المُفاوضات الكُردية-الكُردية، العراقيل والحلول

لوند حسين- صحفي

في أيَّ حوار ومُفاوضات بين طرفين مُختلفين، لابُدَّ أن يؤمن الطرفين أنَّهُما على استعداد لتقديم التنازُلات لبعضِهِما البعض، كون الحل الأنجع لتجاوز الخلافات هو الاتفاق، والعمل على استقرار الوضع، الذي سوف ينعكس ايجاباً لصالح الشعب، فالتوتر بين الطرفين الرئيسين تجلُب المآسي للشعب، ويدفع ضريبة ذلكَ من أرواحِ أبنائِهِ، كما أنَّ المُعاناة المعيشية تزداد أكثر نتيجة تلك الصراعات بين الطرفين؛ هذا الصراع الذي ينتقل بين التُجار الموالين لهُما والمُتحكمين بالمواد الغذائية والضرورية للمواطن.
ففي كُردستان (سوريا)، التي يتحكم فيها طرف وحيد موالي لحزب العُمال الكُردستاني؛ حيثُ استلمَ المنطقة نتيجة اتفاق بين النظام السوري وPKK، الذي استقدمَ أكثر من ألفي مُقاتل في بداية عام 2012 من جبال قنديل الوعرة، كما أنَّ هذا الحزب ومن خلال ماكينتِهِ الإعلامية الصفراء، نجحَ في إقناع الرأي العام الكُردي، بأنَّ الصراع الأساسي هو بين كُرد (سوريا) والنظام التُركي، وكأنَّ هذا الجزء الكُردستاني (السوري) لا يقع ضمن الحدود الجُغرافية السورية، وأنَّ ما يتعرض لهُ الشعب الكُردي في هذا الجزء ليسَ بخطط وسياسات لنظام بعث الأسد. باعتقادي هذه الاسطوانة بدأت شيئاً فشيئاً تفقُد صلاحيتها وبريقها، نتيجة مُمارسات وأخطاء، بل وصلت إلى حد الجرائم من قبل كوادر قنديل من كُرد (تُركيا)، ما أدى بكوادر ومسؤولي PYD من كُرد (سوريا) إلى إعادة النظر في آراءِهُم ومواقفِهُم في السياسات والتعليمات التي يتلقونها من قنديل؛ كذلك تدخل الأمريكان على خط مُحاولة قطع علاقة الإدارة الذاتية بقيادة حزب العُمال الكُردستاني في قنديل؛ هذه العوامل أصبحت الدافع الرئيس لولادة قادة كُرد (سوريون بالمعنى السياسي للكلمة)، يعملونَ لأجل البحث عن حلول ما بين الطرفين الرئيسيين الكُرديين، إدارة PYD وأحزاب المجلس الوطنيُ الكُردي ENKS، لتبدأ المفاوضات بُمبادرة أطلقها القائد العسكري مظلوم عبدي في 4حزيران من العام الماضي وبرعاية أمريكية.
اما الطرف الآخر المُفاوض، نجح في إقناع جماهيرِهِ منذ 2012 بأنَّهُ لمُستقبل لبقاء تحكُم حزب العُمال الكُردستاني بكُردستان (سوريا)، وأنَّها مُجرد أيام وشهور، سوفَ يُسقط الأسد وكُل مواليهِ ومن بينهُم إدارة PKK-PYD، لذلك بدأت قيادة ENKS بالعمل على المحور التُركي الإقليمي بالانضمام إلى المجلس الوطني السوري (الائتلاف لاحقاً) وفقَ مُذكرة تفاهُم بين الطرفين، أقرت في النقُطة الرئيسية العمل على تأسيس دولة فدرالية تقُر بحقوق الكُل، وتعتبر الكُرد الشعب الذي تعرض لظُلم النظام والحرمان أكثر من كُل الشعب السوري، من عمليات تعريب والاستيلاء على الأرض وبناء المستوطنات العربية؛ إلا أنَّ هذه المُذكرة لليوم لم تُدرج ولم تُقر في وثائق الائتلاف السوري-التُركي، خشية من تكرار تجرُبة كُردستان (العراق) في كُردستان (سوريا)، وهذا ما اكدَهُ مُعظم قيادات الائتلاف العربية، ليبدؤوا بوأد أيَّ مُحاولة في إنشاء كيان فيدرالي، وبالاتفاق مع تُركيا بدأت عمليات احتلال المناطق الكُردستانية (السورية) بدءاً من عفرين؛ وهذا الاحتلال وبإبعاد الحليف ENKS، من إدارة المناطق الكُردستانية التي احتلتها ميليشيات الائتلاف تحت مُسمى (الجيش الوطني السوري)ن تولدت لدى جماهير المجلس الوطني الكُردي حقائق، أنَّ هذا الائتلاف لا يختلف عن النظام السورين ولم يبقى خياراً آخر سوى الضغط على قيادة ENKS بالحوار والاتفاق مع الإدارة الذاتية؛ إلا أنَّ عدد من قيادات المجلس الوطني والمُستفيدين من بقاء الخلاف والتوتر، ضغطوا باتجاه عدم نجاح هذه المُفاوضات، كما غنَّوا ورددوا اسطوانة: (أنَّ هذه الإدارة لن نستطيع قطع العلاقة مع قنديل، وكُل من يحاول سوف يتم اغتياله)، اعتماداً على ما مارستُهُ قيادات قنديل في أجزاء كُردستان الثلاث؛ ولكن الحقائق والواقع تنفي ادعاءات تيار أنكسي، التابع لِتُركيا.
ومع تزايُد أوضاع الشعب الكُردي في هذا الجزء إلى أكثر مأساة وصعوبة وفقدان مواد المعيشة الرئيسية، وكذلك ولادة تيارات مُخلصة في الطرفين الكُرديين، هاجسها الحفاظ على ما تبقى من مناطق كُردستان (سوريا) من خطر الاحتلال التُركي وسيطرة الميليشيات الإسلامية الراديكالية والتابعة للائتلاف؛ حيثُ وثقت لجان حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية ومن بينها لجنة التحقيق الدولية المُختصة بالشأن السوري، انتهاكات فظيعة بحق المواطنين في المناطق الكُردستانية المُحتلة (عفرين، گري سپي وسري كانيه)، لم يتعرضوا لها مُطلقاً أيام الإدارة الذاتية وحكم النظام، كما أنَّها تُعتبر حالياً من اخطر المناطق السورية. كُل هذا أدى بتحرُك الخيرين من جماهير انكسي وبعض قياداتِها، بانَّ الحل النسب لتجاوز هذه الأوضاع هو الدفع بالعملية التفاوضية وإنجاحها، ولليوم وبالرغم من تصريحات مُستفزة من قبل بعض قيادات PYD بعدم الجدوى من الاتفاق مع أنكسي، إلا أنَّ قيادة انكسي في تصريحاتِهُم وبياناتِهُم لا زالوا مُصرين على ضرورة الاتفاق الكُرديُ-الكُردي، رغم تعرُضِهُم لضغوطات تيار الائتلاف بالمجلس الوطني الكُردي.
أعتقد على جماهير والقيادات الخيَّرة من الإدارة الذاتية والمجلس الوطنيُ الكُردي، العمل على تغيير اعضاء لجنة التفاوض وتسليم الوثائق للجنة الجديدة ومع مُشاركة عدد من الأكاديميين الكُرد في تلك المُفاوضات، لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين   في السنوات الأخيرة، يتصاعد خطاب في أوساط بعض المثقفين والنشطاء الكرد في سوريا يدعو إلى تجاوز الأحزاب الكردية التقليدية، بل والمطالبة بإنهاء دورها نهائياً، وفسح المجال لمنظمات المجتمع المدني لإدارة المجتمع وتمثيله. قد تبدو هذه الدعوات جذابة في ظاهرها، خاصة في ظل التراجع الواضح في أداء معظم الأحزاب، والانقسامات التي أنهكت الحركة الكردية، لكنها في عمقها…

