أحمد مرعان
لولا فسحة الأمل لانفطر الجرح ولم يندمل.. حتى الفقراء ببلادي يستحملون الجوع على أمل.. والآمال قد تتحقق وقد تخفق وهنا مكمن الخطر.. ربما نفتقد الخطوات السليمة والمضنية ولا نفقد الأمل..
تُرى هل هذا نتاج تربية متوارثة أم هو بسبب اتكالية إشكالية بحكم القدر.. أم هو ضعف في موازين القوى التي لا نمتلكها أم قوى تتحكم خفية عن البصر..
نطمح والطموح مشروع ، ونرضى بالقليل إن فقدنا الأمل..
قوانين الطبيعة ثابتة فبعد الشتاء يزهو الربيع ويثمر الشجر.. أما قوانين البشر فما أبشعها من صور وما أشبهها بقوانين الحظائر والتتار..
في النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي تشكل حزب سياسي كردي على أيدي مجموعة من الشباب الكرد، من مختلف المناطق الكردية في سوريا. هدفه النهوض بالأمة الكردية والمطالبة بحقوقها القومية والثقافية.. وما أن تبلورت الحركة الكردية، حتى تعرضت إلى ضغوط الحكومات الإقليمية، والملاحقة والنفي والاعتقالات ، وكانت الشخصيات المتمثلة بالقيادة محط إعجاب وتقدير من قبل الشعب الكردي المتعطش للحرية وذلك لجهودهم وتضحياتهم التي لم تلن، مقابل آلة التعذيب النفسي والجسدية والترهيب، التي مارستها تلك السلطات، وإقصاء أبناء الشعب الكردي من تسلم المناصب الوظيفية الرفيعة، بحجج واهية وبتهمة الدعوة إلى الانفصال، وهذا مما أدى إلى انضمام أغلب الشباب المثقف والجامعي إلى الأحزاب التي رأت فيها إمكانية توظيف الطاقات والتطلع إلى مستقبل واعد، بتحقيق البنود المثالية الواردة في النظام الداخلي للحزب، والأمل بتحقيق الأحلام المبتغاة للجيل المؤمن بعدالة قضيته، وبأن الثورات التي أطاحت بحكامها المستبدين والطغيان الممارس بحق شعوبهم وحققت النجاح كالثورة الإنكليزية والأمريكية والفرنسية والروسية والصينية والجزائرية، وآخرها” الثورة الإسلامية” في إيران، ويا ليتها ما كانت..
وسرعان ما عملت السلطات فعلتها بتشرذم القيادات ونشر صلاحية تشكيل أحزاب أخرى سرياً وفق قاعدة ( فرق تسد )
وبذلك فاق عددها العشرات، في زمن الأسدين، على مستوى سوريا ، وهذا مما أدى بدوره إلى البحث عن مكانة اجتماعية لائقة لما أثارت له من مقومات الشخصية خفية، دون علم الجماهير لروابطها السرية مع أجهزة الأمن السورية.
إلا أن كما يقال:
ذاب الثلج وبان المرج واتضح للجماهير مدى خذلان بعض تلك القيادات التي تمثلها في المحافل الدولية والإقليمية ناهيك عن مدى الخساسة والردة والمساومة اللامجدية، لدى أنفار، فقط للاحتفاظ بالألقاب حتى ثارت مدينة القامشلي بربيع ٢٠٠٤ في وجه الفتنة التي افتعلها النظام لغايات مبيتة، وكانت ردة فعل الشارع الشعبي والعفوي أقوى من طبول القيادات المنتصبة ، وهنا استيقظ الشعب من غفلته وتبين له مدى سذاجة القيادات المتحكمة دون جدوى ويبدو أنها كانت مرهونة تحت الضغط والتهديد والاعتقال ..
