فرهاد شيخو
يمكننا الآن أن ندرك وبعد دخولنا للعام الحادي عشر من عمر الأزمة السورية ( الثورة السورية)، عمق هذا الشعار وتجلّياته و المنهجية العقلية البعثية وايديولوجيتها وحكم آل البيت( الأسد ) المبني على ركائز ودعائم لم يكن للعقل السوري أن يتصوّر قوتها.. حيث لم يأتِ هذا الشعار ( الأسد أو نحرق البلد ) من فراغٍ، ولم يُروّج على أنه مجرد بضاعةٍ بالية وفقط لدعايةٍ وقتية، وإنما ظهر بعلمٍ ودراية متمكّنة للغاية من دوائر المخابرات السورية وفلاسفة النظام، والتي تنمّ عن مدى تصبّغ مردّدي هذا الشعار بعقليةٍ عفِنة تخرّجت من مدرسةٍ سلطوية مستبدّةٍ ، ومورس هذا الشعار بشكلٍ ممنهجٍ من قٍبل أجهزة هذا النظام المخابراتي الشوفيني المترضّع أصلاً على العنف والقوة وسفك الدماء ، ولم يبدِ أيّ مرونةٍ بالقبول ، ولو في أدنى درجاتها مع مطالب الشعب في إجراء بعض الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية أو حتى الاجتماعية منها على أقلّ تقدير ، و بالعكس لم ينكف ويتردّد ولو بلحظةٍ واحدة عن استخدام الرصاص الحيّ والبراميل المتفجّرة والصواريخ العابرة والأسلحة المحرّمة دولياً ضدّ المدنيين العُزل..
عمّت أرجاء المحافظات السورية في آذار/مارس 2011 مظاهرات سلمية منادية للكرامة والحرية، بعد اجتياح موجة الغضب الشعبية في العالم العربي لتغيير الأنظمة الاستبدادية، ومنه النظام السوري، حيث كانت لانتفاضة 12 آذار 2004 الكُردية الأثر البالغ في تحسين شجاعة المواطن السوري ، حيث تُعتبر تلك الانتفاضة بمثابة الشرارة الأولى لكسر حاجز الخوف أمام جبروت نظامٍ دكتاتوري بامتياز .
ولكنّ النظام وبحكم معرفته في إدارة الأزمات وقبضته الحديدية لمفاصل الدولة كالجيش والأجهزة الأمنية وأبعاده الثلاثية / المذهبي والإقليمي والدولي / استطاع النيل من حدة المظاهرات السلمية في كلّ أرجاء سوريا وتوصيفها بأحداث شغب وأجندات خارجية، ليتسنّى له قمعها بشكلٍ مباشر وهكذا بدأت مرحلة جديدة من الصراع المسلّح اتّسمت بصراعٍ مذهبي بغيض ، لتصبح الجغرافيا السورية تربةً خصبة لمجاميع وفصائل مسلّحة ، منها إرهابية كالقاعدة وداعش وجبهة النصرة
|كما مكّن هذا الوضع السوري المزري من دخول قواتٍ إقليمية ودولية و تمكّنت هذه القوى من تحويل سوريا إلى مناطق نفوذٍ لها حيث يصعب الوصول فيما بينها راهناً الى توافقاتٍ لينهي هذا الصراع المزمن . ولكن و بهذا الخصوص لا بدَّ من الإحاطة قليلاً بالمعارضة السورية الحاملة لمشروع التغيير في سوريا ، فما بدا واضحاً وخاصةً بعد إعلان تأسيس المجلس الوطني السوري ؛ وفي كلمة رئيسها الأول برهان غليون بأنّ المعارضة سوف تطالب ( بالجولان من اسرائيل وإرجاعها للدولة السورية ) حيث يمكن توصيف هذا المشروع المرافق لمشروع تغيير النظام السوري بطلقة الرحمة له ، والغرق للمعارضة السورية، ومن حينها بدأ المجتمع الدولي وخاصةً الدول العظمى منه بفكّ بوادر الثقة رويداً رويداً بالمعارضة، وبدأت جولات إسرائيل المكوكية، و أمّنت بالفعل أمن إسرائيل وخاصةً لدى الجانب الروسي الحليف المباشر للنظام، واعتبروها الأولوية فوق كلّ الاعتبارات ،رغم ما يتعرّض له الشعب السوري ، و ما يتحمّله من الآلام والجرائم والاعتقالات والإرهاب تحت سطوة هذا النظام الذي بقي لسنواتٍ يحمي أمن إسرائيل ولم يطلق رصاصةً واحدة صوبها.
ومن جهةٍ آخرى يمكن القول أيضاً: بأنه لم يكن الشعب السوري والمعارضة السورية يدرك القوة الحقيقية التي يتمتّع بها النظام من الأصدقاء والحلفاء والمليشيات التي ستقف إلى جانبه ” روسيا والصين وإيران وحزب الله” ، وكيف أنه يدرك جيداً كيفية خلط الأوراق ببعضها البعض وانتهت الحالة بما آلت إليه من سقوط.ٍ للمعارضة المسلّحة وتحويلهم إلى مرتزقةٍ تُدار من قِبل عدة دول إقليمية ،حيث وجّهوا فوهات بنادقهم للشعب السوري ، وخاصةً الشعب الكُردي وهذا ما كان يتمنّاه النظام فعلاً ، عوضاً من توجيهها لصدره ومن قلب العاصمة دمشق، حيث أثبتت الوقائع بأنّ الشعب السوري كان ومازال وقود وذخيرة هذه الحرب المسعورة التي يتحمّلها هذا النظام الدكتاتوري بكلّ معنى الكلمة.
هذه المرحلة الطويلة من المعاناة أدركها الشعب السوري بكلّ وضوحٍ، و يقدّم لأجلها يومياً فواتير من القتلى والمهجّرين والفقر والجوع والشرط الوحيد الذي بإمكانه الحدّ من معاناة السوريين الحالية هو الإرادة الدولية الجادة في تفعيل القرار الدولي 2254 الذي ينصّ على تشكيل هيئة حكمٍ انتقالي وإجراء انتخاباتٍ حرّة نزيهة تحت إشرافٍ ورعايةٍ دولية مع تأمين دستورٍ عصري يؤمّن حقوق جميع مكونات سوريا ، واستئصال ومحاكمة النظام ورموزه على جرائمهم ، وإلاّ سيبقى هذا النظام كالأخطبوط وبالفعل سيحرق البلد إلى آخر قشّةٍ فيه.