زاكروس عثمان
اعتُبر فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الامريكية تحولا بارزا سوف يؤثر في قضايا دولية عدة، إلى حد دفع بالعواصم المعنية إلى الاستجابة السريعة لهذا التبدل بتعديل مواقفها من بعض القضايا، فهل لمس احدنا سرعة استجابة الحركة الكوردية لهذا التحول الايجابي الذي حصل في واشنطن لصالح الكورد، ام علينا ان نسأل اولا هل يوجد مصطلح سرعة الاستجابة في قاموس الحركة الكوردية، وهل تحتاج إلى دراسات مستقبلية لوضع خطط بديلة تكون جاهزة لمواجهة المتغيرات الدولية، والسؤال الاهم هل الاستجابة السريعة تحقق فوائد للمسألة الكوردية.
تخصص مختلف الدول مؤسسات ومراكز ابحاث لمراقبة سياسة الدول الاخرى والسياسة الدولية ودراسة التبدلات التي تطرأ عليها، بغية اعداد خطط بديلة تساعد الحكومات على الاستجابة السريعة لتبدلات تحدث هنا وهناك تؤثر على مصالح دولها، والمفروض ان تكون للكورد مراكز بحثية تقدم مقترحات إلى السلطات والاحزاب الكوردية لتعديل او تغيير تعاطيها مع القوى والاطراف الاخرى، حيث يشهد العالم متغيرات متسارعة تدفع الحكومات والتنظيمات السياسية إلى إعادة النظر في مواقفها من القضايا المحورية التي تمسها والنظر في امكانية تعديل سياستها من هذه المسألة او تلك، وكلما كانت استجابة الطرف المعني سريعة لتبدل ما، كلما كان ذلك في صالحه، كونه ليس الطرف الوحيد الذي يلعب لجني المكاسب من التبدل الجديد بل هناك منافسون في الساحة يريدون ان تكون هذه المكاسب لهم.
وكما هو معروف فان المسألة الكوردستانية عبارة عن أزمة كبيرة هي وليدة علاقات شديدة التعقيد يغلب عليها طابع الصراع السياسي والعسكري بين اطراف كثيرة، الدول المحتلة لكوردستان تركيا ايران العراق وسوريا، الولايات المتحدة الامريكية الاتحاد الاوروبي والاتحاد الروسي، إضافة إلى دول عربية واسلامية، وتقف الحركة الكوردستانية ـ الغير موحدةـ إزاء كل هذه الاطراف، وهذا يبين مدى حاجة المسؤولين الكورد إلى مراكز ابحاث تعد دراسات ومشاريع تساعدهم على التعاطي مع الاطراف سالفة الذكر وتجهز لهم خطط بديلة (الاستجابة السريعة) في حال حدوث تحولات محلية اقليمية او دولية تمس المسألة الكوردستانية.
ما يشاهد هو ان الاستجابة السريعة بل فائقة السرعة تأتي من أنقرة، إذ بعد سنين من التوتر في العلاقات بين تركيا و دول غربية واقليمية بادرت حكومة اردوغان إلى ايصال رسائل إلى حكومات هذه الدول لتخفيف التصعيد وإعادة العلاقات معها إلى وضعها الطبيعي، ولم تأتي هذه المبادرة نتيجة تبدل في سياسة اردوغان القائمة على الهيمنة والتوسع، ولكنها كانت استجابة ماكرة لتبدلات لم تكن في صالح أنقرة، لهذا تحاول التودد إلى واشنطن او على الاقل تتجنب إثارة حفيظتها، خشية إقدام بايدن على زيادة دعمه لخصوم تركيا ومن فرض عقوبات عليها، ويعمل اردوغان مكرها على تبديل جلده ـ مؤقتا ـ حيث اعتاد اللعب على الحبلين مع الامريكيين والاوروبيين وذلك بدفعهم إلى تلبية مطالبه مقابل منحهم وعود يتهرب من تنفيذها، ولأنه يخاف هذه المرة ان تكون واشنطن اكثر صرامة في محاسبة أنقرة فقد قدم عروض مغرية لأكثر من دولة، وبغض النظر عن احتمالات نجاح او فشل هذه المناورة، فإنها استجابة سريعة وخطوة صائبة لحكومته.
