الحدث الفلسطيني وملائكية الكوردي..

فرحان كلش

كان الكوردي ومازال ميّالاً بحكم مظلوميته إلى قضايا الشعوب الأخرى، وعلى وجه الخصوص القضية الفلسطينية، وقدم قسطه من التضحية في سبيلها، ودافع عنها وفق ما هو متاح له، ففي الميدان السياسي كانت الأحزاب الكوردية تتبنى هذه القضية كأولوية، وخلقت جواً اجتماعياً داعماً لها في الوسط الكوردي، ويمكن الجزم بأنك لن تجد حزباً أو تنظيماً مهتماً بالشأن السياسي أو الحقوقي دون أن يدلي بموقف مساند للشعب الفلسطيني.
فضلاً عن انخراط فصائل كوردية ضمن مشروع المقاومة الفلسطينية، بل وقدمت الشهداء جراء موقفها هذا، وحتى أن المشاركة في العمل الفدائي الفلسطيني كانت بمثابة رعبون دعم يقدمه الكثير من الشباب الكورد قبل الذهاب في منح دراسية إلى الخارج وقتها، وهناك العشرات ممن أصيب منهم وأضحى معاقاً جراء هذا النشاط الداعم للقضية الفلسطينية.
لا يمنن الكوردي أحداً حينما يتعاطف مع قضية شعب ما، لأن ذلك نابع من تموضعه الموضوعي ضمن جبهة المظلومين تاريخياً، لا بل يشهد الأدب الكوردي مئات القصائد الممجدة لقضايا الآخرين العادلة من المنظور الكوردي، من أمريكا اللاتينينية مروراً بآسيا وأفريقيا، حتى بات الكوردي في لحظة ما حافظاً لتاريخ مجمل ثورات التحرر وقاداتها في العالم، وحوّل نفسه إلى مدافع عنيد عن قضايا التحرر الوطني بدءّ من الخمسينات والستينات وإلى الآن.
ولكن كيف كان رد الآخرين على موقف الكوردي هذا؟ وكيف تعامل الآخرون مع القضية الكوردية؟
عشرات التصريحات المسيئة إلى الكورد ظهرت في عز أزمة الكوردي، فمثلاً حينما كان يدعم الجزائر في سينما عامودا، كافأهم بومديدنهم بتآمر مقيت مع الآخرين على الثورة الكوردية في العراق، وحينما كان الكوردي يبدي دعمه اللامتناهي للفلسطينيين كان زعيمهم الأكبر ياسر عرفات يؤيد الجزار صدام حسين في قصفه الوحشي لمدينة حلبجة الكوردية، ويبرر له في صيغة تهكم مريره، وتساءل في تبريره، وهل مطلوب منه توزيع الورود عليهم، في فظاعة أخلاقية، متناسياً أن الراحل الكبير مصطفى البارزاني أوقف إطلاق النار ليفسح المجال للجيش العراقي للمشاركة في حرب إكتوبر بين العرب وإسرائيل، وهكذا كان الكوردي يُكافئ على تعاطفه مع الآخرين، انطلاقاً من إنسانيته أولاً وحرصه على أن يبرز وجهه الحضاري في هذه المنطقة المليئة بالأفاعي التي تلدغه مراراً وفي كل مناسبة ومنعطف.
وهنا لماذا يكون مطلوباً من الكوردي أن يكون ملاكاً ومضحياً، وليس مطلوباً من الآخرين سوى تلقي التعاطف الكوردي، بغض النظر عن رؤيتهم وموقفهم من قضيته، ولماذا لا يكون الموقف بالموقف، والتعاطف بالتعاطف، لماذا لا يكون الكوردي ولو لمرة واحدة طالباً لموقف مؤيد لقضيته، وليس داعم (مجاني) لقضايا الآخرين؟
وهكذا يمرّ الحدث الحالي بين الفلسطينيين والإسرائليين على الكوردي ليذكره بمجل تأيداته غير المشروطة للفلسطينيين، وكذلك بمجل خيبات أمله من المثقفين الفلسطينيين بالمجمل وكذلك جلً فصائله السياسية التي أبدت تأييدها لكل من قتل الكوردي ودمر مدنه واستوطن أرضه كالمجرم صدام والقاتل أردوغان.
حقيقة لو أمعنا قليلاً في موقف الكثير من الكتبة الكورد غير المتحمس كالسابق في دعمه للفلسطيني قد نجد له ألف عذر، ولو أدخلنا العاطفة جيداً في المعادلة لإتخذناه كموقف ذاهب إلى التعميم إلى حد بعيد كوردياً، لأنه ببساطة هو الموقف الشعبوي المتكون إثر الكثير من التجارب التي أظهرت ما يمكن ربما تسميته بالعداوة الفلسطينية للقضية الكوردية، على الأقل بالمواقف الرسمية، ولم تكن تبرعات عرب 48 للمستوطنين في قرية شاديرة الكوردية في منطقة عفرين المحتلة مؤخراً إلا مؤشر محزن حقاً لما ذهبنا إليه.
ومن الهام الإشارة إلى أن عدداً هاماً من  الكتاب والمثقفين الكورد يتحاملون على الواقع المرير ويذهبون في التأييد الصريح للفلسطينيين، دون أن يعيروا ما يخرج من تصريحات ناكرة ومسيئة للحق الكوردي من قامات سياسية فلسطينية بالاً.
ورغم أنه لا يوجد للحظة موقف سياسي رسمي كوردي معادي للفلسطيني ولكن التراكمات السلبية للمواقف المخجلة التي تظهر من قادة فلسطينيين تجاه الكورد كما أشرنا، ربما ستدفع بالأخير إلى ما يمكن أن نسميه حقه في اتخاذ موقف مدافع عن ذاته، فليس من المنطق في شيء أن تطبطب على ظهر من يبدي لك العداوة تكراراً، وإذا كنت لا أُحمّل الفلسطيني البسيط جريرة مواقف ساسته والمعبرين عن رأيه، لكنني أذهب إلى ما يمكن تحسسه سياسياً، من قطيعة عاطفية وثم سياسية تباعاً بين الجانبين.
إن موجة الشعور بالغبن تجتاح العقل الكوردي وقلبه، وتدفعه إلى البحث عمن يبادله المواساة، ومن حقه أن لا يقبل البكاء على الآخرين، في حين يقيم هؤلاء الآخرون الأعراس والهلاهيل على جسده حينما يُقتل دفاعاً عن وجوده.
النكزة بالنكزة والدمعة بالدمعة، إنها الحياة،ولا يمكن التخلي عنها حتى في السياسة، وإلا لربما سجلك التاريخ في إحدى صفحاته كغبي، وراكض وراء وهم حق الآخرين في الأخذ منك ما يريد وعدم منحك ولو تصفيقة صغيرة على استحياء وأنت يُقسى عليك وتتكسر أضلاعك تحت ثقل الفاجعة الأخلاقية التي يعيشها الكوردي ممن اعتبرهم مثله في خط الخلاص والتحرر.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…