مخاطِر حَسَد السياسي والمُدرَّع

ماجد ع  محمد
إذا كان الحَسَد عند عامة الناس شعور طبيعي فيما يخص مقارنة الفرد ذاته بالغير في لحظة حنقٍ أو منافسةٍ أو مقايسة، فإن اللاطبيعي هو اِنتشار هذه الخصلة بين الساسة  العاملين في الشأن العام وقادة الفيالق المدرعة، ففي الحالة الفردية العادية من المحتمل أن تزداد حدة داء الحسد عند الفاشلين في بلوغ ما يتمنونه أو ما عجزوا عن بلوغه يوماً ما في أيّ مجالٍ من مجالات الحياة، والحسد الفردي غير المسلح قد يشكل الخطر على فرد واحد أو أفراد معينين قريبين من محيط الحاسِد، أو مَن كانوا في مضمار هدفه من البعيدين عنه، إلاّ أن الأخطر من الفرد العادي الحسود هو السياسي الحسود والأشنع والأكثر ضرراً منه هو المسلّح الحسود، لأن خطر هذين النموذجين الأخيرين يتجاوز الحالة الفردية ويدخل في نطاق أذى الجماعة، إذ قد يتجرع تبعات سقمهما قرية بأكملها أو منطقة أو بلد برمته، بما أن استراتيجية وآلية عمل ذلك الحسود السياسي أو العسكري هي أنه بدل العمل ليل نهار من أجل تحسين وضع كيانه أو مؤسسته أو بلده، والإلتحاق بالتالي من خلال العمل والمثابرة بركب مَن يحسده، هو جَعل مَن يحسدهم مثله وفي أن يُصبح حالهم مثل حالِه، فليس له القدرة على التقدم والصعود والارتقاء، ولكنه يسعى جاهداً لإنزال الصاعدين إلى حيث يقيم في واديه البائس.
ولا شك أن خطر حسد الجهة السياسية أو العسكرية لا يقتصر على طرف سياسي أو عسكري بعينه، إنما الكارثي فيه هو أن خرابه المقصود قد يطال حارة أو قضاء أو مجتمع برمته، وعادةً ما يكون الأبرياء ومن ليس لهم أي شأن بالتنافس بين الساسة أو العسكر، هم أولى ضحايا الأعمال الإرهابية القائمة على أساس الحسد والحقد والكراهية، ومنها على سبيل الذكر ما جرى في العاصمة الفرنسية باريس وضاحيتها الشمالية سان دوني في 13 تشرين الثاني 2015 من خلال هجمات إرهابية متزامنة لتظيم داعش والتي شملت وقتها إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن، كما استهدفت الهجمات حينها مسرح “باتاكلان” وشوراع بيشا وأليبار ودي شارون ومحيط ملعب فرنسا، وخلفت 130 قتيلاً وأكثر من 400 جريح، وكذلك الأمر ما قام به شخص تونسي يُدعى محمد لحويج بوهلال مقيم بجنوب فرنسا في تاريخ 14 تموز 2016 عبر دهسهِ بشاحنةٍ كان يقودها حشودَ من المدنيين العزل كانوا يحتفلون بـ”يوم الباستيل” وأسفر ذلك الهجوم الحقود أيضاً عن مقتل 87 شخصاً وإصابة 434 آخرين، إذ أن معظم ضحايا العمليات الإرهابية الناجمة عن الحقد والكراهية هم أبرياء عزل، لا علاقة لهم بمناطحات السياسيين ولا بمزاحمات العسكر وأسقامهم الشخصية أو التنظيمية.
لذا فغير مستبعد بأن يكون الاِستهداف الأخير لمدينة أربيل له علاقة بنفس العلة المرضية، أي أن الجهة التي استهدفت أربيل هي أولاً وقبل استهداف العامة مِن الغيرة الخرقاء استهدفت الأمن والسلم والازدهار في الإقليم، الإقليم الذي استطاع أن يقفز للأمام نوعاً ما رغم الإمكانيات الضئيلة جداً مقارنة بالعراق ككل، وذلك باعتبار أن الجهة التي تقف وراء ذلك العمل الخسيس لا هي قادرة على أن تحقق الأمن، ولا أن تجلب السلم لأهلها، ولا بمستطاعها إحداث التطور المرجو في مناطق نفوذها أو سيطرتها، رغم الميزانية الضخمة للعراق كلل أي حوالي 95% من ميزانية البلد، خصوصاً إذا ما أمعنا النظر في الأرقام التي ذكرتها وزارة التخطيط العراقية التي قالت إن نسبة الفقر في إقليم كردستان 12%، هذا رغم الحصار الاقتصادي المطبق على الاقليم من قبل الحكومة المركزية، وذلك مقارنة بباقي محافظات العراق، هذا إذا ما علمنا بأن مستوى الفقر خاصة في مدن الجنوب العراقي حسب ما ذكره المحلل السياسي والباحث كفاح محمود، بلغت قرابة الـ: 50% والبطالة بلغت 40% وأن حوالي 12 مليون إنسان يعيش تحت خط الفقر الذي بلغت نسبته 40% وأن أكثر من 600 مليار دولار مجموع الأموال المسروقة والهدر ونهب الثروات؛ خصوصاً إذا ما أدركنا بأن حصة الإقليم الفعلية هي حوالي 5% من ميزانية العراق، والحصة الصورية للاقليم هي 12.67% بما أن الحكومة المركزية تتحدث عن هذه النسبة في الإعلام بينما لا تعطي أكثر من 5% للاقليم؛ ومع ذلك فرغم هذه الكمية الضئيلة استطاع الاقليم أن يخطو خطوات لا بأس بها للأمام، وبدون مبالغة هي حقاً خطوات جبارة بناءً على محدودية أو هزالة ميزانية الإقليم ووفق الموارد المتاحة، مقابل الميزانية الضخمة للعراق، ومن المؤكد أننا هاهنا لا نقارن قط التقدم والازدهار والعمران في الإقليم مع دول الخليج العربي أو تركيا إنما نقارنه بدولة العراق. 
وبتصوري أن وضع الحاقدين الجُدد الذين قاموا بالعملية الإرهابية الأخيرة بحق أربيل الآمنة، لا يختلف البتة عن وضع التنظيات الإرهابية التي تستهدف الدول الأوربية كل فترة من الزمن بدافع الحسد والحقد والكراهية؛ عموماً فإن حال بعض الساسة والمسلحين والتنظيمات الإرهابية العراقية الذين يكنون العداء لأربيل، أشبه بحال رجلٍ جرّه الحسدُ بعد ابتلائه بعشرات العلل التي ألمّت بجسده إلى مضمار التفكير بآلية النيل من جاره، ليس لشيء سوى تمتع ذلك الجار بالصحة والحيوية والنشاط، إذ بسبب عجز الأول عن إيجاد الدواء الناجع للتخلص من أسقامه الشخصية، وبدل العمل على استعادة سلامته الجسدية، لم يجد أمامه إلاَّ طعن جاره بسبب تمتع ذلك الجار بالعافية المقبولة مقابل اعتلالات بدن المعتدي.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في دهاليز السلطة، حيث تتهامس الأقدار وتتصارع الإرادات، تُحاك خيوط اللعبة السياسية ببراعة الحكّاء الذي يعيد سرد المأساة ذاتها بلغة جديدة. تُشبه تركيا اليوم مسرحًا تراجيديًا تُعاد كتابة فصوله بأقلام القوة الغاشمة، حيث تُختزل الديمقراطية إلى مجرد ظلٍّ يلوح في خطابٍ مُزيّف، بينما تُحضَر في الخفاء عُدّة القمع بأدواتٍ قانونيةٍ مُتقَنة. إنها سردية قديمة جديدة، تتناسخ…

