المحامي عماد شيخ حسن
لتقف دقيقاً على حال مجتمعٍ ما و واقعه، يكفيك أن تسأل في حال و سلطة القضاء فيه .
فالقوانين و الشرائع المعمولة في بيئة ما و نوعيتها ليست بالمطلق معياراً، بمعنى ..فلتكن القوانين سيئةً قدر ما تتصور، يكفي أن يكون القضاة جيدون، و لا قيمة في المقابل للقوانين الجيدة طالما القضاء فاسد.
و لكن مالبال و الحال إن كان كلاهما كما في عفرين في واقعٍ يُرثى له .
أصدرت ما تسمى بمحكمة جنايات عفرين مؤخرا حكمها بحق الدكتور فهمي عبدو المعتقل من قبل سلطة الامر الواقع التابعة للاحتلال التركي منذ تاريخ ٧/٤/٢٠٢٠ ( نرفق ادناه صورة عن الحكم المشار اليه )، و يقضي القرار من حيث النتيجة و المٱل بالحكم عليه بالاعتقال المؤقت مدة ثلاث سنوات و تغريمه بمبلغ سبعة ٱلاف ليرة تركية.
و هنا و في هذه المناسبة و كقانوني سوف ٱكتفي بتسليط الضوء فقط على مضمون القرار الحكمي، لأنه ثابت و واضح أمامكم أولا و لا يستطيع احد لا أن يتهمني بالانحياز و لا بأنني ارمي التهم جزافا و بدون دليل و مستند و ما شابه، الٱمر الٱخر هو يكفي ان اضعكم في صورة الفضائح أو الكبائر القانونية التي وقع فيها القرار و مصدريه.
لن اتطرق بالمطلق لسائر الاساليب و الاجراءات العصاباتية التي رافقت اعتقاله لحين صدور القرار و التي يمكن القول بأن لها علاقة بكل شيء إلا بالقانون و القضاء و ٱساسياته.
بدايةً…. لاحظوا بٱن هيئة المحكمة مصدرة القرار قد عوّلت في بناء قناعاتها وتجريمها للمتهم على مرتكزين أساسيين يمكن دحضهما بيسر و وضوح تامين و هما :
اولا ..ان المتهم اقدم على نشر منشورات عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك، ترمي الى اضعاف الشعور القومي و بث النعرات المذهبية و العنصرية و بالتالي تجريمه وفق المادة (٢٨٥ ق، ع، س) و أوردت هيئة الحكم في حيثيات القرار مثالا عن تلك المنشورات .
و بما ان المحكمة قد خصّت بالذكر و التوضيح منشوراٌ بعينه، فمن المفترض انه الأشد دلالة على ادانته.
لذا و من خلال العودة الى صفحة الفيسبوك الخاصة بالمتهم و الى ذاك المنشور تحديدا نجد مضمونه الحرفي هو التالي ((يا ابناء شعبي اسعوا للحصول على حقوقكم و انشاء دولتكم و لا ترحموا من يقف ضدكم حتى و لو كان من بني جلدتكم)).
التساؤل الذي يطرح نفسه بشدة الٱن هو الٱتي:
هل من ثمة حرف او كلمة في المنشور تحتمل التفسير او التأويل الذي ذهبت اليه الهيئة ؟؟؟
و هل من اي لفظ إساءة او ذم أو قدح او احتقار إو ما شابه لأحد او زيد من الناس في محتوى المنشور ؟؟؟
بالتفصيل :
هل في نداء ..(يا ابناء شعبي) إساءة ؟
هل في الدعوة الى السعي للحصول على الحقوق جريمة ؟ و اساس الثورة التي تتبجحون بها هي هذه الدعوة و في سبيلها .
هل الدعوة الى تأسيس الدولة و بنائها بعد كل الكوارث التي حلت بها جريمة ؟
هل بعد ذلك من ثمة تفسير ٱمامنا غير أن ما ذهبت اليه هيئة الحكم و استنتجته في بناء حكمها سوى انها قد وقعت هي ذاتها في ذات الذهنية الجرمية التي ارادت الباسها للمتهم و هو:
انها نظرت كليا الى كون المتهم كردي سوري او ربما كردي فقط و بنت كل شيء مسبقا على ذاك الاساس.
بمعنى لو كان المتهم عربيا سوريا او من مكون سوري آخر، و صدرت عنه ذات تلك الاقوال الواردة في المنشور موضوع القرار، فهل كانت ستفسره ذاك التفسير ؟
الجواب هو ..حتما لا.
بوضوح اكثر …الهيئة فسرت و استنتجت يقينا بأن المقصود بالشعب هو الشعب الكردي، و فسرت الحقوق بحقوق الشعب الكردي، و الدولة بالدولة الكردية، على الرغم من غياب ادنى اشارة بأن المتهم يقصد كل ذلك.
لماذا لم تضع الهيئة ادنى احتمال بإن المقصود هو الشعب السوري و حقوقه و الدولة السورية على الرغم من انها هي الحقيقة الساطعة بدليل قوله حتى و لو كان من يقف ضدكم هم ابناء جلدتكم اي الكرد .
