دهام حسن
تعود تجليات المجتمع المدني ، إلى ظهور الرأسمالية، التي تجسدت بداية في ظهور الطبقة البرجوازية في مرحلة صعودها، على أنقاض الإقطاعية الآفلة ، والتي ما عادت بعلاقات الإنتاج القديمة تجاري لغة ذلك العصر، فأفسحت الطريق أمام طبقة جديدة واعدة بالصعود ، متطلعة للمستقبل ، محملة بالآمال… تزامن ذلك مع حضور العقلانية ، والعلمنة ، وانتشار الأفكار الليبرالية ، ومناداة الناس بالديمقراطية، وكانت النتيجة الطبيعية هي في انكفاء الكنيسة وانزوائها داخل مؤسسات دينية…
المجتمع المدني كما هو معلوم ، وليد الدولة الحديثة، تشمل مجموعة من المؤسسات والتنظيمات والفعاليات المختلفة، من اجتماعية ، واقتصادية ، وثقافية، مستقلة بالأساس عن الدولة ..
وسنأتي على مسمياتها ومجالاتها لاحقا؛ كما سنأتي على بعض التداخلات والملابسات عند تشخيص المجتمع المدني، والتطور أو التبدل الذي طرأ على تعريفه عبر انطلاقته من القرن السابع عشر مع هوبز، والتطور اللاحق عند روسو في القرن الثامن عشر وما طرأ من تبدل أو تطور للمفهوم واغتنائه بمفاهيم جديدة، وصور تجليها من مفكر إلى آخر ومن عهد إلى آخر…
إن المجتمع المدني يعد اليوم شكلا من أشكال التضامن بين فئات اجتماعية منسجمة إلى حد ما في رؤيتها وأهدافها ، تربطهم غالبا مصالح فئوية مشتركة ، لا تتعارض مع المصالح العامة لمكونات المجتمع المتمثلة في الدولة، بل ربما يكون نشاط المجتمع المدني مكملا لنشاط الدولة في مجال آخر وليس بديلا عنها ، كما أنها تعمل في إطار قوانين ضابطة وسارية على الجميع ، وتتنوع أنشطتها، وحقول عملها، من النقابات المهنية المختلفة، إلى الحركات النسوية، وجمعيات الحفاظ على البيئة مثلا، الجمعيات الخيرية ، حركات السلام, الصحة , الرياضة ,.إلخ لكن بداية علينا أن نشير إلى بعض الالتباسات والتداخلات في تعريف المجتمع المدني ، في سبيل إيضاح المصطلح منذ انطلاقته…
أولا… وكما يجمع غالبية علماء الاجتماع ، عن تزامن ظهور المجتمع المدني، مع تحقيق النهضة الأوربية، وانتصار الثورات البرجوازية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ فقد كان من بين مهام الثورة التي أطاحت بالنظام القديم، وأرست دعائم لملكية دستورية ، أو جمهورية تنحو منحى ديمقراطيا، كان من بين مهامها إقامة دولة المجتمع المدني ، وما عادت الدولة تستمد شرعيتها من (الحق الإلهي) كما هو سائد ومعمم، بل تستمدها من الشرائع الوضعية التي يضعها بنو البشر لتنظيم حياتهم….
ظل الصراع لفترة قائمة بين دولة الحق الإلهي من جهة وبين دولة المجتمع المدني من جهة أخرى، حيث كانت ما تزال بعض المفاهيم الإقطاعية والكنسية لها مفاعيل في أذهان الناس ، وما شكلت هذه المفاهيم الجديدة من خطر ، بل كانت ضربة قوية لمصالح الإقطاعيين الذين تلفعوا برداء الكنيسة ، وناصروا دعواها في الحق الإلهي للولاية على البشر، لأن الإقطاعية هي السلطة الاقتصادية المهيمنة، وهي بالتالي السلطة السياسية السائدة، وهي التي استغلت قوة الكنيسة الروحية والأدبية، وجيرتها لمصلحتها، لتقصي أي متنافس على السلطة والسيادة..
