السيناريو المفقود وأطراف الحل في سوريا

جوان يوسف*
على الرغم من مرور عقد من الزمن على الأزمة السورية فإن أطراف الحل الحقيقين ما زلوا مجهوليّ الهوية، تعددت المسارات وتغيرت الأطراف وتجددت التحالفات؛ ولكن حتى الآن لا يبدو واضحا من هي أطراف الحل السياسي، أهي مجموعة سوتشي وآستانة، أم أطراف المعارضة والنظام، أم مسار جنيف، أم الأمريكان؟  الكل له دور وشأن مهم في مسار الحل السوري، ولكن لا أحد يستطيع التكهن حتى الآن من الذي يسعى إلى حل جدي يرضي الأطراف، ومن يريد أن يستمرَّ الوضع على ما هو عليه، في حالة اللَّا حل بالرغم من أن الجميع اتفقوا وتوافقوا منذ زمن أن الحل في سوريا هو حل سياسي.
إذن، يمكن القول: إن هناك ثلاث أطراف رئيسة تتحكم بالمشهد السوري، الأول يريد إطالة أمد الحرب في سوريا إلى أن تتحقق مصالحه، تلك الموزعة بين مصالح اقتصادية وجيوسياسية، والثاني جعل من سوريا ملعبا لتصفية الحسابات مع خصومه، ولا ننسى ذاك الطرف الذي يدير الأزمة لأهداف استراتيجية موجودة على جدول أعماله لكنها لم تنضج وماتزال بعيدة المنال. 
أي يكن، فإن النهاية مازالت بعيدة وظروف الحرب ماتزال مرجحة -وإن كانت أقل عنفا- على شروط الحل السياسي الذي يبدو حتى الآن ترفا يوميا لجميع الأطراف، بالطبع باستثناء المواطن السوري صاحب المصلحة، وهذا الاستنتاج ليس اختراعا ولا إبداعا من وحي الخيال، وإنما من واقع وجود مصالح لأطراف متعددة ومتداخلة في الأزمة السورية، لم تحقق أي منها أهدافها حتى الآن، بل إن مصالحها حتى هذه اللحظة محل تكهنات، باستثناء أطراف الصراع الأساسية، على الأقل شكلا، المعارضة والنظام الذي يبدو واضحا أن المسألة بينهما مسألة وجود وبالتالي لا تدخل في سياق الحل السياسي .
في ظل هذه التعقيدات، سؤال الحل يستتبع جملة من التساؤلات، هل سيستمر الوضع في سوريا إلى مالانهاية في حالة اللا حل! غالبا لا، لكن التاريخ يخبرنا أيضا أن الحروب الأهلية استمرّت لعقود طويلة ومنها الحرب الأهلية في السودان التي استمرت خمسين عاما قبل أن تنتهي باستقلال جنوب السودان عام 2011، صحيح أن أمر السودان مختلف قليلا عن سوريا لكنها تحمل التركة نفسها، صراعات طائفية وقومية وإقليمية وسلطوية هي ذاتها التي حكمت الحرب الأهلية في السودان لنصف قرن.
بالعودة إلى السؤال الرئيسي المطروح حول الحلول الاستراتيجية بعد فشل العملية السياسية والقفز على القرارات الدولية، فإن المتابع لا يحتاج إلى الكثير من الذكاء والحصافة ليقول: إن حوامل جنيف وسوتشي وآستانة لا تحمل أي مقومات للحل السياسي في سوريا، لأن أي حل سياسي أو حتى تسوية يجب أن تتمثل فيها مصالح الأطراف كلّها ، وتكون الأطراف الفاعلة مشاركة في هندستها وإلا يصبح الأمر عبثا أو في أحسن الأحوال سوف يؤدي إلى تجديد الصراع بتحالفات وقوى جديدة، والكل يعلم أن الحوامل السابقة ينقصها أهم ثالث مكون عسكري وسياسي في سوريا وهي الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية  .
في مشهد الصراع:
لا شك بأن روسيا لن ترضى بالبعد الإسلامي  للنظام القادم، ولن تقبل بنظام لا يضمن مصالحها وخاصة فيما يتعلق بحمولة الحرب التي تحملتها ، وأن تركيا لن تقبل بنفوذ كردي -حتى ولو على شكل لامركزية إدارية- ضمن مناطق تواجدها ، وإيران لن تقبل بنظام يقطع خطوط إمدادها مع حزب الله أو يقطع عليها طريق ثورتها الشيعية  ، والسعودية لن تقبل بنظام موالي لتركيا فهي تخشى من تضخم وزن تركيا على حساب مركزها ومرجعيتها في قيادة السنة ، والسُّنة لن يقبلوا بنظام يقوده العلوية (على حد تعبيرهم) والنظام (العلوية) لن يقبل بالتخلي عن الحقوق المكتسبة خلال نصف قرن ، وتركيا الأكثر فاعلية بالملف السوري لن تتخلى عن حلمها بإعادة ولاية حلب إلى جغرافيتها أو على الأقل بنظام يكون خارج عباءتها الأيديولوجية والسياسية، و هو الأخطر من ضمن كل المشاريع السابقة .
تبقى أمريكا التي أعلنت مرارا أن جهودها تتركز على أمرين ، مواجهة النفوذ الإيراني وتعطيل ممرّها البري الذي يربط بين إيران ولبنان، والثاني منع عودة ظهور التنظيمات المتطرفة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة، وأعتقد أن ذلك ما هو معلن من الاستراتيجية الأمريكية، أما ما هو مستتر وغير معلن فإنها تريد لها قاعدة ثابتة في سوريا والعراق اللتين كانتا حتى وقت قريب مناطق نفوذ روسية وأهم مستوردي السلاح منها، وأهم خصمين استراتيجيين من حيث الإمكانات البشرية والجغرافية لإسرائيل، لذلك لن تسمح لروسيا باستعادة موقعها مجددا. 
أمام كل هذه التناقضات يبدو أن الخيار الأفضل وبشكل خاص للولايات المتحدة الامريكية وعلى المدى المنظور، أن يبقى الوضع معلقا، إلى أن يستوي الجميع وبشكل خاص تركيا، عندها يصبح الحل مستندا إلى قرار مجلس الأمن 2254، بوجود كل أطراف الصراع الداخلية، مع تعديلات تسمح بوجود ثلاثة أقاليم مع شرعنه أممية للوجود الروسي والتركي والأمريكي كل في منطقة نفوذه الحالية.
*كاتب وناشط في مجال حقوق الانسان

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…