تحتفل شعوب العالم في الثامن من آذار/مارس من كل عام، باليوم العالمي للمرأة، تخليداً لذكرى أول انتفاضة للمرأة في التاريخ، عام ١٨٥٦ في نيويورك، حيث انطلقت الإرادة النسوية بشجب مظلومية المرأة وتمييزها، والدعوة إلى إقرار حقوقها الكاملة ومساواتها مع الرجل، وتصحيح مسار دورها ومساهمتها في الحياة، وتحقيق القيمة العليا لمكانتها في المجتمع الإنساني.
ويعتبر هذا اليوم فرصة للتأمل في التقدم المحرز في إطار نيلها لحقوقها، والدعوة للتغيير وتسريع الجهود، والشجاعة التي تبذلها عموم النساء في العالم، وما يضطلعن به من أدوار استثنائية في صنع تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن. “المرأة في القيادة: تحقيق مستقبل متساو في عالم كوفيد-١٩”، هو موضوع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة لهذا العام.
ورغم بعض التقدم المحرز في قضية حقوق المرأة على الصعيد العالمي ومساواتها بالرجل، إلا أن التغيير الحقيقي كان ولا يزال بطيئا ومؤلما لغالبية النساء والفتيات في العالم، حيث لا يمكن اليوم لبلد واحد أن يدعي أنه حقق المساواة بين الجنسين. كما أن العقبات المتعددة في القانون وفي الثقافة بقيت هي الأخرى دون أن يطرأ عليها تغيير. ولم تزل النساء والفتيات يعانين من البخس، فهن يعملن أكثر ويكسبن أقل وخياراتهن أقل، ويعانين من أشكال متعددة من العنف في المنزل وفي الأماكن العامة. وعلاوة على ذلك، يوجد تهديد كبير بتراجع المكاسب النسوية التي تحققت بشق الأنفس.
وتأتي احتفالات النساء السوريات بهذه المناسبة هذا العام أيضاً في ظل استمرار أجواء الكارثة الإنسانية الناجمة عن الأزمة التي لا زالت تعم البلاد منذ منتصف آذار/مارس ٢٠١١، واستمرار دوامة العنف والحروب والاشتباكات المسلحة في العديد من مناطقها، واتساع نطاق رقعتها، وتدخل العديد من الجهات والأطراف الدولية والإقليمية فيها بشكل مباشر، ما أدى إلى السقوط المتزايد للضحايا وتزايد حجم الدمار والخراب وتزايد أعداد اللاجئين والفارين من مناطق التوتر، والذي أدى بدوره إلى خلق مناخ ملائم، لارتكاب المزيد من الاعتداءات والانتهاكات والفظاعات بحق حياة وحريات المواطنين السوريين، حيث كانت للمرأة السورية عموماً، النصيب الأكبر من انتهاكات: القتل والخطف والاختفاء القسري والتعذيب والاغتصاب والتهجير والاعتقال التعسفي.
أن مآلات الأحداث وتطورات الأوضاع في سوريا، خلال السنوات الأخيرة، جعلت النساء عرضة لكل أنواع التمييز واللامساواة والعنف، جراء الاستغلال البشع، من كل الأطراف الحكومية وغير الحكومية، لوضعها المأساوي، فأصبحت هدفاً مباشراً للقتل والتهجير والفقر والعوز والتعرض للاعتداء والعنف الجسدي والمعنوي، وانتهاك كرامتها وأنوثتها. كما أن ظروف اللجوء وضعتها في أجواء من الابتزاز والاستغلال البشع في جميع المجالات.
ولكون المرأة الكردية في سوريا، تشكل جزء من المرأة السورية عموماً، وتعيش في نفس الأجواء والمناخات المتولدة عن الأزمة واستمرار الحرب والعنف في سوريا، فأنها تعاني أيضاً مما تعانيه عموم المرأة السورية، حيث أشار تقرير لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا، عام ٢٠٢٠، إلى أنه “لا يزال وضع النساء الكرديات الأخريات مقلقا منذ عام ٢٠١٩، واجهت النساء الكرديات في جميع أنحاء منطقتي عفرين ورأس العين أعمال ترهيب من قبل أعضاء الجيش الوطني السوري، مما أدى إلى انتشار حالة من الخوف أدت إلى حبس أنفاسهن في منازلهن. كما تمت احتجاز النساء والفتيات من قبل مقاتلي الجيش الوطني السوري، وتعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي، مما تسبب في أضرار جسدية ونفسية شديدة على المستوى الفردي، وكذلك على مستوى المجتمع، بسبب وصمة العار والأعراف الثقافية المتعلقة بأفكار (شرف المرأة)”.
كل هذا إضافة إلى معاناتها الخاصة، الناجمة عن خصوصيتها القومية الكردية، بسبب السياسات والمشاريع العنصرية المقيتة للأنظمة المتعاقبة على الحكم في سوريا، تجاه الشعب الكردي وقضيته القومية، وحرمانه من أبسط حقوقه القومية والوطنية الديمقراطية، وتطبيق القوانين والمشاريع الاستثنائية بحقه، والتي طالت حد حرمانه من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل: التجريد من الجنسية السورية.
أننا في مركز عدل لحقوق الإنسان، وفي الوقت الذي نتقدم فيه بالتهاني الحارة لجميع نساء العالم، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ونحيي نضالات الحركة النسائية العالمية والمحلية، ونحيي أيضاً كافة المناضلات العاملات من أجل حقوق المرأة، ونعرب عن تضامننا الكامل مع النساء من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز ضدها وإزالة العنف بحقها، وتحقيق مساواتها الكاملة مع الرجل، فأننا ندعو بهذه المناسبة، إلى التعاون الوثيق بين المنظمات النسائية في سوريا، وبينها وبين عموم منظمات حقوق الإنسان في سوريا، والعمل على رفع سوية التعاون والتنسيق بشكل أكبر، بما يخدم جهود تعزيز دور المرأة السورية عموماً في الحياة العامة للبلاد وعمليات بناء السلام وجهود فرض الأمن والاستقرار فيها، والتي تتطلب أيضا العمل معا من أجل ملاحقة مرتكبي جرائم العنف والاغتصاب بحق المرأة ومحاسبتهم عليها.
مركز عدل لحقوق الإنسان
٧ أذار/مارس ٢٠٢١
أيميل المركز:adelhrc1@gmail.com
الموقع الإلكتروني: www.adelhr.org