د. محمود عباس
من ضرورات المرحلة القادمة، تحضير البيت الداخلي، قبل أن يبدأ المبعوث الأمريكي الجديد عمله، ويعيد افتتاح الملف الكوردي بمنطق وتعامل مغاير للإدارة السابقة، مع شروط جديدة سيفرضونها على القوة الكوردية، في الوقت الذي سيفتحون فيه صفحات جديدة مع القوى الإقليمية.
معالجة القضايا الداخلية؛ بالأساليب الكلاسيكية الحزبية السابقة، لم تجدي نفعا، أثبتتها مسيرة قرن من الزمن، والتي جلبت فشل وراء أخر، وراكمت من السلبيات بكل أوجهها، وبالتالي لن تنجح في تغيير مسار المستقبل، وعليه لا بد من التفاوض الكوردي-الكوردي على بنود عامة، يتم فيها التنازل عن المصالح الحزبية، كالتركيز على تشكيل هيئات دبلوماسية وإدارية تمثل الشعب الكوردي،
فقد أصبح الشارع الكوردي على شبه قناعة أن الطرفين غير جديين في إنجاح المفاوضات، والمستقبل الكوردي أصبح مرتبط بمفاجئة دولية- أمريكية- على أمل أن يتطلب مصالحها فرض الاتفاق على صيغة ما عليهما، فما جرى خلال الشهور الأخيرة من التلاعب الحزبي، وما جرى في أسواقها لا تبشر بالخير، علما أنهم وعلى الإعلام وفي التصريحات، باللغة الحزبية، يتحدثون عن الخدع المعروفة، تدرج ضمن مسائل خلق الشروط التعجيزية لإرضاخ الطرف الأخر على قبول ما سيتم عرضه.
قضايا عدة ستحتضنها الملفات القادمة، وعلينا أن نقف عليها قد المستطاع، نحن في الحراك الثقافي الكوردي، وتنبيه الحراك الحزبي-السياسي، لأن ما يجري الأن على الساحة الكوردستانية، والتدخلات الإقليمية والتي تزيد من مسافات الشرخ بين الأطراف الكوردية، تساعد على إنجاح المؤامرة الجارية وراء الكواليس. وتندرج ضمن مخططات القضاء على الحضور الكوردي على الساحتين السورية والإقليمية بل والدولية، ومن هذه المسائل.
1 ما تقوم به الائتلاف الوطني السوري، بين فينة وأخرى، وطرق تغييبهم للمجلس الوطني الكوردي عند وضع القرارات والمسائل التي تهم ليس فقط سوريا ومستقبلها بل المتعلقة بالمنطقة الكوردية. فعلى سبيل المثال لا الحصر:
نشرت الجريدة اليومية للائتلاف الوطني السوري، خبرا مفاده، أنها شكلت مكتب خاص لإدارة منطقة، شرق الفرات (الرقة والحسكة ودير الزور). بغض النظر عند عدم وجود عضو كوردي، نلاحظ غياب المجلس الوطني الكوردي في الهيئة، وهنا يتم العمل بهذا الأسلوب تحت حجتين: أولا على أنها لا تريد أن يكون المجلس في مواجهة الإدارة الذاتية، على خلفية أنها في حوار معها. ثانيا على أن المجلس غير راض عن مثل هذه الأعمال التي تقوم بها الائتلاف. وفي الحالتين يكون قد عزل المجلس عن الأحداث، وهمشتها.
التالي هو الرابط المنشور في الجريدة، وهي لا تقل عما كانت تفعله سلطة البعث والأسدين، وتتلاقى ما تطمح إليه سلطة بشار الأسد. كما وأنها عملية خبيثة لفصل المناطق الكوردية في غرب الفرات عن شرقها، وبالتالي يتم تذويب القضية الكوردية في قضية (المواطنة) والتي تمت عرضها ودراستها ضمن عدة حوارات وأخرها ما سنأتي عليها كقضية ثانية.
لهذا من المهم العمل معا على أفشال هذه المخطط، فالمجلس الوطني الكوردي لوحده لن يتمكن من إيقاف المؤامرة، والتي في ظاهرها نشاط من قبل المعارضة، لكن وراء الكواليس مخطط تشترك فيه قوى إقليمية.