بالتالي و من خلال ما سبق ..أليست الهيئة ذاتها تنظر و تسستنتج و تبني قراراتها بمنطق و منطلق التمييز بين الكردي و العربي و سواهما من إبناء سوريا،و بدوره هي التي من يجب مساءلتها بإضعاف الشعور القومي و ايقاظ النعرات العنصرية و المذهبية ؟
من ناحية اخرى …لنفترض جدلا بأن المحكمة محقة في استنتاجها، أليس من المفترض أن تضع ادنى احتمال لغير تفسيرها و بالتالي نكون أمام القاعدة القانونية الشهيرة و التي هي أن الشك يفسر لمصلحة المتهم .و منه طالما أن الجرم غير ثابت ثبوتا تاما و يقينا، فلا يجب قانونا الحكم بمقتضى التفسير و التأويل، حتى مع علمنا بأن لقناعة القاضي دور واسع و غير محدود في المسائل الجزائية، و ذلك من منطلق ان لتلك القناعة ضوابط و شروط و ليست تعسفية .
ثانيا …الهيئة استندت في قرارها على افادات المتهم و اقواله، حيث اشارت في حيثيات القرار بأن الإدانه تأيدت بأقواله الفورية و القضائية في كافة مراحل الدعوى .
و هنا يتضح لنا بأن الهيئة قد عولت على الاعتراف في بناء و اتمام قناعتها، و بالتالي و ان كانت للهيئة سلطة تقديرية في ذلك، الا أنه في المقابل و الهام وفقا لقانون الاجراءات الجنائية فٱن للاعتراف من ناحية شروط لصحته و الاخذ به و من ناحية اخرى يستوجب على المحكمة مناقشته و الرد عليه و الا شاب القصور قرارها.
و من اهم شروط الاعتراف و التي نجزم و نؤكد بأنها لم تتم مراعاتها هي.
_ وجوب صدور الاعتراف عن ارادة حرة للمتهم.
_ ان يكون الاعتراف وليد اجراءات صحيحة.
و هذا ما لم يتحقق يقينا سواء في مرحلة القبض او التفتيش او الاستجواب او دعوة المحامي و خلافها من مراحل الدعوى.
الأهم من كل ما سبق هو أن هناك فضيحة قانونية في القرار أو ما نسميه قانونا بالخطأ المهني الجسيم في الفقرات الحكمية للقرار و يستوجب بالتالي بطلانه و مخاصمة الهيئة القضائية مصدرة القرار عليه و هو:
ما ورد في الفقرة الحكمية الثامنة من القرار، حيث استخدمت المحكمة مصطلح اعلان براءة المتهم من جناية الاعتداء لتغيير دستور البلاد ….الخ، بدلا من استخدام المصطلح القانوني المهني و السليم ، الذي هو إعلان عدم مسؤوليته.
فبرائة المتهم من جناية ما ، تعني قانونا و باختصار أن هناك جريمة ارتكبت و تبين فيما بعد بأن مرتكبها هو شخص آخر غير الشخص المعني بالبراءة في القرار .أما اذا تبين بأنه لا وجود لجرم او ان فعل ما لا يشكل جرما يعاقب عليه القانون، فحينها يكون الحكم بعدم المسؤولية و ليس بالبراءة .
و هنا نجد من خلال القرار أنه لا وجود لجريمة اعتداء لتغيير دستور البلاد، فان كانت هناك جريمة ارتكبت بهذا الخصوص فأين هي وقائعها و ادلتها و اين لائحة اتهام النيابة فيها و هل من ثمة متهم او مدان آخر بشأنها غير من صدرت بحقه البراءة منها ؟
ان عدم التمييز بين مفهومي البراءة و عدم المسؤولية كبديهية قانونية،هي من الاخطاء المهنية الجسيمة .
عرّفت محكمة النقض السورية الخطأ المهني الجسيم بأنه: “الانحراف عن الحد الأدنى للمبادئ القانونية، أو الإهمال المتعمد للوقائع الثابتة المنتجة بالنـزاع” (نقض، مخاصمة، قرار رقم /307/ لعام 1997 أساس رقم /451/)، وقالت عنه الهيئة العامة إنه: “الخطأ الفاحش الذي لا يقع فيه من يهتم بعمله اهتماماً عادياً” (أساس مخاصمة 9/ قرار 47 تاريخ 30/12/1992). فالخطأ المهني الجسيم الذي يصلح سبباً لرفع دعوى المخاصمة على القاضي هو إهمال أو عدم تبصر أو سوء تقدير أو سوء تفسير يؤدي إلى خلل في العدالة فيلحق ضرراً بالغير.
و هذا ما ينطبق على الهيئة مصدرة القرار.
ناهيكم عن ذلك كله هو …التساؤل الذي يحيرنا و يثير الكثير من نقاط الاستفهام..
كيف يستوي ان تكون محاولة تغيير الدستور الحالي لسوريا هي جناية و جريمة بصرف النظر عما سبق . بينما تغيير دستور البعث هو من اولويات مطالب الثورة و السوريين لا بل هو مطلب حتمي لا تنازل عنه و لا مساومة فيه. و هل من يتفاوضون بين الحين و الحين على دستور جديد للبلاد هم جناة و مجرمون ؟!!!
_ هناك نقطة او ناحية اخرى و هي هل جرت اجراءات القبض و التفتيش و فحص الممتلكات الخاصة و الشخصية كلها وفق الاصول و الاجراءات القانونية و القضائية ؟
ان كان قد شاب ذلك اي شائبة فيستوجب بطلان كل ما تلاه و بني عليه .من مبدأ ما بني على باطل فهو باطل، و هو ما حدث حتنا و مرارا.
بئس هكذا قضاء و بئس من تبوّءوه على أنهم قضاة و الحرية لابن عفرين البار الدكتور فهمي
المانيا ٣٠/٣/٢٠٢٠ .