غزالة خليل
في البداية أود أن أذكر المعنى الصحيح للـ (پێشمرگە Pêşmerge)، حيث أنّ الكثيرين يظنون أن (پێشمرگە) يعني (الشخص الذي يُقتَل أو يموت قبل الناس الآخرين) أي أنه (فدائي). إسم (پێشمرگە) لا يعني ذلك، بل يعني (الشخص الذي يمنع قتل أو موت الناس ويقوم بإنقاذ حياتهم).
كيف ظهر إسم (پێشمرگە)؟
يذكر المؤرخ الكوردستاني (کریم زَنْد) أنه في زمن جمهورية كوردستان بِرئاسة الشهيد (قاضي محمد)، أمرَ رئيس جمهورية كوردستان تمّ تشكيل لجنة لإيجاد اسمٍ للقوات الكوردستانية لتلك الجمهورية الفتية. كان أعضاء هذه اللجنة تتألف من كلّ من الشاعر (هَژار موكرياني) والشاعر (هێمن موکریانی) و (محمد توفيق وردي) والمؤرخ (کریم زَنْد).
عقدت هذه اللجنة جلسة خاصة وخلالها اختاروا عدداً من الأسماء ليكون أحدها اسماً للقوات في جمهورية كوردستان الفتية. قيّم أعضاء اللجنة الأسماء المختارة وأبدوا آراءهم حولها. بينما كان أعضاء اللجنة في نقاش مستمر حول اختيار أنسب الأسماء، انبرى أحد الرجال الذين كانوا يخدمون هناك وكان إسمه (میرزای ڕَشیدی) وقال للمجتمعين: (سادتي ها قد مرّت ساعة كاملة وأنتم مشغولون بإيجاد اسم مناسب للقوات الكوردستانية، في الوقت الذي نحن لدينا إسم (پێشمرگە) الذي منذ زمن بعيد تمّ استخدامه). عندئذٍ اختار المجتمعون إسم (پێشمرگە) وهم فرِحون وقاموا بِتقديم الاسم الى الرئيس (قاضي محمد) الذي وافق عليه وكان يراه اسماً مناسباً جداً وتمّ إطلاق إسم (پێشمرگە) بشكل رسمي على القوات في جمهورية كوردستان.
شجاعة الكورد
أجمع الكثير من الباحثين والمستشرقين والمؤرخين الذين كتبوا عن الكورد، على وجود خِصال محددة، تُميز شخصية الإنسان الكوردي عن شخصية الآخرين. عوامل تضاريسية وبيئية واجتماعية واقتصادية وسياسية ساهمت بمجموعها في تشكيل الشخصية الكوردية المتميزة. وعورة طبيعة كوردستان الجبلية وقسوة شتائها وثلوجها وبرودتها، والموقع الجغرافي لها الذي يربط قارة آسيا بِقارة أوروپا، وتعرضها الدائم للغزوات، وجمال طبيعة كوردستان وثرائها وعراقة حضارتها، كل هذه العوامل خلقت الشخصية الكوردية التي نراها اليوم. قسوة طبيعة كوردستان وتعرضها للغزوات، أجبرت الانسان الكوردي على التكيّف مع طبيعة كوردستان القاسية، فأكسبته القوة والشجاعة والفروسية وتحمّل المشاق والصبر، ولذلك يتمتع الكوردي بِأجسام قوية، ويتقن فنون القتال ويُبدي البسالة والعنفوان في محاربة الأعداء وينشد الحرية والاستقلال. كما أنّ جمال كوردستان وثرائها جعلت الإنسان الكوردي مُبدِعاً في الشعر والأدب والموسيقى والغناء والرسم والنحت وأنْ يتصف بالكرم والانشراح والبشاشة.
