م. نذير عجو
عند التكلم عن الثورات لابد من الوقوف عند تعريفاته المتعددة والتي من إحداها أنها كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا أو التطلع إلى الأفضل أو حتى الغضب، وهنا يبادر إلى الذهن، السؤال التالي : هل ماحدث في ١٥-٠٣-٢٠١١ كانت ثورة أم صراع وحرب من أجل إقتناص سلطة تتحكم بالفساد واللصوصية والإجرام ؟.
نعم لقد تأملتها في البداية، كل الهويات السورية المختلفة أثنياً وعقائدياً وعقيدياً وطائفياً وعلى مستواها الجماهيري، بأنها ثورة شعبية، ولاسيما منهم من كانوا ضحايا النظام القابع على صدور الكل لعقود من الزمن،
ولكن تأملات تلك الهويات بجماهيرها ذهبت في أدراج الرياح أو مع أهواء من ركبوا موجة ثورتهم الشعبية القصيرة الاجل، حيث تحولت إلى صراع وحرب متوازنة بين فساد ولصوصية وإرتهان وإجرام ماسميت بالمعارضة مع فساد ولصوصية وإرتهان وإجرام النظام، وإثبات ماذكر هو السنوات الطويلة العجاف للحرب الطاحنة بين طرفيها ( النظام والمعارضة )، هاذان الطرفان اللذان لم يثبت أحدهما للهويات السورية بأنها تحقق ماتعنية الثورة كمصطلح سياسي والتي هدفها الأول والأخير هو التغيير نحو الأفضل، وما طول زمن الحرب المستمرة في سوريا إلا تعبير خالص بأنه لم يستطع أحد طرفي الصراع والحرب أن يكسب الجماهير لطرفه ويرجح كفة الميزان لصالحه، فضاعت الجماهير بين الأسوئين ( النظام والمعارضة ) حيث كان ومازال الحكم لدى الجماهير صعباً للتمييز بين سوء النظام وسوء المعارضة، وهكذا توازنَ ميزان القوى الجماهيرية بين النظام والمعارضة فإترمى أحدهما في عباءة النظام وإرتمى الآخر في عباءة المعارضة، وبقيت الضحية ( الجماهير الشعبية ) تنظر حتفها في حرب ظالمة. وإستمرت الحرب لسنواتها الطويلة ومازالت، ولا هم لكلا الطرفين من الكم الهائل لضحاياهم التي فاقت التصورات عن وحشيتهم وإجرامهم، إلا إقتناص السلطة وممارسة التسلط .
فالنظام غني عن التعريف بموبقاته وإجرامه، عبر سنوات تسلطة وجبروت إجرامه على رقاب السوريين بكل هوياتهم إلا هويته الطائفية ( العلوية ببعدها التعصبي لدرجة التطرف ) والتي تترجمها وقائع دور الرجل السوبرمان العلوي في كافة منافذ حياة السوريين العسكرية والمدنية والتي أدارها وخطط لها الأسد الأب لديمومة البقاء على عرش الحكم، والفساد كان ومازال هو عنوان كبير للنظام حيث إنتشاره في كل أجهزة ماتسمى الدولة السورية، أما اللصوصية التي لم يتجرأ أحد من السوريين السؤال عن مكامن الثروات السورية والبترول على رأس قائمتها، أما الإرتهان فإيران وروسيا عنوان لها وفي فترة الصراع والحرب السورية، توسع إرتهان النظام حتى للعصابات المنتشرة هنا وهناك، الصغيرة منها والكبيرة وكلها بهويتها الطائفية الخالصة ( الشيعية ) وحزب الله اللبناني أكبر عناوينها، ورغم شعارات النظام الإستهلاكية في عروبة سورية والتي كانت وباءاً على الهويات السورية الغير عربية في الخارطة السورية ( والشعب الكوردي كان أكبر ضحايا تلك العروبة الشعاراتية ) كما كانت تلك الشعارات الرنانة وباءاً على العروبة ذاتها، وبالنسبة لإجرام النظام وبعيداً عن ماهو قبل الحرب السورية، فأرقام الضحايا والتدمير الشامل لسوريا والسوريين في سنوات الحرب الظالمة خير دليل، مروراً ببراميل النظام الغير موجه على رؤوس السوريين وكذلك أسلحته الكيماوية وصور العذابات والمآسي التي يتبرأ منها الضمير والخلق الإنساني والتي تختصرها الصور التي كانت سبباُ فيما سمي بقانون قيصر والقائمة تطول وتطول.
