ماجد ع محمد
بالرغم من أن تنظيم داعش هو الأكثر وحشيةً ودمويةً مِن بين كل التنظيمات الإسلامية المتطرفة التي ظهرت في بعض دول الشرق الأوسط، وبالرغم من أن الذين انخرطوا في صفوف ذلك التنظيم لديهم الاستعداد الكامل للفتك بالناس أياً كانوا وأياً كانت انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية وذبحهم كما تُذبح الخرفان، فمع كل ذلك يرى الكثير من أهالي وعوائل الدواعش بأن ليس كل من انتسب إلى تنظيم داعش، أو عمل مع داعش، أو قاتل تحت امرة داعش، أو تعامل مع داعش هو داعشي الفكر والعقيدة والسلوك، إنما البيئة الاجتماعية والمناخ الأمني والسياسي والظروف الاقتصادية والعسكرية بمجملها كانت وراء انضمام العشرات إلى هذا الفصيل الإرهابي ليس حباً به، إنما حسب زعمهم قد يكون السبب في العمل ضمن صفوف التنظيم، هو خوفاً منه، أي من سطوة التنظيم عقب سيطرته وامتداده، أو طمعاً بالحصول على الأمان الشخصي أو العائلي في ظلاله بمناطق نفوذه، أو رغبةً بتحسن الظروف المادية، وبناءً على هذا التصور يتحدثون عن ضرورة إنقاذ المغرر بهم في التنظيم قبل أن تحصدهم طائرات التحالف الدولي.
وإذا كان الأمر كذلك مع منتسبي ذلك التنظيم الدموي فمن الطبيعي إذن أن يفكر أي كردي سوري بضرورة تخليص حاضنة حزب العمال الكردستاني من فِخاخ قادته المتّهمين مِن قِبل المئات من النشطاء الكرد بأنهم يعملون لصالح استخبارات الدول الثلاث، وذلك بعد أن خرجت الدولة الرابعة أي العراق من دائرة تشغيل الحزب واستثماره كالأفرع الأمنية الأخرى، وهذا العمل لن يتم إلاَّ بطريقتين وهما: إما عبر تنظيف الحزب من قادته الذين يعملون لصالح أجهزة مخابرات تلك الدول، أو عبر إعمال الشرخ بين القاعدة والقيادة بهدف إنقاذ البسطاء من فِخاخ قادته الذين يُضحون بخيرة شباب الكرد في معارك هزائمهم فيها محتومة، ولكنهم مع ذلك يستمرون بتقديم القرابين لا لشيء سوى استمرار منظومتهم القائمة على التضحية بالإنسان كرمى دوام الأيديولوجيا، كما كانت الآلهة القديمة تعتاش على تقديم الضحايا في الأعياد والمناسبات وأوان الكوارث الطبيعية.
وإذا كان التغلغل بين صفوف الدواعش في سورية والوصول إلى القيادة المركزية للتخلص من قادتهم إنقاذاً للرعية أمر عسير جداً، فالأمر بنفس العُسر لدى قادة العمال الكردستاني الذي بالأصل لا يسمح لكرد سوريا بالوصول إلى مراكز القيادة، ولا ينظر إلى كرد سوريا إلاَّ كتوابع وأذيال وخزان بشري لغاياتهم المجهولة والتي إلى الآن لم تخدم إلاَّ نرجسية القادة، والأيديولوجيا المتكلسة، إضافةً إلى مرامي الدول التي يدَّعي التنظيم محاربتها؛ ومن جهة ثانية فإذا كان هناك تحالف دولي يحارب تنظيم داعش وهو عزاء أهالي الكثير من المناطق والمدن العربية التي ابتلت بحكم التنظيم، فإن القوى التي تحارب pkk حسب تصور الآلاف من الكرد العاملين بالشأن السياسي لا يمكن التعويل عليها بأي شكل من الأشكال، وذلك باعتبار أنها حسب قولهم تحارب الشعب الكردي بذريعة pkk ويؤكد المئات بأن تجربتا عفرين ورأس العين ماثلتان للعيان، وحيث أنه كان بمقدور تركيا تصفية كل قيادات وكوادر قنديل العاملين فيها من خلال طائراتها المسيرة التي كانت تمشط المنطقة ليل نهار بناءً على المعلومات الكاملة عن أماكن تواجدهم وتحركاتهم، ولكنها لم تفعل ذلك؟! إنما سمحت لهم بالفرار والخروج بسلام من المنطقة والتوجه إلى منطقة أخرى! مَن يدري لعله من أجل استهداف الكرد في مكان آخر بذريعتهم؟ وحيث يقول الكاتب حسين جلبي في هذا الصدد إن: “بعض الحُمق من قادة وكوادر ذلك الاسطبل الايديولوجي ـ يقصد حزب العمال الكردستاني pkk ـ ربما لا يعلمون بأن الحزب مجرد دليل ذليل صغير للأتراك، يتوجه إلى حيث يُطلب منه لخلق ذرائع للإضرار بالكرد وكُردستان”.
