كيف قرر اللبواني مصير الكورد

زاكروس عثمان

 
يخرج علينا المعارض السوري كمال اللبواني بين فترة واخرى برسائل مصورة يتناول فيها مسائل متعلقة بالحرب الأهلية السورية، يقدم من خلالها أفكار واقتراحات حول سبل إنهاء هذه الازمة, مقدما نفسه على انه شخصية ليبرالية ديمقراطية منفتحة على قضايا شائكة تشكل عوامل محورية للصراع الدائر بين المكونات السورية، من خلال متابعة خطاباته المخملية خيل لي من الوهلة الاولى أنني امام معارض سوري مواقفه من المسالة القومية والدينية سوف تختلف عن مواقف مسؤولي المعارضة الآخرين الذين يتبنون إيديولوجية عروبية ـ اسلاموية، تلغي القومية الكوردية، لكن خطابات اللبواني الاستعلائية الموجه إلى الكورد اظهرت انه انحرف عن خطه؟ الليبرالي الديمقراطي والتحق باتباع الايديولوجية الشوفينيةـ السلفية، داعيا بطريقة مواربة وبحجج واهية إلى ترحيل ملف كوردستان ROJAVA إلى ما بعد حل الازمة السورية ما معناه رفضه أية وثيقة موقعة من الاطراف السورية والدولية تتضمن الاعتراف بالشعب الكوردي وحقوقه المشروعة.
إذ يتفزلك اللبواني ويحاول إظهار نفسه بمظهر العارف الوصي على القضية السورية، ليحدد نوع وشكل السلطات التي سوف تحكم سوريا عقب سقوط نظام الأسد، ويرشح اسماء شخصيات عسكرية موالية للنظام الحاكم كي تقود المرحلة الانتقالية، بل ذكر حرفيا انه اتفق مع مناف طلاس على السماح له بالاحتفاظ بنصف الاموال التي استولى عليها والده مصطفى طلاس من خزينة الدولة، على ان يرد النصف الباقي من أموال الشعب بالتقسيط المريح إلى خزينة الدولة.
بنفس الطريقة التي يروج بها اللبواني لضابط  فاسد تربى في حضن نظام الاسد ونهب مئات الملايين من املاك الشعب، فانه يحاول تشويه قضية ROJAVA وتقديم فكرة خاطئة عنها، وذلك من خلال تلاعبه بالمفاهيم وتقديمه معلومات مغلوطة وحقائق منقوصة والاتيان بأكاذيب ليقنع المتلقي بانه ليس هناك مسألة كوردية.  
وحيث انه ليس من السهل تشويه حقيقة قضية محورية كالقضية الكوردية فان اللبواني يخبض في الكلام، ويطرح افكار متناقضة غير متسقة، حيث يتناول اولا بشكل متعمد موضوع اللغة الكوردية ليوحي بان الحقوق الكوردية مختزلة في اللغة، والمشكلة انه يبخل على الكورد حتى بهذا الحق البسيط، بحجة ان جعل اللغة الكوردية لغة رسمية في سوريا يتطلب ايجاد جيش من المترجمين الكورد عليهم تعلم العربية كي يترجموا من وإلى الكوردية وفي نهاية المطاف يعودون ويكتبون بالعربية، ويتساءل ما الداعي إلى هذه البيروقراطية، وكانه يقول ليس ثمة حاجة لتعلم الكوردية، اي انه يلمح إلى فرض العربية لغة رسمية وحيدة في سوريا، وبالتالي ممارسة سياسة التعريب ومحاربة اللغة الكوردية، لينظر إلى المسالة نظرة فنية إجرائية وليست مسالة مرتبطة بحقوق شعب، ويتناسى اللبواني تجارب ناجحة لعشرات الدول التي تعتمد لغات عدة كلغات رسمية، إذ نجد اللغة الفرنسية لغة رسمية إلى جانب الانكليزية في كندا، وتوجد 27 لغة رسمية في روسيا الفيدرالية