أما المعارضة التي أثبتت وعلى مدى سنوات صراعها وحربها مع النظام بأنها تبحث عن السلطة التي تفتح لها الأبواب على مصرعيها للمارسة الحرة في الفساد واللصوصية والإرهان والإجرام وإعادة عقارب للوراء، وقد عبرت المعارضة ومنذ بداية أحداث ١٥-٠٣-٢٠١١ عن هويتها الإسلامية السنية مغطاة في بدايتها بدمى من ممثلين عن عقائد وطوائف أخرى لايمثلون حتى عقائدهم وطوائفهم ( مسيحي، درزي،… )، لتكشف لاحقاً عن هويتها الحقيقية، وما تبنيها لقوى الإرهاب والظلام إلا دليلاً قاطعاً لأبعاد تعصبها وتطرفها حيث خروج كل شذاذ الأفاق من رحم ماسمي بالمعارضة ( جبهة النصرة مثالاً )، أما الفساد فصور وأفلام صراعاتهم الداخلية على تقاسم الغنائم والسرقات خير دليل على طبيعة تلك المعارضة، واللصوصية لديهم، فهي مشرعة وذات فتوى محلله لديهم على قاعدة تكفير كل من ليسوا معهم وفق أيات وأحاديث يتداولوها بالصور والأفلام ويتهمون الآخرين بالكفر والإلحاد والإرتداد، ( فمالهم ونسائهم حلال حتى دجاجهم وصيصانهم وزرعهم وحجرهم وتاريخهم حلال، ( عفرين، سرى كانييه، كرى سبيه ) إحدى عناوينها، أما الإرتهان الموازي للإرتزاق المحلل شرعاً، فتركيا وقطر وغيرها من الممونين سلاحاً والممولين دولاراتاً، عنوان لتلك المعارضة التي وصلت معها الإعترافات والإقرارات نتيجة البذخ التمويلي الإرتزاقي بإعتبار إحتلال وغزو تركيا لأرض وخارطة سوريا بأنه تحرير وإنتصار!!!، والحديث عن إجرامهم يطول ويطول ويبدأ بالتهديدات والإعتقالات العشوائية والإختطافات والقتل تحت التعذيب والقتل العمد مروراً بقطع اليد والذبح الحلال ولاينتهي بجرائم القتل الجماعي .
أمام كل ماذكر من الحرب المتوازنة بين طرفي الفساد واللصوصية والإرتهان والإجرام ( النظام، المعارضة )، فالسوريون بهوياتهم المتعددة أمام مفترق طرق لتحديد مصائرهم والتي تتعارض ومواصفات النطام والمعارضة الحالية وبوجهها المتواجد في المحافل الدولية المهتمة بشأن الحرب السورية ( جنيف، سنتشي، أستانة،….. )، وذلك بان يبحث هؤلاء السوريون عن بدائل ذي مواصفات تتوافق ومعنى الثورة ، أي معارضة تبني مواصفات التغيير وفقاً للقوانين والدساتير والشرائع الدولية والإنسانية المتعلقة بحقوق الأفراد والجماعات والشعوب بعيداً عن صور التعصب والتطرف التي عانت منها كل البشرية لحين صحوتها على الصور الحضارية للتعايش بين كل الهويات على أساس قبول وإعتراف الكل بالكل.
أخيراً لابد من القول أن المكاشفة والشفافية لما دار ويدور على الخارطة السورية من حقائق موثقة لما سبق ذكره, إنما هو من أجل إعادة الحسابات من قبل الغيارة على القيم والحقوق الإنسانية واللذين أصابت عيونهم الغشاوة ومازالوا في سفينة النظام أو سفينة المعارضة الغارقتين وماعليها عاجلاً أم آجلاً, بأن يلعبوا دورهم في تغيير بوصلة توجات أسيادهم بثورة حقيقية عليهم, لترجيح كفة الميزان عبر تحول الجماهير نحوهم بعد تمايزهم وتحقيقهم معاني الثورة الحقيقية, أو بالخروج من تحت عبائتهم نحو تشكيل قاعدة جماهيرية تلفظ النظام والمعارضة بثورة جديدة تحقق آمال وأهداف الكل بالتعايش المشترك إسوة بالكثير من الشعوب التي رسمت لنفسها خارطة طريق تأخذهم من الصراعات والحروب المستدامة, نحو التعايش المشترك بإرادة الكل والحياة الرغيدة والرفاه المشترك.
١٥-٠٣-٢٠٢١