هذا قبل أن تخسر الإقطاعية كامل قوتها وأفولها النهائي، وركونها عاجزة مع بعض قيمها ومفاهيمها في متحف التاريخ ؛ فتوماس هوبز في القرن السابع عشر , كان تعريفه للمجتمع المدني ، هو المجتمع القائم على إرادة مشتركة ، يتماهى في النظام القائم على هذه الإرادة ، يتماهى الحاكم المتمثل بالسلطة مع المحكوم المتمثل بالشعب أي أن مفهوم المجتمع المدني ليس سوى دولة مدنية تجمع بين الحاكم والمحكوم بإرادة مشتركة ، أي إسقاط دعوى من أن حق الدولة لاهوتي..
ومن المرجح أن توماس هوبز أدين من قبل إحدى الجامعات في عام 1683 بسبب ما استنتج من محاضراته، من أن أصل الدولة ليس لاهوتيا ، بل هو ناجم من مخاضات المجتمع ، أفضت نتيجتها بالتالي إلى إرادة مجتمعية مشتركة……
يرجح أن الدعوة إلى المجتمع المدني انطلقت بداية كرد على دعاوى محتكري السلطة، وحقهم الإلهي بعرش السلطة كما تقول غالبية المصادر….
وبعده دعا جان لوك من أن أصل الدولة تعاقدي اختياري بين بني البشر، وليس من مرجعية لاهوتية ، لهذا جاء جان جاك روسو ليطور في عقده الاجتماعي بإدخال مفاهيم جديدة أصبحت فيما بعد قيما متداولة وشائعة، مثل الدستور ، الأمة ، المساواة ، الحرية ، القوانين، المواطنة..
إلخ وثمة من يقولون ، من أن مفهوم المجتمع المدني ينطلق من العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، حيث أسست دعائم الدولة الحديثة، والمجتمع المدني بالأساس ، وليد الدولة الحديثة..
بل أكثر من ذلك فكان روسو يقول : إن الذي يخضع للقوانين ينبغي أن يكون هو صانعها… لأن العقد الذي يقضي بين فريقين ، أحدهما آمر والآخر مطيع ومنقاد عقد غريب..
والمجتمع المدني هو الفضاء أو المجال للصراع الطبقي بتعبير هيجل ومن بعده ماركس، في حين أن غرامشي كان يرى المجتمع المدني مجالا مقتصرا تنافسه في حقل الأيدولوجيا، لهذا دعا غرامشي القوى التقدمية مواجهة الهيمنة البرجوازية على الاقتصاد ، دعاها بالسعي للهيمنة في المجال الثقافي والتربوي…
لاشك أن فعاليات المجتمع المدني ، في أحد أوجهها النضالية ، تسعى لإلغاء بعض القوانين الجائرة بحق الوطن والمواطنين، وتهذيب بعضها الآخر، وإصدار قوانين جديدة تنسجم مع مقتضيات التطور والتحولات الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها تكون عونا للدولة وتخفف من أعبائها في تصديها أو تحملها لكثير من القضايا بالبحث والمعالجة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها تضعف من هيمنة الدولة وتفردها بإدارة شؤون البلاد ..إن قوة المجتمع المدني تعني من ناحية ما تبعية الدولة للمجتمع ، أي أن الدولة تنبثق من المجتمع ، فماركس كان يرى في مؤسسات المجتمع المدني سبيلا لموجة من الديمقراطية، ودليلا على حيوية المجتمع، وقدراته على إنتاج آليات ديمقراطية، لأن من موجبات المجتمع المدني، التعددية السياسية…
لا يمكن البحث في معاني ومفاهيم المجتمع المدني، انطلاقا من المفاهيم والمعاني المتداولة بشكل واسع اليوم ، فهو كأي مصطلح ، تعرض لتبدلات ، واغتنى بمفاهيم ومعاني جديدة، وجاء تجليها بمظاهر مختلفة تبعا للسياق التاريخي، فهو بالأساس انطلق ـ كما نوهنا قبل قليل ـ انطلق كرد لمزاعم تدعي أن الحاكم يستمد شرعيته من السماء – كما يرى بعض المفكرين – بهذا اقتضت شريعة الرب، وليست القوانين والشرائع هي من قبل العباد ، هذا ما حدا قيصر روسيا إيفان الرهيب أن يقول : من يعارض السلطة إنما يعارض الرب..ثم تطور المفهوم ، واغتنى كما رأينا بمفاهيم جديدة ، أنضجتها ظروف مغايرة، ففي أوربا الشرقية تجلى المجتمع المدني بالتصدي للنظم الكلانية، التي دمغت بالاشتراكية العلمية، في بولونيا على سبيل المثال تجلى بإطار تمرد المجتمع ضد سلطة شمولية، وحكر الحزب الوحيد الحاكم لكل شيء….
