إفراغ الجيب… إفراغ وطن

فرحان كلش
قالها المتظاهرون ولم يسمعها المشرعون، 119 يعني بلا فلسفة أو تحليل، تهجير من تبقى من كوردنا في غرب كوردستان.
لذلك قبل أن يكون القرار اقتصادياً، فهو يحمل في طياته ومقاصده بعد سياسي كارثي، سيفضي بالحتمية والواقعية إلى خلخلة في البنية المجتمعية، كآخر سواتر البقاء الكوردي على أرضه التاريخية.
في الحقيقة كي لا ننحو صوب تبني فكرة المؤامرة، يمكننا وضع جملة حقائق مورست في الواقع، خلقت يقينية عامة، حول كون ما يحدث هو مؤامرة، مدركة، أو مخطط لها مسبقاً، أم تأتي كنتيجة منطقية لمجمل ما تقوم به الإدارة الذاتية.
وربما أولى هذه الممارسات تتجلى في تعويم المشروع السياسي، أي عدم تحديد هويته إلا في إطار عنوان إشكالي بل طوباوي التحقيق، وأقصد به (الأمة الديمقراطية) فهذه الأمة غير مشخصة لغوياً وقومياً وسياسياً، اللهم غير إذا ما قُصد به تحويل الشعوب السورية إلى مرتبة أمة، وكل ذي بصيرة يدرك أن سنوات العيش القسري المشترك حملت من البؤس ما يمكن اعتباره مرتكز شقاق وليس وفاق، والسنوات العشر الأخيرة كانت ترجمة عملية لهذه الرؤية، فلا يمكن (في المنظور القريب على الأقل) تلمس تقارب روحي-عاطفي أو سياسي -مصيري أو مجتمعي- حياتي بين أي مكونَين سوريين، فضلاً عن الجرح الذي يختبئ كل شعب خلفه متهماً الآخر بتسببه.
وصولا إلى غموض المشروع الإقتصادي-الإجتماعي، أي هوية الحالة السياسية القائمة من هذا الجانب، وهذا اللاوضوح ربما كان سبباً رئيساً في التخبط الحاصل.
فضلاً عن أن هناك تحول واضح نحو أدلجة الحياة الإقتصادية، وجعلها خاضعة لمصالح التنظيم السياسي الأوحد، وخلق هالة من التنظيمات الرثة عديمة الجدوى كبرواز ديمقراطي يغطي على قتامة المشهد السياسي عموماً.
بل يمكن القول أن تنظيم pyd ذاته تحول سريعاً إلى غطاء سياسي لقوى الفساد داخله، بل حلل لنفسه ما هو محرم على القوى الثورية عادة.
وأضحى الكادر في الإدارات بمثابة الحاكم الأوحد، الشيء الذي أفضى إلى إلغاء مفهوم المؤسساتية ضمن هيكلية الإدارة رغم الصورة التي تأسست عليها من إنتخابات بدء من كوميناتها إلى أعلى هيئة أخرى فيها.
ومن جانب آخر كان لسلوكها الأيديولوجي أثراً سلبياً في علاقاتها الدبلوماسية، بل وعائقاً فاضحاً في قبولها من المحيط وحتى دعهما من قبل قوى دولية ذات وزن، إذ إنه ليس من الممكن أن ينقسم الناتو كحلف عسكري استراتيجي، وتتحارب أمريكا وتركيا من أجل رؤيتك السياسية القائمة على العداء التام وعلى طول الخط مع الأتراك، وما يدعو للأسف ورغم البراغماتية الواضحة لهذا التنظيم في علاقاته إلا إنه حافظ بشكل شديد على رؤيته الأيديولوجية تجاه تركيا وتجاه الكورد كذلك للأسف، فأحد مسببات اللاتوافق الكوردي-الكوردي هو النظر من هذا المنظار العقيم والمتوارث مع كل كوردي له رؤية مختلفة، خاصة إذا كان يدعي أو يتبنى الرؤية البارازانية في السياسة.
ويمكن أن نقول هنا بأن توجهه نحو الداخل العربي كان  بدافع تعويض اللادعم الذي لقيه في الوسط الكردي نتيجة سلوكه سنوات طويلة والذي أفضى لهذه النتيجة.
وهنا كتحصيل حاصل، كنتيجة، يمكن أن نتوقع اللامتوقع، واللامنطق من هذه الإدارة، لأن سياسة الشخص المدير والحاكم الخفي، دائما ما تكون كارثية، وتجلب الخراب والهزائم، ولو عدنا إلى القرار 119 المدمر، يمكن القول إنه نتيجة لكل ما ذكرناه، ونتائجه ستكون مدمرة لشعبنا الذي دفع خيرة أبناءه كي يعيش بكرامة، لا أن يُذل في طوابير اللاوفرة الوهمية والناتجة عن فساد مستفحل، أو يُهان لأنه لا يملك ما يشتري به رغيف خبز يخرجه لأمواته وشهداءه في ليلة الجمعة، وحتى التراجع الكلي أو الجزئي عنه لن يحل الإشكالات البنيوية في الإدارة، لن يفضي إلى إلغاء رغبة النجاة بالذات، المولودة عند الناس، والتي هي فقط انفجرت أثناء صدور هذا الإجحاف على شكل قرار مرقم، لأنه ليس من المنطق أن يقول مواطن: “لو فتحتم الحدود، سيهرب أغلب الشعب” لمجرد رد فعل على قرار، إن مراجعة مجمل الممارسات الإقتصادية والسياسية والإدارية والخيارات المتعلقة بتقارب الصف الكوردي ضرورة وطنية،لا يجب إهمالها أو تأخيرها تحت أي ظرف أو عذر كان.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…