بيان المنظمة الآثورية الديمقراطية بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية

قبل عشر سنوات وفي منتصف آذار من العام 2011 انتفض السوريون بكل تنوعهم القومي والديني والطبقي وفي جميع أنحاء البلاد، بهدف الخلاص من نظام الاستبداد والفساد، وبناء دولة القانون والمواطنة وحقوق الانسان. ولقد عكس الاسم الذي خصّ السوريون به ثورتهم ” ثورة الحرية والكرامة” طبيعة معاناتهم الطويلة وتوقهم لاستعادة حريتهم المسلوبة وكرامتهم الإنسانية المهدورة.
منذ اللحظة الأولى لاندلاع المظاهرات، كان النظام قد حسم خياراته باستخدام أدواته الأمنية والعسكرية في قمع الاحتجاجات بالقوة المفرطة قتلا واعتقالا وتصفيات جسدية لعشرات الآلاف من الشابات والشبان المدنيين المطالبين بالحرية والتغيير الديمقراطي. أدّى هذا الى بروز حالات مسلحة لحماية المدنيين والمحتجين سرعان ما تحوّلت إلى عسكرة الحراك الثوري بالترافق مع تصاعد عدد المنشقين عن جيش النظام، لتبرز ظاهرة الجيش الحر الذي استطاع في البدايات تحييد قوات النظام في العديد من المناطق.
 إلا أنه لم يتمكن من الصمود أمام الفصائل الإسلامية المتشدّدة ( كداعش والنصرة..) التي هيمنت على المشهد بفضل دعم وتمويل دول وشبكات جهادية عديدة، حيث ارتكبت هذه المجموعات جرائم بشعة بحق السوريين، و ساهمت بفعالية في حرف الثورة عن مسارها الاساسي باعتبارها ثورة شعب يتطلع إلى الحرية بمواجهة نظام ديكتاتوري يسعى بشتى السبل إلى تأبيد سلطته. تكامل هذا مع ما قام به النظام الذي عمل على إطلاق سراح أهم قيادات القاعدة والجهاديين من سجونه بهدف وصم الثورة بالإرهاب والتطرّف، وسخّر كل قدراته لتطييف الثورة واستنفار النزعات الطائفية بين السوريين عبر استدعاء ميليشيات طائفية إرهابية من لبنان والعراق وأيران وأفغانستان وغيرها. 
مع انقضاء عقد على ثورة الحرية والكرامة، ورغم حجم الكارثة الانسانية بمختلف أوجهها الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، إلا أنه لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للمأساة التي ألّمت بالسوريين. فرغم تراجع الأعمال العسكرية، إلا أن الواقع الاقتصادي والمعيشي يتهاوى باطراد يومي، نتيجة فقدان الليرة قدرتها الشرائية ما أدّى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية ومفاقمة المعاناة اليومية للغالبية الساحقة من السوريين، الذين باتوا يفتقرون إلى أبسط الاحتياجات والخدمات التي تبقيهم على قيد الحياة. ورغم مزاعم الانتصار،  فإنّ النظام ازداد ضعفاً وعزلة، وعجز عن الإيفاء بأبسط الاحتياجات، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها نتيجة إصراره على تجيير كل الأموال والمساعدات لصالح منظومته الأمنية والعسكرية وشبكات الفساد الممنهج للاستمرار في السلطة على حساب حياة ملايين السوريين، وأيضا في ظل رفضه المستمر للخوض بمفاوضات الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية الكفيلة بإنهاء هذه المأساة الإنسانية الفظيعة،.وإصراره على إجراء (انتخابات) شكلية معروفة النتائج كأداة للاستمرار في حكم السوريين وتركيعهم على حساب السيادة الوطنية التي تنتهك كل يوم والتي رهنها مع ثروات البلاد لصالح داعميه الرئيسيين ايران وروسيا اللتان تتحكمان اليوم بأهم مفاصل القرار والإدارة في البلاد.