يبقى أفضل ترجمة للمجتمع المدني ، هو تحقيق الديمقراطية؛ فالمجتمع المدني عند محمد عابد الجابري، ليس سوى المجتمع الديمقراطي، الذي يؤسس لدولة ديمقراطية، تحكمها الأغلبية عبر ممثليها، وليست العبرة في وجود مؤسسات – رغم أهميتها- فوجود برلمان ، نقابات، لكنها تبقى في كثير من الحالات شكلية غير فاعلة ، ولا تعبر بالضرورة عن أجواء ديمقراطية، لتبعيتها للدولة الشمولية، ولا يتسنم قيادة تلك المؤسسات سوى عناصر انتهازية ، أوتي بها لتعمل تحت وصاية الدولة، هذا في الغالب ؛ لهذا يحق لنا أن نقول : لا وجود لمؤسسات المجتمع المدني ذات فاعلية في غياب الديمقراطية وفي ظل النظم الاستبدادية…
من ناحية أخرى ، إن مؤسسات المجتمع المدني ليست بتلك الحيادية ، كما يشاع ، وكما نوهنا قبل قليل، صحيح أن بعض المؤسسات يقتصر عملها على بعض الخدمات .كالصحة مثلا ، أو ببعض النشاطات كالحركة النسوية ، غير أن هناك قوى مجتمع مدني تتمثل في النقابات …أو الأحزاب السياسية التي هي خارج السلطة ، تلعب دورا قويا معارضا للسلطة، وتدعو لإصلاح النظام، وتطويره، وتتوسل السبل الديمقراطية في نضالها، أو تغييره بنظام آخر، عندما لا يجدي مع الاستبداد الدعوات السياسية الشرعية ، فقد عايشنا زخم مقاومة نقابة حركة التضامن في بولونيا مما أسفر عن سقوط النظام القائم..
وسنأتي على مسمياتها ومجالاتها لاحقا؛ كما سنأتي على بعض التداخلات والملابسات عند تشخيص المجتمع المدني، والتطور أو التبدل الذي طرأ على تعريفه عبر انطلاقته من القرن السابع عشر مع هوبز، والتطور اللاحق عند روسو في القرن الثامن عشر وما طرأ من تبدل أو تطور للمفهوم واغتنائه بمفاهيم جديدة، وصور تجليها من مفكر إلى آخر ومن عهد إلى آخر…
إن المجتمع المدني يعد اليوم شكلا من أشكال التضامن بين فئات اجتماعية منسجمة إلى حد ما في رؤيتها وأهدافها ، تربطهم غالبا مصالح فئوية مشتركة ، لا تتعارض مع المصالح العامة لمكونات المجتمع المتمثلة في الدولة، بل ربما يكون نشاط المجتمع المدني مكملا لنشاط الدولة في مجال آخر وليس بديلا عنها ، كما أنها تعمل في إطار قوانين ضابطة وسارية على الجميع ، وتتنوع أنشطتها، وحقول عملها، من النقابات المهنية المختلفة، إلى الحركات النسوية، وجمعيات الحفاظ على البيئة مثلا، الجمعيات الخيرية ، حركات السلام, الصحة , الرياضة ,.إلخ لكن بداية علينا أن نشير إلى بعض الالتباسات والتداخلات في تعريف المجتمع المدني ، في سبيل إيضاح المصطلح منذ انطلاقته…
أولا… وكما يجمع غالبية علماء الاجتماع ، عن تزامن ظهور المجتمع المدني، مع تحقيق النهضة الأوربية، وانتصار الثورات البرجوازية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ فقد كان من بين مهام الثورة التي أطاحت بالنظام القديم، وأرست دعائم لملكية دستورية ، أو جمهورية تنحو منحى ديمقراطيا، كان من بين مهامها إقامة دولة المجتمع المدني ، وما عادت الدولة تستمد شرعيتها من (الحق الإلهي) كما هو سائد ومعمم، بل تستمدها من الشرائع الوضعية التي يضعها بنو البشر لتنظيم حياتهم….
