانشقاقات لضباط أمنيين منخرطين كانوا ، وحجم المعلومات والوقت الذي كان ولايزال رئيسهم يسخرها إنٔ لترتيب أوضاعه الشخصية أو لترتيب الملفات السرية التي بحوذته، فيستثمرها حين الضرورة، هذا من جهة ومن جهة أخرى ما استحوذت عليها الجهات أو القوى البديلة النظام أو استلمتها من النظام واستخدمتها ولاتزال كأداةٍ طوّعت الكثيرين واستخدمتهم أوراقاً، وعلينا أن نقرّ : وبامتيازات أكثر . وعليه لما الإستغراب في الإطفاء الممنهج لكلّ أباصيص النور التي نزعم رؤيتها في نهاية النفق ؟
أو ليس – بعضهم – أصلاً نتاج أو من صانعي – العتمة التي يريدونها مستدامة – ، هذه العتمة التي يهرع مراييعها إلى تقية القداسة الموهومة ، ومن خلالها تبدأ عمليات ضخّ هالاتٍ بشحنات كهروهوائية فائقة القوة لإفشالها ، وهنا وبخاصية القضية القومية للشعب الكُردي في سوريا، دعونا نستذكر كيف أنّ النظام سعى في الثمانينيات إلى تشكيل وفدٍ للقاء أحزاب وقادة كُرد، ورغم حرج النظام وحالة الهذيان الذي كان فيه ، وضعفٍ كان آيلاً فعلاً فيه النظام للسقوط ، إلا أنّ حركتنا المصونة وتحت يافطة تقديم الولاء للنظام وكأولويةٍ غُلِفت بشعارات ما قلّت عن مبدأ محاربة الإرهاب ، وفسّرها بعضهم كأولوية للإنتماء الوطني وان كانت عنواناً مهماً، وزخرفها قسم آخر كنوعٍ من الصراع بين التيارات الليبرالية التقدمية ، والراديكاليين متناسين بأنهم قريبون من الأخيرة بقدر بعدهم عن الأولى، وهي هذه المبررات بتوصيفاتها، برزت مطالب كُردية خجولة، لم ترتقِ مطلقاً كوجهة نظر أو حتى مجرد طروحات لمشروع حقوقي / مطلبي لمجموعة – شعب، وكلّ ذلك علل لتبيان الحشد وبأفق وطني مبتور ومن جانب واحد ، بالرغم من أنّ غالبيتهم كانوا يدركون بأنّ غالبية الجماهير الكَردية هي في الأصل ما كانت راديكالية أو متأخونة ، ولينعكس هذا الأمر تماماً مع انحسار الموجة واستقرار النظام، ومن ثم إعادتها للقضية الكُردية إلى حجمها ، التي تريدها هي ، أي إلى مراكز القرارات الأمنية ، وباختصار ، وكمثال متقدم زمنياً، وبخاصية انتفاضة قامشلو آذار 2004 ، وعلى الرغم من التوقيت العلوي والمفاجئ، لاحظنا حالة الإرباك، وإن ظهرت مبادرات وحضور عملي لقادة بعض الأحزاب ، ولكنها كحالة حزبية وممارسة عملياتية رغم التصاق القيادات بجماهيرها ومشاركاتهم الميدانية تحت سقف – مجموع الأحزاب الأحزاب الكُردية – هذا العنوان الذي أرغب النظام خاصة وأنه اقترن بهتافات مئات الألوف ودماء شهداء بررة، هذا الأمر الذي قمع وبشدة بنيوياً أكثر مما هو سلطوياً، الأمر الذي لا يزال كثيرون يريدون وككاسحاتٍ حتى مسحها من الذاكرة الجمعية الكُردية ، أجل ! إنّ موقف عموم الأحزاب وتخبطها أثناء انتفاضة قامشلو من جهة، وإتلاف لابل السعي الى تدمير نواة المخاض الجيني البنيوي حينها ، والتي لاتزال مستمرة حتى الآن وبكل اسف ، وبالموازاة مع فشل كل من حاول تسلقها أو ركوبها والزعم بأنه انبثق من رحمها ، إلا أنّ المخاض أصرّ ان يبقى ويتدفّق ، وعلى أن يفرز من بين المتراكمات التي نشأت وتوفّر لها البيئة اصطناعاً لتنمو ولكن وفق قناعات تصرّ على نفي الانتماء الكُردستاني قومياً لصالح بُعدٍ وطني مهمّش ، ووفق رسمٍ للمصطلحات والمبادئ التي تنسف صميمية الفهم القومي / الشعبي لمجموعةٍ تعيش على أرضها التاريخية من جهة والأهم هنا – أيضاً – كنقطةٍ جوهرية : سوريا على أبواب مرحلةٍ حاسمة والقوى الرئيسة تتموضع ، والدولة تستجرّ لتفرض سيطرتها كدولة لا كنظام على كامل سوريا سايكس بيكو ،ومعها شمال وشرق – سوريا – والتحركات السياسية والاجتماعية فيها ضاجة وفاعلة غالبيتها تأخذ منحى اجتماعي /عشائري والنظام حاضر بشكل مباشر أو مدّثر ووسط كلّ هذا : هل هناك ما يترتب ؟ أعني إعادة أشكلة لخرائط – كروبات – منصات – لأحزابٍ تحولت مواقعها وتغيرت بالتدرج ! أم هي عامل محض الصدفة ! ام البحث دوماً عن الدور الأنفع؟ مع أمنيتي ان يكون مفهوم الأنفع تعني للشعب والقضية .. مجرد أفكار لا أكثر ! ولكنها تستجلب معها عشرات الأسئلة ؟!! أيعقل أنّ شعبنا يفتقد إلى الأسوياء في كافة الإتجاهات ؟ أقرّ / شخصياً / وكناحية سايكولوجية بأنّ الفعل وردته يتحكّمان بالتعامل السياسي البيني كواحدة من أهم عوامل الانتماء القبلي / العشائري ، وإنّ الهيمنة هي منبتها الدائم والرئيس مازال مرهونا بفائض القوة، مع أنّ الحكمة الكُردية لاتزال تردّد مقولة: إنّ الدم والوقت لم يفت سواها الفرص الحقيقية التي تدمّر ! .
إنّ الردود على شاكلة الحروب الدونكيشوتية واستجلاب سرفانتس من قبره هي عطالة حقيقية ، في حين أنّ حساسية المرحلة والرد على هكذا أطر يستوجب تسريع الخطوات العملية وعلى قواعد متينة وكمثال : يكفي لنا أن نتأمّل في الأسماء، ونحكم على النتائج ،وكبدايةٍ يجب أن نقرّ بأنّ هناك غالبية عظمى في المقابل الكٌردي لازالت متكلّسة حتى العظم في موقفها من القضية القومية الكُردية وشعار – لن نگبل – أن تمنح – ولو – بوركينا فاسو أي حق للأكراد ، وهم كانوا وسيبقون ذات الأيادي المنفّذة لسياسات الإجرام والشوفينية ، وقسم آخر لديه قابلية البصم وبالعشرين على أية موقف يدين أو ينسب للكُرد ، وقسم آخر وضع اسمه وأجزم بأنه لا يعرف التاء المفتوحة من التأنيث ! إن ما نسجّله على غالبيتهم – مع استيعابنا للمسببات – هي ذاتها نتاج عشرات السنين الذي تعايشنا فيه سوية والحلم الرومانسي بدولة وطنية – لنتفاجأ بأنّ – المتراكمات لاتزال تنسف كلّ شيء ؟
و .. من جديد نحن – كُردياً – مَن يبعثرها مقامرة على طاولات الآخرين أدلجة ! . هذا الأمر الذي يبدع فيه بعضهم وبمهنيةٍ كبيرة ، على عكس ماهو المطلوب – أصلاً – من الحركة القومية الكُردية في الإسراع بإنجاز المطلوب منها على صعيد الحركة الكُردية وبالتالي دفعها كأنموذجٌ وطني جامع ، وحينها سينحصر الهمّازون واللمّازون في مواقعهم المحدّدة تاريخياً لهكذا نماذج .
إنّ الأمر المحيّر والمثير للدهشة ،أنه وحتى اللحظات التي تسبّب أشواط ما قبل النهاية والمتمثّلة في توزيع الحصص من سوريا المفيدة لكلّ الأطراف الخارجية سوى ناسها ! وفي الواقع الكُردي في سوريا ! يصرّ حزب الاتحاد الديمقراطي أن ينفّذ وبحرفيةٌ عالية جداً لعبة الغميضة بشقها الكُردي ، وذلك في الإصرار على استمرارية استيلاد الفرز التقسيمي بنيوياً ، لتتوازى تماماً مع ما أنتجته المعارضات ! العسكرية جميعها في إقطاعاتها ، وكترسيخٍ لمقولة واحدة ( البديل الأسوأ عن النظام ) ؟ .
