بهزاد عجمو
لو أجرينا استفتاءً للشباب الكرد الذين يعيشون في عموم كردستان و طرحنا عليهم السؤال التالي : بماذا تحلمون ؟ فلا شك سيكون الجواب للأغلبية الساحقة بأننا نود الهجرة إلى خارج الوطن و لكن الأبواب كلها أمامنا مؤصدة، فإن هذا الجواب يدل على حالة الإحباط التي و صل إليها شعبنا، و على الوضع المأساوي الذي يعيشونه و على تشكل النظرة السوداوية لديهم بعد أن تبخرت كل أحلامهم وتحطمت أمانيهم و أصبحت أمالهم سراباً، و أن كل ما يرونه في وطنهم ما هو إلا قصوراً على الرمال المتحركة و أنهم يعيشون في واقع مأساوي و مرير و لكن نقول للحقيقة و للتاريخ هل الهروب من الواقع هو الحل ؟ أم مواجهة الواقع المرير بشجاعة و اقتدار هو الحل الأجدى ؟ فإن لم نستطع أن نحقق شيئاً الآن فربما الأجيال الذين يأتون بعدنا و يحققون طموحاتنا لأن التشاؤم ما هو إلا انتحار بطيء،
فنحن في هذا الزمن الكردي الصعب بحاجة إلى إعادة نظر و دراسة الظروف الدولية فالشعوب التي استطاعت أن تصل أن تصل إلى مبتغاها استغلت الظروف المواتية لها أفضل استغلال، فكل شعوب العالم في قرن من الزمن أتتها الفرص مرة أو مرتين فالشعوب الناجحة استعلت هذه الظروف ببراعة وذكاء و دهاء أما الشعوب الفاشلة فلم تستطع استغلال الفرص التي أتتها و لنترك شجون الماضي و عذاباته و مآسيه و نفكر في الظروف الحالية و نحاول استشراف المستقبل .
أولاً الظروف الدولية : إن هذه الظروف تتغير بين ليلة وضحاها فعهد إدارة هو غير عهد إدارة ترامب فـ بايدن ليس على وفاق مع بوتين كما كان ترامب و خاصة أن بوتين يريد استرجاع أمجاد الإمبراطورية السوفيتية و يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء و يعود بالنظام العالمي إلى قطبين متنافسين و يريد منافسة القطب الأمريكي في العالم و خاصة في الشرق الأوسط، و هذا لن تسمح به أمريكا بايدن و ستدفعها إلى الدخول في الحرب الباردة مع روسيا و أن أي حرب في الشرق الأوسط سواء كانت باردة أو حامية الوطيس فهي لصالح القضية الكردية فبعد حرب الخليج تحققت بعض الأحلام في كردستان باكور،و في الحرب السورية تحققت بعض المكتسبات في روج آفا ولكن مع الأسف السياسة الخارجية الأمريكية ليست لها أصدقاء أو حلفاء و إنما تريد خدماً لتحقيق أجنداتها و مصالحها و مخططاتها فإذا توفرت للكرد قيادة سياسية حكيمة و شفافة تستطيع أن تستخدم و تلعب ببعض الأوراق مع الأمريكيين الورقة الأولى أن الكرد لديهم كتلة بشرية كبيرة في المنطقة و الورقة الثانية أن لدى الشعب الكردي مقاتلين أشداء أثبتوا جدارتهم في الحرب ضد داعش، الورقة الثالثة كردستان غنية بثرواتها الباطنية، فهل تستطيع الطبقة السياسية الكردية أن تلعب بتلك الأوراق مع أمريكا للضغط عليها ووضعها أمام الأمر الواقع للاعتراف بكامل حقوق الشعب الكردي المشروعة بنص مكتوب و موقع وليس بوعود خلبية كما يحصل الآن مقابل حصول بعض أمراء الحروب و تجار الحروب على الغنائم من النفط و الغاز و أشياء أخرى، لذا فإن الطبقة السياسية الكردية هي الآن في امتحان تاريخي صعب .
ثانياً : الظروف الإقليمية : إن إيران و تركيا هما الآن العدوين اللدودين القويين للمشروع الوطني الكردي و أن لكلا الدولتين مشروعين مختلفين و متعارضين فإيران تخطط و تحلم باستعادة أمجاد الإمبراطورية الصفوية و تركيا تخطط لاستعادة الإمبراطورية العثمانية حتى أن بعض الصحف التركية نشرت قبل شهر خارطة باللون الأحمر لون العلم التركي الآن هذا اللون يشمل كل الدول في المنطقة التي كان يحتلها العثمانيون، لذا فإن طموحاتهم و أطماعهم فيها الكثير من العنجهية و التهور و الغطرسة فأمريكا و من ورائها إسرائيل لن يسمحا بأن تكون هناك أي دولة قومية في المنطقة سوى إسرائيل لذا فسيحاولان استغلال هذه المنافسة بينهما لدق إسفين بين تركيا و إيران و خاصة نلاحظ في الآونة الأخيرة هناك توتر في العلاقات بينهما و ستحاول أمريكا و إسرائيل إشعال فتيل الحرب بين المشروع الصفوي و المشروع العثماني لإضعافهم و إنهاكهم و هذا الأمر سينعكس إيجابياً على المشروع الوطني الكردي .
ثالثاً : الظروف الداخلية : إن الفساد أصبح عنواناً لمعظم الطبقات السياسية في العالم و نحن الكرد جزء من هذا و لسنا في كوكب آخر و مع الأسف إن هذا المرض أخذ يستفحل أكثر فأكثر، و باتت ثقافة الفساد منتشرة لدى معظم الطبقة السياسية و لا أقول الكل و أصبح هؤلاء الفاسدين يسرحون و يمرحون و يكتنزون الملايين بل المليارات من الدولارات و يعتبرون الوطن غنيمة و الشعب قطعان من الأغنام تأكل و تنام فالسؤال الذي يطرح الآن ما الحل هنا يجب على الطبقة المثقفة أن تقوم بدورها التاريخي و الريادي، كما عمل الكثير من المثقفين في الدول المتحضرة حيث تخلوا عن أحقادهم و ضغائنهم تجاه بعضهم البعض كما تخلوا عن نرجسيتهم القاتلة و لم يرضوا بأن يكونوا أبواقاً لأي طرف سياسي لقاء بعض الفتات و نظموا أنفسهم في منظمات المجتمع المدني بعيدين كل البعد عن التحزب السياسي بل الضغط على الطبقة السياسية لتقويم مسارها لتحقيق أهداف الجماهير فهل ستحاول الطبقة المثقفة الاستفادة من تجارب الآخرين و حمل المشعل بيدهم لينيروا الدرب و إخراج شعبهم من هذا النفق المظلم .