ظل الصراع لفترة قائمة بين دولة الحق الإلهي من جهة وبين دولة المجتمع المدني من جهة أخرى، حيث كانت ما تزال بعض المفاهيم الإقطاعية والكنسية لها مفاعيل في أذهان الناس ، وما شكلت هذه المفاهيم الجديدة من خطر ، بل كانت ضربة قوية لمصالح الإقطاعيين الذين تلفعوا برداء الكنيسة ، وناصروا دعواها في الحق الإلهي للولاية على البشر، لأن الإقطاعية هي السلطة الاقتصادية المهيمنة، وهي بالتالي السلطة السياسية السائدة، وهي التي استغلت قوة الكنيسة الروحية والأدبية، وجيرتها لمصلحتها، لتقصي أي متنافس على السلطة والسيادة..
هذا قبل أن تخسر الإقطاعية كامل قوتها وأفولها النهائي، وركونها عاجزة مع بعض قيمها ومفاهيمها في متحف التاريخ ؛ فتوماس هوبز في القرن السابع عشر , كان تعريفه للمجتمع المدني ، هو المجتمع القائم على إرادة مشتركة ، يتماهى في النظام القائم على هذه الإرادة ، يتماهى الحاكم المتمثل بالسلطة مع المحكوم المتمثل بالشعب أي أن مفهوم المجتمع المدني ليس سوى دولة مدنية تجمع بين الحاكم والمحكوم بإرادة مشتركة ، أي إسقاط دعوى من أن حق الدولة لاهوتي..
ومن المرجح أن توماس هوبز أدين من قبل إحدى الجامعات في عام 1683 بسبب ما استنتج من محاضراته، من أن أصل الدولة ليس لاهوتيا ، بل هو ناجم من مخاضات المجتمع ، أفضت نتيجتها بالتالي إلى إرادة مجتمعية مشتركة……
يرجح أن الدعوة إلى المجتمع المدني انطلقت بداية كرد على دعاوى محتكري السلطة، وحقهم الإلهي بعرش السلطة كما تقول غالبية المصادر….
وبعده دعا جان لوك من أن أصل الدولة تعاقدي اختياري بين بني البشر، وليس من مرجعية لاهوتية ، لهذا جاء جان جاك روسو ليطور في عقده الاجتماعي بإدخال مفاهيم جديدة أصبحت فيما بعد قيما متداولة وشائعة، مثل الدستور ، الأمة ، المساواة ، الحرية ، القوانين، المواطنة..
إلخ وثمة من يقولون ، من أن مفهوم المجتمع المدني ينطلق من العقد الاجتماعي لجان جاك روسو، حيث أسست دعائم الدولة الحديثة، والمجتمع المدني بالأساس ، وليد الدولة الحديثة..
بل أكثر من ذلك فكان روسو يقول : إن الذي يخضع للقوانين ينبغي أن يكون هو صانعها… لأن العقد الذي يقضي بين فريقين ، أحدهما آمر والآخر مطيع ومنقاد عقد غريب..
