المرجعية الكردية بين الواقع والرغبات

افتتاحية طريق الشعب*

لقد مضت فترة طويلة والحركة الكردية في سوريا تعمل بجد من أجل بناء مرجعية كردية في سوريا عبر مؤتمر وطني كردي، وبنتيجة ذلك فإن جماهير الشعب الكردي تترقب هذا الحدث وتتابع أخباره، وهي تضع آمالها على الجهود الخيرة التي تبذل من أجل انجاز هذه الأمنية الغالية بهدف توحيد نضال الشعب الكردي في سوريا والتخلص من حالة التشرذم الضارة بين صفوف حركته الوطنية.

 

إن بناء هذه المرجعية ليس وهماً، ولم ينبع من فراغ، بل هناك جهود كبيرة ونضال دؤوب ونقاشات جادة مهدت لهذا البناء، ففي عام 1993 طرح حزبنا مشروع بناء الهيئة التمثيلية للشعب الكردي في سوريا، وقام بتوزيع هذا المشروع على كافة الأحزاب الموجودة آنذاك، وعلى نطاق جماهيري واسع، وإذا كان ذلك المشروع قد نال تأييداً جماهيرياً منقطع النظير.
وإذا كانت قواعد معظم الأحزاب قد تقبلته، إلا أن قيادات تلك الأحزاب قد تهربت حتى من مناقشته مناقشة جدية تحت حجج وذرائع شتى، ومع ذلك لم نيأس، وتابعنا النضال من أجل بناء هذه الهيئة، لقد كنا مقتنعين تماماً بأن إيجاد هيئة تمثيلية للشعب الكردي ضرورة نضالية يجب تحقيقها، وكنا مقتنعين أيضاً باستحقاقات الوقت والزمن وطبيعة المرحلة.

وبالفعل فقد كان الزمن وطبيعة المرحلة يفعل فعله، فكان المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا نسخة مختزلة عن هذه الهيئة، وبعد ذلك طرحت أحزاب أخرى فكرة إقامة مجلس وطني، ومنذ عدة سنوات كان التحالف يدرس إمكانية إقامة إطار شامل للحركة الوطنية الكردية في سوريا، وبعد ذلك طرح التحالف فكرة إقامة مرجعية كردية سرعان ما تقبلتها الجبهة الديمقراطية الكردية في سوريا، والتي أصبحت أحد قرارات التحالف والجبهة.
ومنذ تلك الفترة أصبح بناء المرجعية الكردية الشاغل الأكبر لمعظم الأحزاب الكردية وأوسع قطاعات الشعب الكردي في سوريا، وتنبع الضرورة الحالية لهذه المرجعية من نقطتين أساسيتين هما:
1- الوضع العام الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط عامة وسوريا خاصة، وما يتهددها من مخاطر جدية.
2- ضرورة وحدة الحركة الوطنية الكردية في سوريا، وتوحيد نضال الشعب الكردي .
وبالرغم من أن قرار التحالف كان عدم وضع فيتو على أي طرف وطني كردي، فقد مرت فترة ليست بالقصيرة حتى تم التخلص من الفيتوات التي وضعها البعض، وبعد ذلك تم عرض المشروع على لجنة التنسيق الكردية التي تقبلت الفكرة في إطارها العام، وتم الانتقال إلى مناقشة الجانب السياسي في رؤية المرجعية، وفي الواقع كان النقاش في هذا الجانب عسيراً جداً، إلا أن الحوار الجاد والمواقف الإيجابية للعديد من الأطراف قد مكنت الإطارات الثلاث من التوصل مبدئياً إلى مشروع رؤية مشتركة أصبح القاعدة الواقعية لبناء هذه المرجعية.

إن التوصل المبدئي إلى مشروع الرؤية المشتركة يشكل بقناعتنا مرحلة مهمة قطعتها الإطارات الثلاثة على طريق إيجاد المرجعية الكردية، ومع ذلك فإن هناك الكثير مما ينبغي إنجازه، وهو يحتاج إلى جهود مضاعفة، خاصة وأن الوقائع بدأت تكشف عن نوايا وتوجهات لا يمكن الارتياح لها، فالبعض لا يريد أصلاً هيئة تمثيلية حقيقية تجسد وحدة نضال شعبنا الكردي، إنها تريد هيئة شكلية خجولة توحي بشكل مضلل أنها تمثل وحدة الموقف الكردي، وتأتي الخلافات بين بعض الأطراف لتغليب هذا الاتجاه.
إننا في الحزب اليساري الكردي في سوريا، نعتقد جازمين، أننا بإنجاز وثيقة الرؤية المشتركة هذه، قد قطعنا شوطاً هاماً باتجاه بناء الهيئة التمثيلية للشعب الكردي في سوريا التي ستعتبر سبقاً سياسياً للحركة الوطنية الكردية في سوريا لم تصل إليه بعد فصائل حركة التحرر الوطني الكردية في الساحات الكردستانية الأخرى، ولأنه مشروع بهذه الأهمية، فنحن نتوقع أن تصادفنا عقبات كثيرة، يضعها هذا الطرف أو ذاك، لهذا السبب أو ذاك، وخاصة فيما يتعلق بآليات الوصول إلى المؤتمر، لأن الشيطان كما يقولون يكمن دائماً في التفاصيل.
وفي كل الأحوال فإننا الآن في مرحلة يجب فيها توخي اليقظة والحذر، يجب أن نتمتع خلالها بالمرونة الكافية وفي نفس الوقت بالصلابة الكافية، وسنحارب بكل قوة أي توجه يضع عقبات أمام مشروع الهيئة التمثيلية بهدف هدم ما تم بناؤه، ونعتقد أن جماهير الشعب الكردي يجب لا تكون متفرجة فقط، بل أن تعبر عن موقفها، أن تكون حامية هذه الهيئة التمثيلية، لأن ذلك يرتبط بمصيرها ومستقبلها أولاً وأخيراً.
——
* الجريدة المركزية للحزب اليساري الكردي في سوريا – العدد 321 ايلول 2007

 

لتنزيل مواد العدد كاملا انقر هنا  riyagel_321

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…