إدارات حقائبية عابرة للحدود…

بسام مرعي

في بعض الثقافات يقال عن فلان إنه حقائبي الطباع، أي ذلك الشخص غير مستقر في المكان، والذي يكون في سفر وترحال، حيث لا حالة إستقرار له، نشعر به وكأنه في محطة ترانزيت، وهو بانتظار القطار ليسافر إلى مكان آخر، ليكون ضمن حالة عدم استقرار وبحث عن جغرافيات أخرى مفترضة، وأنا إذ أورد المثال أعلاه، تذكرتُ مايجري الأن في سوريا بشكل عام، وفي مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية بشكل خاص، من بينها المناطق الكردية _ حيث القائمون والمسؤولون عن هذه الإدارات، وكأني بهم مؤقتون حقائبيون غير دائمين، لأنه لا مشاريع تدل على الإستمرارية والاستقرار والإستدامة، نعم هكذا يبدو المشهد العام، وهكذا توضح الوقائع على الأرض، حيث حالة الصراع والعنف والحرب الدائرة في سورية، أفقدت الدولة السورية القدرة على إدارة البلد وحولتها إلى أقاليم متقطعة ومتشرذمة أشبه بأقطاعيات يديرها فصائل مسلحة في مناطق عديدة في سوريا، 
هذه الحالة الغير مستقرة دمرت قدرة الناس على إعالة أنفسهم وأفقدت هذه الحالة توفير الخدمات الأساسية، حيث تم تعطيل الإنتاج الزراعي، ولاح نقصٌ كبيرٌ في توفير الخدمات الاساسية، فيما يتعلق بالمحروقات والخبز والكهرباء، وخدمات المشافي وكذلك تردي شبكة المواصلات والطرقات، إضافةً إلى التراجع الكبير في مستوى التعليم، وهنا يفرض الحديث نفسه عن بنيةٍ تحتيةٍ شبه معدومة أو هشة في أفضل حالاتها. 
مما لاشك فيه أن تشييد البنية التحتية السليمة هي إحدى المسائل التي يجب الإستناد إليها في هذا التقييم، و يُعتبَر بناءها إحدى أهم تحديات الإدارة الذاتية حالياً، وهي تحسين ظروف الحياة المجتمعية ولايخفى على أحد أن البنية التحتية هي أي شيء ملازم للحياة اليومية، أي كل ما يستخدم بشكل يومي. 
وتؤدي البنية التحتية دوراً هاماً ومفصلياً في حركة المجتمع، إذ أنها في حال وجدت وبصورة جيدة، تعمل على تسهيل دوران العملية الاجتماعية وهي شبكة تتكون من موجودات ومن مؤسسات ومعارف لإدارة هذه الشبكة ووسيلة ضرورية إلى تحقيق التنمية المستدامة في آن معاً وبوسعها أن تدفع بأتجاه التماسك المجتمعي والثقة والازدهار أو بالعكس من ذلك قد تدفع إلى عدم المساواة والتهميش والاستبعاد وفقدان السلم الأهلي وبالأخص في مناطق الصراع الحديثة والتي تعتمد بالدرجة الاولى في ضخ الاموال على المجهود الحربي والعسكري  والمؤسسات الامنية الحامية لتلك الانظمة  التي تكون مستبدة على الأغلب وترفض الشراكات الحقيقية لكل فئات المجتمع او وحتى وجود منظمات مجتمع مدني تكون فاعلة فكل شيء يجب أن يكون على مقاسها .     
و يطرح السؤال نفسه؟؟؟ ولكي لا نقع في خانة العموميات والتقييمات غير دقيقة وغير مستندة على الواقع، عن كيفية تقييم أية إدارة (وأنا أتحدث هنا عن إدارة لها من العمر أكثر من سبع سنوات أي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا) ومن خلال أية مقاييس يتم هذا التقييم،
هنا أود أن أذكر جانبين ومجالين أجدهما مهمين في عملية التقييم هذه، التعليم ومن ثم الصحة بالاضافة الى الجوانب الاخرى التي لاتقل أهمية… 
في الجانب الأول تم تدمير الكثير من المدارس بسبب الحروب على داعش، وبالأخص في محافظتي دير الزور والرقة وتم تحويل العشرات من المدارس إلى مقرات عسكرية وأمنية وملاجىء للاجئين أو النازحين من مناطق أخرى من حلب والرقة والدير الزور وعفرين وراس العين وتل ابيض ، ومباني تستخدم لأمور أخرى، وبذلك فقدت العملية التعليمية الكثير من مراكزها التعليمية  طبعا هذا على مستوى المناطق الواقعة تحت إدارة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية. 
 –  عدم شرعية التعليم في مناطق الإدارة بسبب عدم اعتراف النظام والخلافات الموجودة بينهم 
 – نقص كبير في الكادر التدريسي، وتدني مستوى الكادر من ناحية أخرى، والمناهج وأدلجة التعليم في ما يتناسب مع توجهات الأيديولوجية القائمة.   
اذا هناك نقص في شبكة البنية التحتية التعليمية وهنا أقصد من الشبكة: المباني والمعارف اللازمة لإدارتها والمؤسسات المرتبطة بها . 
– النقطة المهمة الثانية هو فيما يتعلق بإدارة الصحة والمشافي والخدمات الصحية حيث هناك نقص كبير في الكادر الطبي على مستوى المنطقة وضمن المشافي العامة، وبالأخص فيما يتعلق بالاختصاصات الدقيقة والمشافي تفتقد التقنيات والأجهزة، وأن وجدت فهي معطلة وبائسة، وهناك شحٌ ملحوظٌ، بالأدوية النوعية والسرطانية وتفتقد المشافي إلى أدنى أساليب التعقيم  
لايوجد في كل مناطق الإدارة الذاتية منشأة دوائية أو معمل دوائي. 
من جانب آخر نحن أمام إدارة لديها الكثير من مصادر التمويل والطاقة والمعابر، ولكن أين تصرف هذه الأموال؟ هل من المفيد صرف الأموال على مشاريع عبثية تحت الأرض ؟
 أم صرفها فوق الأرض وفوق المدن ولصالح الناس ؟ ومثل هذا السؤال الملح… بحاجة إلى عقول نظيفة غير فاسدة وإرادة سياسية حقة للاجابة عليها ؟
3-2-2021

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…