الكُرد في منظور النُخبة العربية

لوند حسين/ صحفي
الشعب الكُردي عانى الاضطهاد والاحتلال منذُ غابر الأزمان، أنشأ هذا الشعب عدة إمارات ودويلات، لكنهُ حُرمَ في مرحلة تشكيل الدول من حقهِ كسائر شعوب العالم من التمتع بكيان بِهِ، فتعرضَ لأول تقسيم استعماري بين الامبراطورتين العُثمانية (السُنية حالياً) والفارسية/الصفوية (الشيعية حالياً)، كان ذلك في عام 1514؛ ثُمَّ كان التقسيم الحديث في عهد الاستعمار الأوروپي عام 1916 على اثر اتفاقية سايكس-پيكو بين الإنگليز والفرنسيين وبمُشاركة روسيا؛ تم اقتطاع مساحات من أرض كُردستان وضمِها لدولتي العراق وسوريا؛ لتصبح بذلك الشعب الكُردي وأرض كُردستان موزعة بين أربع دول تفتقر لأدنى مفاهيم احترام تعدُدية الفكر والمُعتقد والاثنية، وتشربت نُخبها الثقافية من ينابيعها الشوڨينية والاستعلاء القومي.
منذُ بلوغي سن الرُشد ودخولي للمدرسة ولاسيما المرحلة الإعدادية، والتي كانت إحدى المُقررات (التربية القومية الاشتراكية)، هذا الكتاب كان يمتاز بتفضيل العرب والعروبة على كافة الأقوام والشعوب، وانا كُنت واعياً لكُرديتي بفضل المرحوم الوالد والذي كان يُكنى بـ (ملا علي)، بالرغم أنَّهُ لم يكُن شيخُ دين أو مُتدين، بل كانَ مُتعلقاً بدينِهِ الإسلامي ومُلتزم بالفرائض، لكن كان مُتفتحاً ومُتابعاً لأخبار ثورة الخالد مُلا مُصطفى البارزاني؛ هذا ما جعلني أشعُر وأفتخر بكُرديتي؛ حيثُ كُنت أُبدل كلمات (العرب، العروبة، الوطن العربي) في كتاب القومية العربية إلى (الكُرد، الكُردية، كُردستان)، لأنتسب بعد فترة لحزب الاتحاد الشعبي الكُردي (اليساريُ التوجه)، هذا الحزب كان يؤمن بالتآخي بين الشعوب مع ضرورة منح كل الشعوب الحق في تقرير مصيرها بنفسها؛ إلا أنَّ الواقع بالنسبة للقومية السائدة (العرب) رافضة لهذه المفاهيم، بمن فيهُم الشيوعيين الكُرد (المُستعربين).
حاولنا خلال تعرفُنا على النُخبة العربية قبل الثورة السورية وللآن، اقناعِهُم بقبول التعدُدية القومية وأنَّ سوريا وطنٌ للجميع، إلا أنَّ هذه النُخبة المتوزعة بين النظام والمُعارضة والمُنظمات المدنية والنقابية، ترفُض بشكل قاطع إزالة كلمة (العربية) عن اسم سوريا، ويدعون أنَّ لا حقَ للكُرد في سوريا والأنكى في الأمر أنَّ بعضهُم يعيشونَ الآن في أوروپا وأمريكا والبُلدان الديمقراطية-العلمانية، التي تعمل وزارات التعليم فيها للحفاظ على لُغات وعادات وتقاليد الشعوب بمن فيهُم المُهاجرين إليها من العرب والكُرد؛ حيثُ تُخصص مدارسها حصة درسية لتعلُم الطالب اللُغة الأم.
ما يحزُ الأسى والأسف في القلب، ادعاء الكثير من النُخب العربية بالاعتراف بحقوق الكُرد ضمن سوريا المُستقبل، إلا أنَّهُم يرفضون بشكل قاطع حتى الاعتراف بحقوق الكُرد اللغوية في دساتير المُستقبل، كما أنني كتبتُ أكثر من مرة على صفحتي في التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، طالباً من تلك النُخب ولو بمنشور واحد عن المجازر والانتهاكات التي تُرتكب بحق الكُرد في المناطق الكُردستانية المُحتلة من قبل تُركيا ومُرتزقَتِها مما يُسمى بالجيش الوطني السوري، التابع لائتلاف قوى الثورة والمُعارضة السورية؛ إلا أنّهُ وبكُل أسف لم يتجرأ أخ ناشط أو صحفي عربي بكتابة منشور فيسبوكي، يُدين انتهاكات ميليشيات الجيش الوطني التابع لتُركيا. وفي نفس السياق فأنَّ النُخب العربية الموالية للنظام السوري، يرفضونَ كأقرانِهُم من المُعارضة الاعتراف بأي حق للكُرد في سوريا.
أدعو من خلال هذا المقال كُلَّ عربيٌ سوري، يُؤمن بالتعدُدية وبحق الشعوب في العيش بكرامة، أن يتناول ولو لمرة واحدة عدالة مطالب الشعب الكُردي، والكف عن اتهامِنا بالانفصاليين؛ فأنتُم تتهمون إسرائيل بالدولة المُحتلة، التي أُنشأت وفقَ اتفاقية سايكس-پيكو، فكُردستان أيضاً اُحتلت وفقَ تلك الاتفاقية المشؤومة، ان لم تعترفونَ بالحقيقة فكُلَكُم كَنُخبة عربية لا تختلِفونَ عن أنظِمَتِكُم الدكتاتورية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…