وبالتالي شعار ( ياريت يرجع النظام ) ، مع يقين المتحكمين في قرارهم بأنّ غالبية الشعب مصرٌّ على الهتاف والمطالبة بإسقاط النظام واستيلاداته البديلة ، وهنا يفترض بنا أن نميّز بين المكلّفين والمساهمين في تلميع تلك البدائل ، والمؤمنين حقاً بالتغيير الحتمي رغم انخراطهم الجدي وتنفيذهم لكامل الأجندات التي تُملى عليهم ، وهنا سأسمح لنفسي وبسؤالٍ مباشر : كم فرصة توفّرت لنا كُردياً وكحركة منظمة نمثلها؟ وكم من مرة أصرّ حزب اﻹتحاد الديمقراطي القفز على المسلّمات الرئيسة والعودة إلى لعبة الأبيض والأسود، ومع الإختلاف هنا معها ايضاً على من هو الأبيض ومن هو الأسود . وهنا ! ولئلّا يمارس علينا أحدهم ويتبعنا بتقية أخرى ، وفي عودةٍ إلى مسلّمات أساسية في الاختلاف مع توجهات حزب الإتحاد الديمقراطي ، لابل ومع مجمل العقدة المركزية الصلدة لمجمل منظومة حزب العمال الكُردستاني، وهنا سأختصر اهم بنود وقواعد اللعبة الممارسة ، وكأنموذجين في الدور الذي يلعبه كلّ من السيدين صالح مسلم وآلدار خليل :
– آلدار خليل وهو – سيستمي – نعرف ذلك ؟ ويلقي الإتهامات شذر مذر ودائماً يحوط ذاته بقداسوية شعبوية يرتهن للحظة وعليه لأنّ مجرد ظهور في أية محطة هي كشارة حكام رياضة كرة القدم ومن النعوت ندرك لون البطاقة المعروفة .
أما صالح مسلم وبعض من صراحة المواقف التي يمرّرها بطريقة رغم براعته فيها ! ولكنه لا يختلف في الجوهر عن زميله سوى بالأسلوب وكمثال في جملة التحولات الساعية وبقضاياهم الاستراتيجية التي مرّرها دون لابل ومرورها تبركاً وكقداسة على مجاميعهم وكأمثلة :
– بتر اللازمة الكُردية وأنّ حزبه لم يعد كُردياً ومن ثم سرعة إعادة الزائدة مواربة وكخدمة مؤكدة للبتر لا الإعادة!
– المصالحة الضمنية وقبولها مع كلّ الأطراف مرهونة مع كلمة سوى أو – ولكن !
– تأكيده بأنّ كلّ تمدداته لم تفده للتعويم السياسي و : كلّ ذلك بسبب تركيا التي – أقرّ – شخصياً بدورها ولكنني أعلم نقاط ارتكاز تركيا الإردوغانية عليها –
– إدراكه بأنّ المسارات التي تذهب إليها سوريا ، وأعني بها الحل السياسي ، ستكون بمنأى عنهم ، وأنّ الغرور وفائض القوة هي ممنوحة وعوامل تفتيتها موجودة، إن لم تغلّف بغطاءٍ سياسي ، وهذه لن تتوفّر لها سوى بغطاء قوة سياسية حقيقية ، هذا الأمر الذي يفرض الإقرار بوجود الآخر الفعلي لا الديكوري ، وبالتالي بداهة التشارك الفعلي والعملياتي ، الأمر الذي يصطدم بالتوجه النافي لأية قوة تشاركية .
– إقراره – صالح مسلم -بأنّ معضلتنا كشعبٍ كُردي في سوريا هو إمكانية توحيد الموقف ورغم كلّ الصعوبات ، فلو تمّت فهي ستنعكس على آفاق التوافق ليس في سوريا بل خارطة العلاقات الكُردستانية أيضاً وان تجاهل طبيعة ونوع التدخلات .
إنّ التوافق الورقي سياسياً والمعلّقة تنفيذاً عملياً كما مجلات الحائط والتركيز على ذات الاتفاقيات السابقة هولير واحد واثنان ومن بعدها دهوك ، تعيد إلى الذاكرة مدى تخوف القوى المعادية لقضية الشعب الكُردي في سوريا ، وستستذكرهم جيداً ما حدث في قامشلو وشقيقاتها من مظاهراتٍ تضامنية وولاءٍ للهيئة الكُردية العليا ، وبكلمةٍ أخيرة سنظلّ نضغط لتشكيل إطار فعلي وحقيقي يمثّل القرار الكُردي و يُتبنّى في الأساس لتحقيق مطالب الشعب الكُردي، لا لملمته والخوض بإسمه إن في بازارات سوريا او الدول المحيطة.