إلى جانب اللغة الروسية، هذا غير وجود 4 لغات رسمية في سويسرا” الالمانية، الايطالية، الفرنسية، الرومانشية” وتوجد في بلجيكا 3 لغات رسمية” الفرنسية، الهولندية، الالمانية” ناهيك عن الصين وغيرها من الدول, ما يؤكد بطلان دعوى اللبواني، حيث لم نجد دولة متعددة اللغات تشتكي من الروتين والبيروقراطية الناتجة عن وجود اكثر من لغة رسمية في الدولة الواحدة، بالعكس فان غالبية هذا النوع من الدول تتمتع باستقرار سياسي ـ اجتماعي، ازدهار اقتصادي، رقي ثفافي وفكري، فيما اللبواني جاء بحكم مسبق على عملية لم تطبق بعد وطلع باستنتاج وهو ان جعل الكوردية لغة رسمية في سوريا سوف يغرق الدولة في بحر من البيروقراطية، فهل اغفل تجارب تلك الدول عن جهل وقلة معرفة ام انه جاء ببدعة رفض جعل الكوردية لغة رسمية في سوريا تمهيدا لمحو هذه اللغة مع مرور الزمن، والجواب لا يتطلب بحث او تفكير لآنه موجود في رسالة اللبواني فالرجل يتحدث بمنطق ان حقوق الاكثريات والاقليات غير متساوية، وبما ان العرب اكثرية في الدولة السورية فيجب ان تكون لغتهم العربية اللغة الرسمية الوحيدة في الدولة، وماذا عن لغة الكورد وباق الاثنيات هل لانهم اقلية يجب ابادتهم بالقتل او عمليات الصهر القومي، فأي ليبرالي ديمقراطي هذا اللبواني الذي يتحدث عن قيادة دولة وهو ما زال يفكر تفكيرا عشائريا ويعالج قضايا مصيرية بمنطق الكثرة “الغالب” والقلة “المغلوب” علما ان شرعة حقوق الانسان والفكر السياسي المعاصر لا يميز بين حقوق الشعوب حسب الكثرة والقلة، فالشعوب و القوميات و الاثنيات تمتلك نفس الحقوق مهما كبرت او صغرت. 
ثم يكشف اللبواني عن نواياه السيئة تجاه ملف ROJAVA، حيث لا يكتفي بمحاربة اللغة الكوردية فحسب بل كذلك يلمح إلى  رفضه للحقوق الكوردية كاملة, ويعود ويتفزلك ويُخرج المفاهيم والمصطلحات من سياقها الصحيح ليختلق وفق ما يشتهي ذرائع واهية على انها براهين قطعية على بطلان قضية ROJAVA، لكنه لا يوفق في الاتيان بفكرة كاملة مترابطة تخدم مشروعه العروبي الالغائي، بل هو يقدم جملة افكار مبعثرة مضطربة لا معنى لها، وينظر إلى الكوردي نظرة فوقية ويخاطبه بلغة تعجيزية، موضحا ان العرب لم يكونوا مسؤولين عن ظهور قضية كوردستان المركزية لكنها كانت نتاج اتفاقية سايكس ـ بيكو، ورغم انه في هذه النقطة يعترف بمظلومية الكورد الا انه يقول بكل استخفاف مشكلتكم ليست عندنا عليكم القبول بالواقع الذي فرض عليكم كونوا كورد جيدين مثل صلاح الدين الايوبي حينها قد نمن عليكم بحقوق ثقافية ان وافق الشعب العربي السوري على ذلك، هذا بدل ان يبدي تعاطفه مع الكورد ويقر بحقوقهم المشروعة، ثم يخيرهم بين تعريف انفسهم كشعب كوردي له امتداد خارج الدولة السورية، او تعريف انفسهم  كقومية كوردية داخل سوريا، ويضيف اما ان يقاتلوا لنيل حقوقهم وتحقيق مطالهم او يلقوا السلاح ويفاوضوا على الحل السلمي مع انه قطع الطريق امام الحلول السلمية، فهل يشير إلى الكورد كي يستجدوا حقوقهم من امثاله.