2- من المؤسف أن الأخوة الكورد الذين يشاركون في الحوارات والأعمال المتعلقة بقضية الإدارة الذاتية ومخططات القضاء على الحضور الكوردي وبطرق ملتوية كعرض الـ ب ي د أو الـ قوات القسد، كقوة كوردية إرهابية، يتم تكليف الكوردي بها (أما من أعضاء المجلس الكوردي أو المستقلين ضمن الائتلاف أو خارجه) إن كانوا كتاب أو سياسيين، في الوقت الذي يتم فيه عزلهم عن قضايا أهم، كقضية عرض مسألة الهوية السورية، أو الكورد ما بين حق المواطنة والنظام الفيدرالي، وما يتم معالجته في المحافل الدولية، وهنا لا أو أن أذكر الأسماء، فقد تم وللأسف ذلك في كل ما يتعلق بقضية عفرين، من تشكيل الهيئات إلى الجولات الميدانية إليها. ومثلها في الحوارات التي أقامتها عدة مرات (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) وأخيرا ما تم في (مركز حرمون للدراسات المعاصرة والجمعية السورية للعلوم الاجتماعية، بالاشتراك مع مجلة قلمون، تحت شعار “الحرية الأكاديمية الكاملة للباحثين الاجتماعيين“) التابع لـ لنفس المركز. وللتنويه: القضية هنا ليس ما يعرضه أو يقدمه الكتاب أو السياسيين الكورد من النقد، بل في البيئة التي يتم فيها، والجهة التي يكلفون بها الأخوة الكورد، وتحديد الموضوع المطروح حسب أجنداتها. فالمفروض على الأخوة المشاركون في الجولات الميدانية أو المؤتمرات الثقافية أو الحوارات الانتباه إلى هذه الخدع.
3- الإدارة الذاتية وحضورها، في البعدين الكوردي والإقليمي، والتي فيما إذا ظلت محصورة ضمن الإطار الحزبي-السياسي الحالي، ودون توسيعها وإشراك الأطراف الكوردية الأخرى فيها، ستكون مستقبلها على المحك ضمن المعادلات الدولية القادمة من جهة، وفي الواقع الديمغرافي السياسي الجاري من جهة أخرى، والأخيرة هي ما تعمل عليه القوى الإقليمية والسورية، إن كانت معارضة أو سلطة بشار الأسد أو أدواتها الموجودة كقوة ضمن الإدارة الذاتية. وجميعنا ندرك أن تعرض أي طرف كوردي إلى انتقاص في البعد الإقليمي أو الذاتي ضعف للأطراف الأخرى، وقوة طرف هو دعم للأخرين، وبالتالي أن المفاوضات التي امتدت على مدى سنة تقريبا دون نتيجة مثمرة، استفاد منها المتربصون بالكورد، وعليه يجب الانتباه إلى أن العمل على تكوين أو تشكيل مرجعية (وقضية المناصفة في الإدارة) من الطرفين المتفاوضين والمتعارضين إيديولوجية، إلى جانب نشاطاتهم المتناقضة على مدى العقد الماضي لن تثمر عن نتيجة. لهذا يتطلب من الطرفين مواجهة الشارع الكوردي وبشفافية، ودون الخدع الحزبية (رغم انهما لا يمثلان سوى جزء من الشارع الكوردي، لكن الظروف وقوى فرضتهم، وعليهم تحمل عبئها) فالرغبة لوحدها لا تكفي لإنجاح المفاوضات، بل لا بد من العمل السياسي لا الحزبي، وفي الأولى يتم التنازل عن الكثير من أجل قادم أمتنا، ومنطقتنا، ومن الأهمية التنويه إلى أنه بدون (الفيدرالية الكوردستانية) ودون التلاعب بالمصطلحات، ستكون قادم سوريا بذاتها على المحك، وستكون تهميشا للقضية الكوردية، والتي تحاول الأطراف الإقليمية والسورية عرض قضية (الهوية السورية) على الكوردي؛ وحقوق (المواطنة) ضمن إدارة ذاتية مصغرة محصورة في جغرافيات مشتتة، يثبتونها في الدستور القادم، وهي النقطة الوحيدة التي لا تتعارض عليه المعارضة والسلطة، وبالتالي فنحن من نستطيع أن نغير من معادلة عزل الكورد كشعب وقضية ضمن سوريا القادمة، أو ترسيخها ومن خلال تعاملنا مع بعضنا وتبيان ثقلنا على المحافل الدولية والإقليمية.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
22/1/2021م