خالد بهلوي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى وإرساء أسس بناء الاشتراكية وظهور المعسكر الاشتراكي كقوة اقتصادية وعسكرية تنافس الدول الرأسمالية ومعسكر الحلف الأطلسي، انعكس هذا التوازن على العديد من الدول، فحصلت على استقلالها، ومن بينها الدول العربية. كما خلقت هذه التحولات قاعدة جماهيرية تنادي بضرورة الاشتراكية، وأصبحت بعض هذه الدول، وحتى الأحزاب القومية التي تشكلت فيها، تدّعي…

شكري بكر لا يزال موقف حزب العمال الكوردستاني غير واضح تماما من فحوى نداء أوجلان في تسليم السلاح وحل نفسه. هنا سؤال يطرح نفسه: هل رسالة أوجلان وجهها لحزب الاتحاد الديمقراطي في تسليم السلاح وحل نفسه؟الصفقات التي يقوم بها الـ PYD مع الشرع هنا وهناك دلالة للسير بهذا الاتجاه.أعتقد أن الـ PYD سيسلم سلاحه وحل نفسه عبر الإقدام على عقد…

صلاح بدرالدين   زكي الارسوزي من مواليد – اللاذقية – انتقل الى الاسكندرون لفترة طويلة ، ثم عاد يمتهن التدريس في دير الزور وحلب وغيرهما ، وله الدور الأبرز في انبثاق حزب البعث ، ومعلم الرواد الأوائل في هذا الحزب ، وقد طبع كتابه الموسوم ( الجمهورية المثلى ) في دار اليقظة العربية عام ١٩٦٥ ، وتضمن آراء ، وأفكار…