ويتعمد اللبواني في خربطت وخلط المعلومات التاريخية للطعن مثل بقية المعارضين في تاريخ الكورد، فيسأل اين هي الدولة الميدية التي يتحدث عنها الكورد لماذا لم تستمر، ثم يتفنن في ممارسة فزلكاته بالاستفسار هل الكورد شعب ام حضارة وما هي هويتهم، وليس له غرض سوى تشويش المتلقي، ولكن أنا اسأله هل كانت هناك دولة عربية في سوريا او العراق، اليس وجودكم بدأ متأخرا مع قيام الغزوات الاسلامية، ثم أليس من الجهل ان تسأل ان كان الكورد شعب ام حضارة، وانت تعمل ان الدولة والحضارة ادوات مادية ومعنوية يصنعها انسان “شعب” اما الشعب فهو وجود حي، وعليه فان الدولة والحضارة  الميدية هي من صنع الشعب الكوردي، ماذا يكون ردك ان سألتك من هم العرب هل هم شعب ام حضارة الن تعتبرني غبيا حين اطرح عليك هذا السؤال السخيف.  
واضح انه بهذه المغالطات يهدف إلى طمس بدايات القضية الكوردستانية وانطلاقة حركة التحرر الوطني الكوردستاني، فاذا به يربط جذور الفكر القومي الكوردي بالفكر النازي ليأتي باستنتاج غريب عجيب يقول ان الحركة الكوردية بدأت ردا على اقدام الترك والعرب على تطبيق سياسة الاضطهاد القومي بحقهم، لتتخذ حركتهم طابع نزعة عنصرية مضادة، فمن هو العنصري يا كمال افندي هل يكون انت الذي ترفض حتى حق الكوردي في التعلم بلغته ام الكوردي الذي لم يتنكر لحقوق المواطن العربي في سوريا.
وبعد لف ودوران ومناورات يصل اللبواني إلى صلب الموضوع وينطق “البحصة” ويا لها من “بحصة” متفجرة، إذ يرفض صاحبنا رفضا قاطعا اية مشاريع حل لقضية ROJAVAفي الوقت الراهن، بحجة ان لا احد او طرف يمتلك حق او صلاحية الاعتراف بالحقوق الكوردية سوى الشعب العربي السوري؟ والذي بعد رحيل النظام الحاكم سوف يضع دستورا ويجري انتخابات وبموجبها سوف تقرر الاكثرية العربية مصير الاقلية الكوردية، نعم انه يترك للعرب السوريين حق تقرير مصير الشعب الكوردي الخاضع لدولة السورية، وهذه سابقة ربما لم تحصل في تاريخ الشعوب، حيث لم يحصل ان شعبا قرر مصير شعب آخر، انما كل شعب يقرر مصيره بنفسه ويضع الدستور الذي يلبي مطالبه، ما هو موقف اللبواني اذا اعلن زعيم اسرائيلي ان الشعب الاسرائيلي وفق الدستور الاسرائيلي هو الذي يقرر مصير الشعب الفلسطيني، ويأتي اقتراح اللبواني في تأجيل الملف الكوردي إلى عقود كثيرة من رفضه القطعي للفيدرالية والتي يشوه ماهيتها ومضمونها ويخيف السوريين منها، متجاهلا ان الفيدرالية تقتف وراء ازدهار سويسرا ورخائها ومكانتها الدولية المرموقة ومنعتها، وبدل التفكير في بناء دولة ينتمي مواطنوها إلى ارضها ينشط اللبواني لإعادة انتاج دولة قوموية عروبية مطعمة بالاسلاموية السلفية، فالرجل يرفض الاقليات القومية والدينية, ويمجد الاكثرية.  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…