وبما أن ما يحدث أمام الأبصار بشكلٍ يومي في المنطقة أصدق وأهم من كل ما يُحكى، كما أن عشرات التقارير المعدة من قبل المنظمات الحقوقية تؤكد بأن الكائن الكردي منذ دخول تركيا إلى عفرين في 2018 هو المستهدف وليس حزب العمال الكردستاني pkk، إذ تم زج المئات من أبناء المنطقة في المعتقلات بذريعة ذلك الحزب، وسُلبت ونُهبت بيوت ومحال ومعامل وعربات الآلاف من أبناء المنطقة بذريعة الحزب، ووُضعت الأيدي على أملاك مئات الأشخاص بذريعة الحزب، بينما دعوا قادة الحزب الفعليين يغادرون المنطقة بسلام، وهو ما يعني حسب تصور كرد عفرين بأن الحرب هي على الكرد وليس على ذلك التنظيم، وبالتالي أن ذلك التنظيم ليس سوى ذريعة دائمة لضرب الكرد في أي مكان يتم إرسال كوادره إليه، لذا فإن الوقائع تشير إلى أن احتمالية أن تُخلّص الدولة التركية كرد سوريا من سيطرة pkk هي صفر، بما أن الأدلة الميدانية حسب الأهالي تقول إن العكس هو الصحيح، وحيث أن الكرد يخسرون كل شيء بعد دخول تركيا إلى مناطقهم بدعوى محاربة pkk ، وهو ما يعني بأن على كرد الجزيرة عدم التفكير بهذا الحل مطلقاً كما قد يفعل العربي مع الأمريكان في موضوع التعامل مع داعش، وذلك باعتبار أن أمريكا ودول التحالف لا يعادون أي مكون من مكونات سوريا، ولا لديهم مشاكل ثنائية معها، ولا يتحسسون من وجود أي مكون، ولا يفكرون بتقليص عدد أي ملة، ولا رغبة لديهم بإحداث أي تغيير ديمغرافي في المناطق التي يستهدفون الدواعش فيها، بينما تركيا فمعظم الكرد السوريين باتوا يرون فيها الخطر الدائم على وجودهم في ظلالها وظلال الأدوات العسكرية التي تستخدمها.
فما هو الحل الناجع إذاً؟ الحل بتصور الكثير ممن يفقهون كنه هكذا تنظيمات هو أن خطاب الرجاء أو السلام أو التودد أو التقرب أو الإخاء أو المنادمة لا ينفع معها البتة، ولا يأتي بأي نتيجة إيجابية، وطالما أنه ليس بخطيئة كبرى عندما تنحي أو تعتقل أو تعمل على إيقاف دورة حياة مجموعة أفراد يشكلون الخطر الدائم على الكل، وبالتالي التخلص من الرّهط من أجل إنقاذ ملة بأكملها، فالاقتراح المطروح هو قبل كل شيء تنشئة مجموعة متطوعة على وجه السرعة، هدفها الرئيس خطف أو اجتثاث قيادات قنديل العاملين في الإدارة الذاتية، أو بالتغلغل داخل الإدارة الذاتية بشكل عام وحزب الاتحاد الديمقراطي على وجه الخصوص، والقيام بحركة انقلابية على المنظومة الأوجلانية وتفكيكها من داخل كل المؤسسات، أي العمل على خلع كل من يتبع قنديل بشكل مباشر، وإبعاده من منصبه أو جعله مجرد مسلح عادي لا سلطة له ولا حاشية ولا أنياب، ومن ثم استلام جميع المواقع من قِبل كرد سوريين يهمهم أرض الواقع، ولا تعنيهم الأهداف الطوباوية لقنديل بشيء، أُناس لديهم أمان وسلام أطفالهم وشبابهم وبناتهم أهم مئة مرة من قادة التنظيم، ومِن أيديولوجيا التنظيم، ومِن الشعارات السمجة له مثل “فك العزلة عن القائد” أو “حرية الزعيم” أو ما شابه من الشعارات والهتافات الدونكيشوتية كـ:”الأمة الديمقراطية “أو “الملة الإيكولوجية” أو “أخوة الشعوب”، فوقتها ممكن للمتبقين من كرد سوريا التخلص وبيسر من سطوة كوادر قنديل من جهة، ومن جهة أخرى التخلص من الخطر التركي المهدِّد لوجودهم والذي يستفيد أيما استفادة من وجود كوادر قنديل في أي بقعة يدوسونها أو يجرجرون عربة أيديولوجيا الزعيم المصطنع على أديمها.