فرحان كلش
في مقربة من الحقيقة دائماً ثقب أسود يمكن أن يضللك في سيرك العفوي بمحاذاتها، السياسة في جلباب الأيديولوجيا خطيئة معاصرة، لأنه ببساطة التوجه الدولي العام يفضل البراغماتية والمرونة السياسية على ما عداها، وتجربة أول تنظيم سياسي كوردي في سوريا 1957 ودخول قياداته إلى السجن والإختلافات التي ظهرت على خلفية قول الحقيقة والمتمثل في مقولة توحيد وتحرير كوردستان وثم الإنشقاقات المتوالية تثبت أن البراغماتية السياسية هي إحدى مفاتيح بقاء تنظيم ما حياً سياسياً، وكذلك تجربة الحركة الشيوعية الكلاسيكية والتي استندت على مقولات غير قابلة للمساس حولت هذه الحركة إلى شبح تنظيمي واقعاً، وهكذا لا يمكنك في السياسية أن تتبنى ألوهية فكرية من خلال بناء أيديولوجي مقدس.
الآپوجية كحركة سياسية تمارس إزواجية مدهشة في تعاطيها الفكري والتنظيمي، فمنذ أن خرجت من رحم اليسار التركي في بداية الثمانينيات خضعت لجملة عمليات جراحية فكرياً، غيرت شعاراتها ورموزها وأهدافها مراراً للتوافق مع ضغط الخارج عليها، ولكنها تمسكت بما يمكن تسميته بثوابت العلاقة مع الدول الغاصبة لكوردستان، علاقتها مع النظام السوري والإيراني والعراقي كتوافق بالعموم، ومعاداة على طول الخط مع الأتراك، والآن وعلى تعدد خطوط التماس بين الطرفين هل تقوم الآپوجية بما يلزم لمواجهة عدوها التاريخي؟؟
إن فتح الجبهات المتعددة مع الأتراك يعني أن تؤمن شروط هذه المواجهات، يعني أن تعزز الجبهة الداخلية، يعني أن تكون تجاربك في الاحتكاك مع الجماهير نموذجية، غير أن الملاحظ أنها لا تدخر خطيئة إلا وترتكبها، ولا من ورقة إلا وتضعها في يد الأتراك ليرفعوها في وجهها متى ما سنحت الفرصة.
إن تمديد الجبهة نحو أراضي إقليم كوردستان خطأ كارثي، خاصة في ظل العجرفة التي تواجه بها الإقليم ذاته، والشريط الناري بين الإدارة الذاتية التي تحكمها الأپوجية وتركيا، كان سيكون بمثابة حبل من مسد في عنق أردوغان لو كانت العقلانية السياسية هي الفصل وليس الإصرار على الإستحكام الأيديولوجي بكل المجالات.
الإعلام أيديولوجي صرف، فيلسوفها في كل مكان بصوره وخطابه كما أيام كان في البقاع اللبناني، نموذج بيروقراطي في التنظيم المجتمعي، الأمر الذي ساهم في أن تغرق الإدارة في الفساد، الكادر الحزبي بديل تنفيذي وتشريعي في كل المؤسسات، أي حكم الفرد الواحد على أنقاض إدعاء إنتخابي مستمر، بدءً من الكومين كأصغر تنظيم مجتمعي إلى الهياكل العليا، إن الحزب هو المؤسسة الحاكمة كأفضل ما يكون (قائد الدولة والمجتمع), والأمر الأكثر إلاماً أن تكون مرناً خارج حاضنتك المجتمعية الكوردية المفترضة، وتكون عنيفاً ورافضاً لكل صيغة للتفاهم مع الحراك الكوردي الآخر إلا وفق معادلته في بقاء الحكم بيده بأساسياته وقراراته المصيرية.
وما يحصل الآن من محاولة مفضوحة من قبل قوى خفية داخل الإدارة الذاتية من خدمة جليلة للأتراك هي أم الكوارث السياسية، ففي اللحظة التي يحاول الجميع إنقاذ ما تبقى من مناطق يحكمونها على حالها على الأقل، تحاول هذه القوى الشيطانية جرّ الحمار التركي إلى حقل كوردستان الغربية بما أوتوا من إثباتات وبراهين بأن حزب العمال المسجل على قائمة الإرهاب الدولي موجود هنا، من خلال مظاهرات بلا معنى آخر لها، ورفع صور السروك الإرهابي وأيضاً وفق القائمة المذكورة، وإعلان بعض قاداته صراحة بوجود كوادر حزب العمال في غرب كوردستان.
والمستغرب أن براغماتية هذا التنظيم تصيبها العطالة في موقعين فقط، حينما يتعلق الأمر بالمرونة في مواجهة السياسة التركية المعادية ضد الكورد، وكذلك تتعطل حين التعاضي مع الأطراف الكوردية سواء في غرب كوردستان أو حتى في جنوبها، وبذلك بتنا نشك في حرص هذا التنظيم على ما أُنجزه الشهداء بدمائهم، وشعبنا بتضحياته وصبره الأيوبي الطويل.