نحو مفهوم الوطنية الكردية العميقة أو الشعب العميق

حواس محمود 
تختلط في المشهد السياسي للكرد في كردستان سوريا  العوامل المحلية بالاقليمية بالدولية في ظل حرب مدمرة للجغرافيا السورية عامة، اذ أن تجربة الادارة الذاتية تشهد تأزما وانحدارا عن الشعارات والاهداف التي رفعت عندما أعلن عنها، وذلك بعد احتلال عفرين من قبل تركيا ومرتزقتها من فصائل تدعي انتماءها زيفا وبهتانا الى المعارضة والجيش الحر – الجيش الوطني السوري – وتشرد أهالي المدينة وتوزعهم في الخيام وهجرتهم الى دول الجوار واوروبا، ومن ثم احتلال رأس العين وتل ابيض. 
يحدث هذا في ظل ركود الحوار الكردي الكردي بين الطرفين الاساسيين وهما الانكسي والتف دم برعاية امريكية ، ولا ننسى ان توترا حصل في الاونة الاخيرة اذ هاجمت مجموعة محسوبة على تف دم على مكاتب احزاب الانكسي وحدثت اشتباكات بين ال ب ك ك والحزب الديموقراطي الكردستاني، ب ك ك الذي فجر انابيب  النفط التي تصل كردستان وتمتد الى الاراضي التركية، طبعاً كل هذا حدث بعد اتفاقية سنجار بين الحكومة العراقية واقليم كردستان العراق القاضية باخراج كل الميليشيات من سنجار، الأمر الذي رفضه الحشد الشعبي وال ب ك ك .
نحو الاجماع الوطني الكردي  – نحو مفهوم الشعب العميق أو الوطنية الكردية العميقة : 
وفي ظل بقاء الازمة السورية كما هي دون حل – ومع مجيئ ادارة بايدن للحكم في امريكا  التي قد تحرك المياه الساكنة في المشهد السياسي السوري عموما.
ازاء هذا الوضع هناك نقاشات عديدة بين الأوساط السياسية والثقافية الكردية حول المخرج من الازمة الراهنة، اذ أن هناك إجماعا وطنيا كرديا عارما من أن الاحزاب الكردية كلها بما فيها ال ب ي د قد فشلت في الحفاظ على الوجود الكردي وحقوقه المشروعة سواء بالطرق السياسية والديبلوماسية او بالطرق العسكرية رغم أن الكرد في كردستان سوريا قد قدموا حوالي 12 الف شهيد من ابنائهم وبناتهم في الحرب الدولية ضد داعش عدا الآلاف من الجرحى والمقعدين من أبناء شعبنا الكردي. 
المشكلة الاساسية للكرد في كردستان سورية هو وجود طرفين متنازعين هما الانكسي والتف دم باجندات خارجية، بمعنى أوضح ان الانكسي يتبع بصورة أو أخرى الى محور اربيل – واشنطن والى حد ما تركيا رغم سياسات تركيا تجاه الكرد في كردستان سوريا، وال تف دم وبالتحديد ال ب ي د يرتبط بصورة تكاد تكون مباشرة مع ال ب ك ك  وقيادة قنديل وبالتالي لطهران، وبالرغم من الارادة الشعبية الكردية الكبيرة ممثلة بالوطنيين والمستقلين والمثقفين الكرد وفعاليات المجتمع المدني القاضية بضرورة الاعتماد على القرار الوطني الكردي المستقل والتقارب الكردي الكردي والحفاظ على المكتسبات التي حصلت الادارة الذاتية عليها طيلة السنوات الماضية من عمر الأحداث في سورية والمنطقة الكردية، وبالرغم من الضغط الامريكي بخاصة على ال ت ف دم بضرورة فك الارتباط مع ال ب  ك ك للتبيان للاتراك ان ال ادارة الذاتية مستقلة ولا علاقة لها بال ب  ك ك التي تعتبره الحكومة التركية منظمة ارهابية، الا ان الادارة الذاتية مترددة او رافضة ضمنا فك الارتباط هذا، يبدو بسبب قوة كثافة التوغل السياسي لل ب ك ك وكوادره في امور ال ب ي د وبالتالي الادارة الذاتية، هذا الرفض في الانفكاك اثر ويؤثر حتى الآن على الحوار الكردي الكردي ويصيبه بالجمود والركود رغم الاتفاق على بعض البنود والنقاط التي كانت خلافية فيما سبق بين الطرفين. 
ازاء الازمة الكردية المشروحة أعلاه تدور مناقشات كثيرة حول أفق المستقبل لكردستان سورية والحركة السياسية الكردية، هناك  خيبة أمل من الاطراف الموجودة لدى قطاع واسع من الكتاب والمثقفين والوطنيين المستقلين وقطاعات واسعة من قوى المجتمع المدني الكردية، لا بد من طرح مقولة جديدة في التناول والتداول السياسي وهي مقولة – الشعب العميق أو الوطنية الكردية العميقة، وذلك بالتقاء العديد من الاكاديميين والغيورين على المصلحة الكردية العليا، وأن يكون أغلبهم في الخارج لكي لا يتعرضون للقمع داخل كردستان سوريا، ويشكلون لجنة تحضيرية لمؤتمر الاجماع الوطني الكردي اومؤتمر الوطنية الكردية العميقة، ويكون المؤتمر بمثابة الحصانة الكردية ضد الضعف والتمزق وصمام الأمان لوحدة الصف الكردي، أو على الأقل ضمانة وجود اتفاق كردي على المشتركات العامة لصالح المصلحة الكردية العليا، ويدعو المؤتمر الى الحفاظ على المكتسبات التي حصل عليها الكرد في كردستان سوريا، والحد من التراجع السياسي الكردي، وتنشيط التقارب الكردي وفك الارتباط مع الاجندات الخارجية، وان يتحدد في المؤتمر الاليات اللازمة للضغط السياسي نحو الداخل عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجميع ادوات التكنولوجيا المساعدة في هذا الامر والتنشيط ووعقد اللقاءات والندوات والمحاضرات المستمرة وتشكيل رأي عام ضاغط كبير كاسح بحيث نصل الى مرحلة جديدة بالقطع مع ما كان سائدا من الارتباطات الاجنداتية التي لم تفد كرد كردستان سوريا بشيئ بل أضرتهم شر ضرر، (وان يصار الى تخليص قوات الحماية الشعبية من الاجندات الخارجية والسعي لانضمام  بيشمركة روج افا الى قوات الحماية الشعبية ولا ما نع من انضمامهم لقسد باجندات وطنية سورية بعد ان ينفذ القرار 2245 وصيانة الحقوق الكردية  وتشكيل فيدراليات جغرافية تضم كل مكونات منطقة الجزيرة السورية)، وأن تتواصل  اللجنة المنتخبة في المؤتمر مع دول القرار مثل امريكا وروسيا ودول اوروبية مؤثرة  وغيرها من الدول الرئيسية في المشهد السياسي السوري باتجاه اخراج المحتل التركي من المدن المحتلة في كردستان سوريا وباتجاه لم شمل الكرد، والقطع مع نظام الفساد والاستبداد في دمشق بانتظار التسوية السياسية النهائية في سورية عبر القرار 2245 ونحو نظام الفيدراليات في سورية، وليكون للكرد حضورهم ودورهم في سوريا المستقبل.
ختاما الموضوع مطروح للمرة الأولى للنقاش أتمنى من القراء والكتاب ايلاء هذا الموضوع باهتمام كبير، لأن لا مخرج للكرد في كردستان سورية دون هكذا مقترح أو ما يماثله، لأنه بدونه قد تتراجع التجربة الكردية وتتعرض للضعف تحت ضغط التناقضات والتوازنات والصفقات الجديدة التي ستحصل بين الاطراف الاقليمية والدولية سيما أن لوحة الصراع الراهنة تشير الى ان الكرد إن لم يسارعوا لتدارك أخطائهم ورص صفوفهم فان الخطر يداهمهم من كل جانب. 
……………………………………………………………………..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس تأملات في الزمن والموت ومأساة الوعي الإنساني. لا شيء يُجبر الإنسان على النظر في عيون الفناء، كما تفعل لحظة نادرة نقف فيها على تخوم الذات، لا لنحدّق إلى الغد الذي لا نعرفه، بل لننقّب فيما تبقى من الأمس الذي لم نفهمه. لحظة صمت داخلي، تتكثّف فيها كل تجاربنا، وتتحوّل فيها الحياة من سلسلة أيام إلى…

مروان سليمان من أهم القضايا الشائكة في المجتمعات الشرقية هو التطرف العنيف الذي يعمل بها أناس ليل نهار من أجل شق وحدة الصف و أنقسامات داخل المجتمع و إنعدام حقوق الإنسان و من هنا كان لزاماً على الطبقات المثقفة و التي تحمل هموم شعوبها أن تعمل من أجل الحوارات المجتمعية و تقديم المبادرات السلمية و تحافظ على حقوق…

بوتان زيباري   في دهاليز السلطة، حيث تتهامس الأقدار وتتصارع الإرادات، تُحاك خيوط اللعبة السياسية ببراعة الحكّاء الذي يعيد سرد المأساة ذاتها بلغة جديدة. تُشبه تركيا اليوم مسرحًا تراجيديًا تُعاد كتابة فصوله بأقلام القوة الغاشمة، حيث تُختزل الديمقراطية إلى مجرد ظلٍّ يلوح في خطابٍ مُزيّف، بينما تُحضَر في الخفاء عُدّة القمع بأدواتٍ قانونيةٍ مُتقَنة. إنها سردية قديمة جديدة، تتناسخ…

خالد بهلوي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وإرساء أسس بناء الاشتراكية وظهور المعسكر الاشتراكي كقوة اقتصادية وعسكرية تنافس الدول الرأسمالية ومعسكر الحلف الأطلسي، انعكس هذا التوازن على العديد من الدول، فحصلت على استقلالها، ومن بينها الدول العربية. كما خلقت هذه التحولات قاعدة جماهيرية تنادي بضرورة الاشتراكية، وأصبحت بعض هذه الدول، وحتى الأحزاب القومية التي تشكلت فيها، تدّعي…