فاطمة محمد
لسان حال إحدى الصديقات (من المكون العربي) والتي هي نموذج لغالبية الأصوات المنادية بالعروبة والقومية العربية. تلك العبارة وضعت أكثر من مرة على حالة الواتس اب خاصتها، وكأنها تتقصد استفزاز أصدقائها الكورد الموجودين لديها على ذلك التطبيق، أو لربما تضعها كنوع من الكولكة وتمسيح الجوخ- لأنها موظفة حكومية – لساداتها البعثيين الذين تسلطوا على حكم سوريا منذ استلامهم مقاليده إبان انقلاب الثامن من آذار عام ١٩٦٣” من أين أتت كل هذه العنصرية المعلنة جهاراً نهاراً، وهذا الشحن العنصري البغيض؟
ولماذا يصرون على تعريب كل من وما هو موجود على البقعة الجغرافية تلك؟ إن مثل هذه اللغة المتخشبة والتي عاف عنها الزمن ودفع ضريبتها الكثير من الشعوب المزيد من الدماء والدمار وبالتالي الانهيار، كما انها في الحالة السورية لا يمكنها أن توصل بقية المكونات التي يتألف منها المجتمع السوري إلى نقطة التقاء حول طاولة واحدة لبناء جسور الثقة والتفاهم وتكريس المشتركات ودولة الحق والقانون والمواطنة لجميع المكونات والطوائف والاثنيات الموجودة على أرض سوريا، والمتعايشة منذ عقود مع بعضها كشعب واحد، والتي تربط بينهم أواصر الأخوة والوطنية، كما انها تزيد من الشرخ المجتمعي والهوة بين مكونات الشعب السوري وإعطاء المجال لتجار الحروب بإثارة النعرات الطائفية والعنصرية ودفع الامور نحو الهاوية.
لنعد إلى الوراء قليلاً ونستذكر تاريخ سوريا ونشوء الدولة السورية الحديثة، وكيف تمت السيطرة عليها من قبل النظام البعثي حينها سندرك كيف تحولت إلى الجمهورية العربية السورية عنوة.
تاريخياً هاجر العرب من موطنهم الأصلي شبه الجزيرة العربية،وتوزّعوا في الأصقاع ، بحيث اتخذت تلك الأقوام مناطق جغرافية جديدة موطناً لها وسكنتها.
فمن أول من سمّى سوريا بالجمهورية العربية السورية؟
في عام 1920 وبعد انهيار الدولة العثمانية سمّيت الولايات الفراتية والشامية بالمملكة العربية السورية، وتزعّمها آنذاك فيصل بن الحسين، وبعد الاحتلال الفرنسي لسوريا وفرض الانتداب عليها سمّيت بالدولة السورية وعلى هذا الأساس عاش جميع مكونات الشعب السوري تحت هذا المسمّى.
في 18 سبتمبر 1920 قامت لجنة كوردية يترأسها رجل دين يدعى الشيخ عبد اللطيف (مدرس للغة العربية) بكتابة رسالة إلى المندوب السّامي الفرنسي (غورو) أفصح فيها عن استمرارية الاضطهاد والممارسات العدوانية تجاه الكورد قائلا:
“حتى هذا اليوم لم يوقف العرب عداءهم للكورد”
وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على التمييز والعنصرية التي مورست بحق الكورد ومنذ اليوم الأول لتأسيس الكيان السوري بعد انهيار الدولة العثمانية.
وفي حزيران عام 1928 قدّم الكورد مرة أخرى عريضة طالبوا فيها باستعمال اللغة الكوردية إلى جانب اللغات الأخرى في المناطق الثلاث (الجزيرة، كوباني، عفرين) كما طالبوا بتعيين مدراء الحكومة ليكونوا من الكورد حصراً لكنه-أي المندوب السّامي – رفض الطلب.
ويُذكر بأنّ أول من فكّر بالتغيير الديموغرافي في شمال الكيان السوري المؤسس حديثاً هو محمد كرد علي عام 1930 حيث قام بمراسلة الرئيس السوري المنتدب آنذاك تاج الدين الحسيني وأخبره بضرورة إبعاد الكورد والسريان من حدود كوردستان وتوطينهم بعيداً لئلا تحدُث مشاكل سياسية تؤدي إلى اقتطاع الأراضي من سوريا مستقبلاً وهذا ما جاء في مذكراته وتحديداً في الجزء الثاني صفحة 441 .
وبعد رسالته بعامين ومع بداية عهد محمد علي العابد عام 1932 أرسل الكورد ومسيحيو الجزيرة مذكرة إلى حكومة الانتداب والمندوب السّامي والذي بدوره أرسل تلك المذكرة إلى عصبة الأمم المتحدة وجاء فيها :
“قامت الحكومة المحلية بإرسال موظفين حكوميين غير مؤهلين لا يجيدون لغتنا وليسوا جزءاً من هذا الشعب البائس، ولن يستطيع السّكان تحمّل هذا الظلم أكثر من ذلك، وكذلك لن يستطيعوا القيام بمساندة موظفين يريدون أن يحكموا بشكلٍ مخالفٍ للأنظمةِ والقوانين بل وصل الأمر حدّ زجّ الناس في السجون.