أما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام فالوضع ليس أفضل بكثير، حيث يعاني السوريون في المناطق التي تسيطر عليها قوى أمر واقع بمختلف تلويناتها الإيديولوجية (وبشكل متفاوت من منطقة لأخرى)، من سوء الأوضاع المعاشية، وتفشي وباء كوفيد 19 ومن انتشار الفوضى والفساد وتوتر الأوضاع الأمنية، جرّاء الانتهاكات التي ترتكبها بعض الفصائل، حيث فشلت هذه السلطات التي أفرزتها معادلات الصراع والنفوذ الدولي والإقليمي، في إرساء منظومات حوكمة  بديلة تستجيب لتطلعات السوريين في هذه المناطق في الديمقراطية والشراكة والحياة الحرّة والكريمة.
بالمقابل لا يشي الوضع الدولي بإمكانية إحداث تغيير في مقاربة الإدارة الأمريكية الجديدة ومن خلفها الاتحاد الاوروبي في ما يخص الملف السوري، بما يدفع فعليا باتجاه تسوية سياسية حقيقية وفق القرار 2254 رغم ما شهدته اجتماعات اللجنة الدستورية الخمسة من تعطيل من قبل النظام، ورغم اقتناع الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص الى سوريا بعدم جدوى استمرار تلك الاجتماعات دون أن تترافق مع فاعلية سياسية ودبلوماسية دولية لتنفيذ القرار الأممي 2254 بكامل بنوده وتراتبيته.
في ظل هذه المعطيات، وفي ظل غياب إرادة دولية للدفع بمسار الحل السياسي، يبقى واقع ترسيخ مناطق تقاسم النفوذ هو سيد الموقف، وهو مرشح للمزيد من الاستنقاع وما يتولّد عنه من مخاطر عودة الإرهاب وتدهور الأوضاع الأمنية، وتوفير بيئة خصبة لتفكيك ما تبقى من روابط وطنية لصالح نمو المزيد من العصبيات والصراعات ذات البعد القومي والطائفي. من هنا تاتي أهمية تحقيق أعلى درجات التنسيق والتكامل بين قوى الثورة والمعارضة في الداخل والخارج للتوافق على مشروع وطني جامع يصحّح الانحرافات في مسار الثورة، وبرنامج عمل سياسي قادر على حشد مختلف الإمكانيات والطاقات السورية في انجاز المهام الملحّة، وعلى رأسها ملف المعتقلين والمغيبين قسريا والمهجرين داخليا وفي دول الجوار ومحاسبة مجرمي الحرب ومرتكبي الانتهاكات من كافة الأطراف وصولا لتحقيق الانتقال السياسي المنشود وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
إنّ المنظمة الاثورية الديمقراطية، إذ تؤكد في الذكرى العاشرة للثورة السورية، استمرارها في النضال مع بقية قوى الثورة والمعارضة في سبيل تحقيق تطلعات السوريين في الحرية والديمقراطية وبناء الجمهورية السورية، دولة عصرية قائمة على سيادة القانون وعلى مبدأ المواطنة الكاملة والمتساوية واحترام حقوق الانسان، والإقرار الدستوري بالوجود والهوية القومية للسريان الاشوريين كمكون سوري اصيل وبثقافته ولغته كثقافة ولغة وطنية وضمان حقوق متساوية لجميع القوميات التي تشكل النسيج الوطني من عرب وسريان آشوريين وكرد وتركمان وغيرهم، فإنها في الوقت نفسه تعبّر عن قناعتها بحتمية التحرر من الاستبداد وإنجاز التغيير الديمقراطي الجذري مستندة في ذلك إلى ما أفصحت عنه هذه الثورة من قدرة عظيمة لدى السوريين على الصمود والإصرار على استعادة حريتهم وكرامتهم ورفضهم لأي شكل من اشكال الديكتاتورية في مستقبل بلادهم.
تحية إجلال وإكبار لأرواح شهداء الحرية في سوريا.
الحرية لكافة معتقلي الرأي ومعتقلي الحرية. والكشف عن مصير المخطوفين والمغيبين قسريا لدى كافة الاطراف وعلى راسهم المطرانين يوحنا ابراهيم وبولص يازجي.
سوريا 14 آذار 2021
المنظمة الآثورية الديمقراطية
المكتب التنفيذي

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…