والمجتمع المدني هو الفضاء أو المجال للصراع الطبقي بتعبير هيجل ومن بعده ماركس، في حين أن غرامشي كان يرى المجتمع المدني مجالا مقتصرا تنافسه في حقل الأيدولوجيا، لهذا دعا غرامشي القوى التقدمية مواجهة الهيمنة البرجوازية على الاقتصاد ، دعاها بالسعي للهيمنة في المجال الثقافي والتربوي…
لاشك أن فعاليات المجتمع المدني ، في أحد أوجهها النضالية ، تسعى لإلغاء بعض القوانين الجائرة بحق الوطن والمواطنين، وتهذيب بعضها الآخر، وإصدار قوانين جديدة تنسجم مع مقتضيات التطور والتحولات الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها تكون عونا للدولة وتخفف من أعبائها في تصديها أو تحملها لكثير من القضايا بالبحث والمعالجة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنها تضعف من هيمنة الدولة وتفردها بإدارة شؤون البلاد ..إن قوة المجتمع المدني تعني من ناحية ما تبعية الدولة للمجتمع ، أي أن الدولة تنبثق من المجتمع ، فماركس كان يرى في مؤسسات المجتمع المدني سبيلا لموجة من الديمقراطية، ودليلا على حيوية المجتمع، وقدراته على إنتاج آليات ديمقراطية، لأن من موجبات المجتمع المدني، التعددية السياسية…
لا يمكن البحث في معاني ومفاهيم المجتمع المدني، انطلاقا من المفاهيم والمعاني المتداولة بشكل واسع اليوم ، فهو كأي مصطلح ، تعرض لتبدلات ، واغتنى بمفاهيم ومعاني جديدة، وجاء تجليها بمظاهر مختلفة تبعا للسياق التاريخي، فهو بالأساس انطلق ـ كما نوهنا قبل قليل ـ انطلق كرد لمزاعم تدعي أن الحاكم يستمد شرعيته من السماء – كما يرى بعض المفكرين – بهذا اقتضت شريعة الرب، وليست القوانين والشرائع هي من قبل العباد ، هذا ما حدا قيصر روسيا إيفان الرهيب أن يقول : من يعارض السلطة إنما يعارض الرب..ثم تطور المفهوم ، واغتنى كما رأينا بمفاهيم جديدة ، أنضجتها ظروف مغايرة، ففي أوربا الشرقية تجلى المجتمع المدني بالتصدي للنظم الكلانية، التي دمغت بالاشتراكية العلمية، في بولونيا على سبيل المثال تجلى بإطار تمرد المجتمع ضد سلطة شمولية، وحكر الحزب الوحيد الحاكم لكل شيء….
يبقى أفضل ترجمة للمجتمع المدني ، هو تحقيق الديمقراطية؛ فالمجتمع المدني عند محمد عابد الجابري، ليس سوى المجتمع الديمقراطي، الذي يؤسس لدولة ديمقراطية، تحكمها الأغلبية عبر ممثليها، وليست العبرة في وجود مؤسسات – رغم أهميتها- فوجود برلمان ، نقابات، لكنها تبقى في كثير من الحالات شكلية غير فاعلة ، ولا تعبر بالضرورة عن أجواء ديمقراطية، لتبعيتها للدولة الشمولية، ولا يتسنم قيادة تلك المؤسسات سوى عناصر انتهازية ، أوتي بها لتعمل تحت وصاية الدولة، هذا في الغالب ؛ لهذا يحق لنا أن نقول : لا وجود لمؤسسات المجتمع المدني ذات فاعلية في غياب الديمقراطية وفي ظل النظم الاستبدادية…
من ناحية أخرى ، إن مؤسسات المجتمع المدني ليست بتلك الحيادية ، كما يشاع ، وكما نوهنا قبل قليل، صحيح أن بعض المؤسسات يقتصر عملها على بعض الخدمات .كالصحة مثلا ، أو ببعض النشاطات كالحركة النسوية ، غير أن هناك قوى مجتمع مدني تتمثل في النقابات …أو الأحزاب السياسية التي هي خارج السلطة ، تلعب دورا قويا معارضا للسلطة، وتدعو لإصلاح النظام، وتطويره، وتتوسل السبل الديمقراطية في نضالها، أو تغييره بنظام آخر، عندما لا يجدي مع الاستبداد الدعوات السياسية الشرعية ، فقد عايشنا زخم مقاومة نقابة حركة التضامن في بولونيا مما أسفر عن سقوط النظام القائم..
إن الدعوة لإقامة مجتمع مدني, دعوة ضد شمولية السلطة ..ضد تفرد الحاكم, أو استئثار حزب ما وحده بمقاليد الحكم ، دعوة لتعددية سياسية، دعوة لمنافسة ديمقراطية، دعوة في أحد أوجهها للعلمانية لأن المجتمع المدني رهن بالعلمنة ، تتساوى فيه الأديان، لا سيادة ولا امتياز لدين دون آخر، دعوة لإقامة مؤسسات مدنية بنشاط وفعالية ، دعوة لمجتمع مدني مقاوم بتعبير غرامشي، دعوة لسيادة القوانين يمتثل لها الجميع دون استثناء, أخيرا، وليس آخرا….
دعوة لإقامة دولة مدنية تمثل الجميع ، ويتمثل فيها الجميع….
دعوة لإقامة دولة مدنية تمثل الجميع ، ويتمثل فيها الجميع….