إن الموظفين شوفينيّون، ولا يقبلون أن يأتي لاجئون ينتمون إلى قومية أخرى ويسكنوا في سوريا، وهم في الغالب لا يخفون هدفهم لتنفيذ برنامج يضع نصب عينيه تصفية الأشخاص الذين لا ينحدرون من العنصر العربي، في أول وقت ممكن”
وجاء فيها أيضاً :
“نتيجة للتصرفات اللا شرعية لهؤلاء الموظفين اضطُرت مئات العائلاتالكوردية إلى ترك منازلهم في القامشلي وعين ديوار واللجوء إلى دول الحكومات المجاورة”
فإذا ما أردنا تفسير كلمة اللاجئين المذكورة في هذه المذكرة قد نتوصل إلى أنهم يقصدون الأرمن والسريان والآشوريين الذين هربوا من مجازر سيفو في تركيا عام 1915 أو ربما يقصدون بها الكورد الذين هربوا بعد فشل الثورات الكوردية ضد تركيا الكمالية في العشرينيات والجرائم التي ارتكبت بحقهم من الحكومة الكمالية التركية.
أما في عام 1936 فقد حدد التقرير السّنوي الفرنسي المقدّم إلى عصبة الأمم المتحدة نسبة السّكان الأصليين للجزيرة الفراتية على النحو التالي:
41,900 ألف نسمة من العرب وأغلبهم من البدو وقلّة قليلة متمركزة في المدن.
83,600 ألف نسمة كانوا من الكورد وأغلبهم كانوا قرويين.
31,050 ألف نسمة كانوا مسيحيين، بينما بلغ عدد اللاجئين الكورد الهاربين من تركيا نتيجة فشل الثورات ولجوئهم إلى الكيان السوري المُحدث 22,000 ألف نسمة.
وكان قد قدّر عدد الكورد بالنسبة لسكان سوريا البالغ عددهم 2,860,411 نسمة
وعدد الكورد القاطنين في سوريا قبل الهجرة 220,000 ألف نسمة
وعدد اللاجئين الكورد إبان الثورات الكوردية في سوريا 22,000 ألف نسمة .
استمرت مظالم الشعب الكوردي على هذا النحو، وازداد اضطهادهم يوما بعد يوم، حتى بعد الاستقلال التام عن الانتداب الفرنسي، وتضاعفت معاناتهم أكثر من ذي قبل، حين نص دستور عام 1950 بتحويل تسمية الكيان السوري الجديد إلى الجمهورية العربية السورية، وتضمينه لانتهاكات كبيرة بحق الشعب الكوردي، ومن أهمها التغيير الديموغرافي لمناطقهم الجغرافية وذلك بحسب الفصل الأول من المادة الدستورية، فكانت مأساة حقيقية مازالت تلاحقه إلى وقتنا الحاضر وخصوصا بعد استلام الحكم البعثي العفلقي لزمام السلطة عام 1963 كما اسلفنا سابقا.
إن ما يتعرض له شعبنا في كوردستان سوريا من انتهاكات ومقايضات فظيعة، وما يكابده فيها لشيء خطير جداً، ومصيبة كبرى من شأنها تهديد وجوده، وكيانه، ومحاولة خطيرة للقضاء عليه كشعب عريق، يعيش على ارضه التاريخية، خصوصاً بعد انتفاضة قامشلو عام 2004 حيث ضيق الخناق عليه وعلى قضيته العادلة كيلا ترى النور قط، فكان الاعتقال والقتل والاغتيالات والتصفيات السياسية، و فرض الحصار الاقتصادي، وكم الأفواه، من سمات تلك الفترة، حتى اندلاع الثورة السورية السلمية عام 2011 ، والتي اعتبرها الشعب السوري بكافة اطيافه ومكوناته (والكورد من بينهم) طوق نجاة للخلاص من العبودية والاستبداد، وعرفت بثورة الحرية والكرامة، ولكن سرعان ما التف حولها، وسرقت من الثوار الحقيقيين وتعسكرت، وتحولت من ثورة شعبية على امتداد الوطن السوري ضد النظام القمعي إلى ثورة مضادة ضد الشعب السوري بكل مكوناته، وان ما يعانيه منذ عشر سنوات من الكوارث الانسانية والدمار والقتل على الهوية وتدمير المدن والقرى وتحويل سوريا الى مستعمرات من عدة دول اقليمية وعالمية واستثمار ثورة شعبها لمصالحها وتشرد هذا الشعب في كل اصقاع العالم يكفي ان يعود الجميع الى طاولة الحوار وايقاف هذا النزيف الدموي المغدور وفتح صفحة جديدة تكون مصلحة الشعب السوري عنوانها الرئيسي وانصاف مكونات هذا الشعب ومنها الشعب الكوردي العريق ومنحه حقوقه القومية المشروعة اسوة بغيره والاعتذار منه بكل ما تعرض له على مر التاريخ من انتهاكات وجرائم بحقه يندى لها جبين البشرية، لكن رغم كل ما حصل ويحصل لازال العديد من اطراف المعارضة ينافس النظام السوري بإنكار حقوق الشعب الكوردي العادلة ويصر على بقاء اسم الجمهورية العربية السورية على دولة اسمها سورية، عريقة في التاريخ، ووجدت قبل العروبة والإسلام .
الشعب الكوردي سيدافع عن وجوده وتاريخه وسيناضل من أجل تحرير سوريا من اعدائها وبناء دولتها الوطنية المحايدة للجميع ويتحقق فيها العدالة والقانون وصياغة دستور عصري يعترف بالشعب الكوردي العريق كاحدى مكونات الشعب السوري وينصفه بحقوقه القومية العادلة.