لنستعرض هنا رأي بعض الأجانب الذين زاروا كوردستان وعاشروا الشعب الكوردي وتعلّم قسم منهم اللغة الكوردية، عن شخصية الإنسان الكوردي. يذكر (جلال الدين السيوطي) عن صفات الشعوب ما يلي: إنّ الله جعل الغيرة عشرة أجزاء، فتسعةٌ منها في الكورد، وواحدٌ في سائر الناس”. يقول الباحث الأرمني أبوفيان: (نستطيع أن نُطلِق على الكورد لقبَ فُرسان الشرق بكل ما في الكلمة من مـدلول، فيما لو عاشوا حيـاة أكثر تحضّرًا، ذلك أن الصفات والخصائص المشتركة لهـذا الشعب تتلخّص في استعدادهم الدائم للقتال، واستقامتِهم وأدبِهم وإخلاصِهم المطلَق لأمرائهم، والتزامِهم الدقيـق بِكلامهم، وحُسنِ ضيافتهم، والثأرِ للـدم المَهدور، والعـَداوةِ القَبَلية التي تَنْشَب حتّى بين أقرب الأقرباء، والصبرِ على السلْب وقطْع الطريق، واحترامِهم غير المحدود للنساء). يقول المستر (سون) في مذكراته (عامان في كوردستان) ما يلي: يمتاز الكوردي بإستقامته التي لا تتزعزع و اخلاصه الدائم و احترام الكلمة و بحفاظه على العهد و عطفه النبيل على اقاربه و سلوكه الانساني و معاملة ممتازة للمرأة و احساسه الشاعري و حبه للأدب و الشعر و استعداده للتضحية من اجل عشيرته و اعتزازه العميق بِوطنه و قوميته. كما يقول الباحث الروسي (باسيلي نيكيتين) أنّ هناك إجـماع شبه كامـل في الشرق على أن الكورد لا يُعامِلون أسراهم تلك المعاملة القاسية التي يَلقاها الأسرى لدى التتار والتركمان والبدو العرب. يضيف (باسيلي نيكيتين) قائلاً: يمتاز الكوردي بإستقامته التي لا تتزعزع، وبحِفاظه على العهد الذي يقطعه، وعطفه النبيل على أقاربه، وسلوكِه الإنساني تجاه المرأة، أكثر من المسلمين الآخرين، وإحساسِه الشاعري، وحبِّه للأدب والشعر، ومسارعتِه إلى التضحية من أجل عشيرته، واعتزازِه العميق ببلاده وقوميته. من جهة أخرى تقول (مسز ستوارث إرسْكين) عن الشعب الكوردي ما يلي: (الكورد شعب شجاع، يحبّ الحرية ويَتوق إليها، ولهم تقاليدهم ولغتهم، ولهم الحق في الحرية مثل ما لغيرهم، ولكن كان ينقصهم الاتفاق فيما بينهم … والإنگليز الذين خدموا مع الكورد، وعملوا على تدريبهم في الحرب العامة، كانوا يُجمِعون على الإشادة ببطولتهم وجرأتهم وقوّتهم). جاء في تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة لعُصبة الأمم حول رسم الحدود بين تركيا والعراق سنة (1924 م) ما يلي: (الكورد قوم محاربون أشدّاء، لا يُخفِضون جَناح الذُّل لأحد، متفرّقو الكلمة، لا وحدةَ تجمعهم، ومع ذلك استطاعوا أن يتعايشون بِوئام وحُسن جوار مع الأقوام الأخرى التي تقطن بلادهم). الباحث اللبناني (جُرجي زَيْدان) يصف الكورد بما يلي: (فيهم الشجاعة والنَّجْدة والحَمِيّة، فرسانُهم ورَجّالتُهم، وهم متعصّبون لبعضهم على كل حـال كما يفعله العرب في بعض الأحـوال. كما يذكر الباحث المصري الدكتور (فهمي الشناوي) في كتابه (الأكراد يتامى المسلمين) أنّ المؤلفين الغربيين يسمّون بلاد الكورد ببلاد الشجعان. يقول الباحث السوري (منذر الموصلي) في كتابه (عرب وأكراد): (لو قلنا بأن الأكراد والجبال لا يفترقان، يصحّ القول أيضًا بأن الأكراد والسلاح لا يفترقان … يحبّ الكوردي سلاحه، ويحرص عليه، ويهتمّ به ويُهيم به، فالسلاح قطعة من نفسه، وجزءٌ من هِندامه وشجاعته). يُروى أنّه حدث أن وقع أحد رؤساء عشائر الكورد أسيرًا أثناء حملة (حافظ پاشا) في سنة (1837)، فأخذ أعداؤه يَعرِضون عليه العُروض المُغرية ليكشف لهم عدد ومواقع الثوَّار الكورد، فكان يُجيبهم قائلاً: (إنَّ الزعيم الكوردي لا يقبل إطلاقًا أن يصبح زعيمًا لقومٍ آخرين)، ولم تنفعْ معه جميع أساليب التنكيل والتعذيب لمدَّة يومين، فما كان من الپاشا المجرم إلا أنْ رماه في قِدْر من الزيت المَغلي، فلبِث محافظًا على رَباطة جأشه حتى مات).
أسلاف الكورد، السومريون والإيلاميون والخوريون والميديون وغيرهم حافظوا على وجودهم عبر الأجيال المتعاقبة وخلّفهم الشعب الكوردي، حيث أن شعوباً كثيرة ظهرت وإختفت، إلا أنّ الشعب الكوردي، بِحكمته وشجاعته واصل مسيرته المظفرة رغم غزوات الأعداء وأنفالاتهم ولعِب ال(پێشمرگە) الأبطال، دوراً حاسماً في حماية شعب كوردستان ووطنه وقدّم عشرات الآلاف من القرابين دفاعاً عن كوردستان وفي نضاله من أجل حرية شعبهم وإستقلال بلادهم. إنهم بِحق فُرسان الشرق بلا مُنافس وأنهم أمل تحرير كوردستان. تحية تقدير وإجلال لهم ولتضحياتهم السخية التي قدّموها خلال نضالهم المستميت والطويل في سبيل الحرية والاستقلال وحياة حرة كريمة ومرفهة لشعب كوردستان.