عدنان بدرالدين   بينما تتجه الأنظار اليوم نحو أنطاليا لمتابعة مجريات المنتدى الدبلوماسي السنوي الذي تنظمه تركيا، حيث يجتمع قادة دول ووزراء خارجية وخبراء وأكاديميون تحت شعار ” التمسك بالدبلوماسية في عالم منقسم”، يتبادر إلى الذهن تساؤل أساسي: ما الذي تسعى إليه أنقرة من تنظيم هذا اللقاء، وهي ذاتها طرف فاعل في العديد من التوترات الإقليمية والصراعات الجيوسياسية، خصوصًا…

جليل إبراهيم المندلاوي   في عالمنا المليء بالتحديات الجيوسياسية والأزمات التي تتسارع كالأمواج، هناك قضية كبرى قد تكون أكثر إلهاما من مسرحية هزلية، وهي “ضياع السيادة”، حيث يمكن تلخيص الأخبار اليومية لهذا العالم بجملة واحدة “حدث ما لم نتوقعه، ولكنه تكرّر”، ليقف مفهوم السيادة كضحية مدهوشة في مسرح جريمة لا أحد يريد التحقيق فيه، فهل نحن أمام قضية سياسية؟ أم…

أمجد عثمان   التقيت بالعديد من أبناء الطائفة العلوية خلال عملي السياسي، فعرفتهم عن قرب، اتفقت معهم كما اختلفت، وكان ما يجمع بينهم قناعة راسخة بوحدة سوريا، وحدة لا تقبل الفدرلة، في خيالهم السياسي، فكانت الفدرالية تبدو لبعضهم فكرة دخيلة، واللامركزية خيانة خفية، كان إيمانهم العميق بمركزية الدولة وتماهيها مع السيادة، وفاءً لما نتصوره وطنًا متماسكًا، مكتمل السيادة، لا يقبل…