بالنسبة لسوريا و روزئافا تمثلت سرعة استجابة تركيا في تقديم مغريات كبيرة إلى واشنطن في ملفات عديدة، حيث اوعزت الاستخبارات التركية إلى حلفائها الارهابيين وفصائل المرتزقة السوريين من تنظيم القاعدة (جبهة النصرة) إلى فيلق الشام والجماعات التكفيرية الاخرى، إلى اعلان الكف عن معاداتها للولايات المتحدة الامريكية وابداء استعدادها لمحاربة الارهاب؟ وبدأت حملة لتجميل وجوه هؤلاء الارهابيين، بظهور ابو محمد الجولاني زعيم تنظيم القاعدة في سوريا على وسائل اعلامية، وما ميز الرجل انه ظهر بسحنة جديدة وخطاب جديد تودد فيه إلى إدارة بايدن وابدى استعداده لمحاربة الارهاب، وطالب في حديث مع مراسل “فرونت لاين” مارتن سميث، برفع اسم تنظيمه من قائمة الارهاب الامريكية، وبَيَنَ دوره في محاربة نظام الأسد وتنظيم داعش، وفي إدارة منطقة فيها ملايين النازحين، موضحا أن هذه المنطقة لا تمثّل نقطة انطلاق للجهاد الأجنبي، وبعد الجولاني اعلن فيلق الشام وهو اكثر التنظيمات التكفيرية ارتباطا بتركيا براءته من الارهاب.
في الوقت الراهن وبسبب الازمة السورية تتصدر مسألة كوردستان الغربيةـ روزئافا قائمة اولويات الدول المحتلة خاصة سوريا وايران من جهة وتركيا من جهة اخرى، كما يوجد اهتمام نسبي وضبابي للولايات المتحدة بالمنطقة يقابلها منافسة شديدة من روسيا، وحدث في السنوات الاربع الماضية ان تركيا حققت مكاسب كبيرة على حساب الكورد بسبب دعم دونالد ترامب الرئيس الامريكي السابق لخططها في سوريا، ولو كُتب الفوز لترامب بولاية ثانية ربما كان يسمح لنظيره التركي رجب طيب اردوغان باحتلال المنطقة كاملة والقضاء على الادارة الذاتية التي للكورد فيها حصة كبيرة والتي تشكل لبنة مشروع حل للقضية الكوردية في سوريا، في المرحلة الترامبية القاتمة لم تُظهر احزاب الحركة الكوردية منفردة او مجتمعة اية ردود افعال او استجابات سريعة، ما اعطى أنقرة اريحية في التحرك وممارسة الغطرسة، وبات الكوردي عاجزا يسال نفسه هل يعود الاتراك ويهاجمون من جديد، ومن حسن حظهم ان ترامب رحل وحل محله بايدن المتعاطف شيء ما مع الكورد والحانق على سياسات اردوغان في ملفات كثيرة.
ويرمي اردوغان إلى فتح الابواب مع واشنطن ومن ثم شق طريق للمرتزقة السوريين إلى البيت الابيض تمهيدا لتقديمهم بديلا للنظام السوري وللحركة الكوردية، بإظهار هؤلاء التكفيريين على انهم قوّة مؤثرة لقيادة سوريا في حال تقرر حل الازمة والاتيان بسلطة انتقالية، وما يهم تركيا في هذا الجانب هو اقناع إدارة بايدن بإلغاء الادارة الذاتية، والسماح للجيش التركي وفصائل المرتزقة السوريين باحتلال ما تبقى من روزئافا في شمال وشمال شرق سوريا.
بالمقابل وللأسف لم تُبدي الاحزاب الكوردية استجابة سريعة لاستثمار وجود إدارة ديمقراطية في البيت الابيض تضم قيادات مؤسساتية تتحدث عن القيم وحقوق الانسان وتظهر تفهما للقضية الكوردية، لكن كعادتها فان الاحزاب سلحفاتية الحركة انشغلت بالصغائر، كونها لا تمتلك ذرة من مهارة حكام أنقرة وطهران ودمشق في الاستجابة للتبدلات بالوقت المناسب، وان اعتقد هؤلاء الصبيان انهم ليسوا بحاجة إلى التحرك في الدوائر الامريكية لانهم مطمئنون على ان فريق بايدن سوف يقدم لهم بعض الدعم على طبق من ذهب فهذا اعتقاد خاطئ إذ يمتلك المنافس التركي والايراني الكثير من المشهيات التي تغري واشنطن بالكف عن دعهما المحدود اصلا للكورد.
من واجب السلطات والاحزاب الكوردية ان يُفهموا صناع القرار العالمي ما يحدث في روزئافا و سوريا، ان يقدموا لهم الجوانب الغامضة في الأزمة ويحاولوا تحسين أو تغيير المفاهيم السلبية عن الحركة الكوردية، والعمل على تعزيز ثقة الامريكي بها وخلق وجهات نظر مستقبلية وتقديم الحلول لقضية روزئافا.