ورأت الشريحة الواعية والمثقفة الصادقة عدم القدرة على الاستمرار في المساومة أكثر من ذلك وهي التي تعيش على أمل الإصلاح ، ومن هؤلاء من اختار سبيله إلى الكتابة بأشكالها المختلفة لتفريغ هواجسه بأسلوب أدبي بعيدا عن لغة التسيس والتخوين.
ومازالت تلك الشريحة الشريفة تمارس مهامها ونشاطاتها فأصبح منهم اسماء لامعة أثبتت حضورها على الساحة الدولية في جميع المجالات، وبذلك أيقن الشارع مدى مصداقيتها، ووسع آفاقها في قراءة التاريخ والأحداث ، وحتى كما يقال قبل الحدث نتيجة الخبرة في التقاطعات للسياسة الدولية والإقليمية.
وبكل أسف ابتعد الكتاب والمثقفين الكرد والمختصين بالعلوم المختلفة عن إيدلوجيا السياسة الملعونة للأجندات المقيدة التي تحاك خلف الكواليس وخاصة بعد قيام الثورة السورية في عام ٢٠١١ وديمومتها بلا غالب ولا مغلوب، سوى التدمير وظهور تجار الحروب في كل صوب وحدب، والمتاجرة بدماء الأبرياء على مساحة الوطن، بشكل كامل حتى باتت سوريا مقسمة على أرض الواقع وكلما مر الزمن ازداد الشرخ والجرح من دمار وتخريب وسلب ونهب بأشكاله المختلفة وأصبح العيش فيها لا يطاق، وخاصة لندرة المواد وشحها وغلاء أسعارها وبالأخص المواد الضرورية، نتيحة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية التي باتت لا تصدق ..
والآن ونتيجة الصحوة وما آلت إليه الأحداث القائمة في المناطق الكردية بشكل خاص والسورية بشكل عام ،مما أدى إلى هجرة العقول بشكل خاص والسوريين بشكل عام خوفا على اولادهم وحياتهم ومستقبلهم .
ومن هنا لخصوصية القضية الكردية على الساحة الدولية، فالدعوة قائمة إلى حل جميع الأحزاب السياسية إن أمكن، ودمجها بأيدلوجيا واقعية تحت مسمى حزب أو اثنين على الأكثر، وفق أجندات تخدم القضية وبمشاركة الشريحة الأعظم من المثقفين من جميع الاختصاصات بحيادية مطلقة، ومن لهم الباع الطولى بالممارسة والتمكين والنزاهة للنهوض لتطلعات الشعب والقضية الكردية في الأجزاء المحكومة بأنظمة الدول الإقليمية المتحكمة بمصير أبناء جلدتهم ، ولكن ضمن قانون ودستور يصون الأهداف المنشودة بشكل قانوني دون تمجيد شخصيات صورية بذاتها ونظريات منسوبة دون اساس .
وتشكيل لجان مراقبة ممن يمتازون بالقدرات والشخصية الاعتبارية لمحاسبة من تسول له نفسه للانقياد لأجندات خارجية مشبوهة تضر بالأهداف والقضية .
وما أكثر الشخصيات التي يمكن التعويل والاعتماد والتوكل عليها في صيانة وصياغة هكذا مهام وقيادة الأمة إلى الخلاص ورد الاعتبار ، وإيصال معاناة الشعب والقضية إلى المحافل الدولية بمصداقية ، ولا يخفى على أحد بأن المثقفين الكرد انتشروا في بلاد الغرب والغربة، نتيجة المعاناة في بلادهم، وها هم يمارسون قناعاتهم ونشاطاتهم دون رقيب ولا عتيد، ولديهم إمكانات الوصول إلى الغرف السرية في الدول التي يقيمون فيها، والتعريف بقضية شعبهم ومدى إمكانية العون والمساعدة في المرحلة الراهنة على الأقل .ولا يخفى بأن حل قضيتنا أصبح بحاجة ماسة إلى الدعم الدولي لفرضها كحلول على الدول الإقليمية المتقاسمة..
وبالتالي تكاتف القوى السياسية الكردية على قلب رجل واحد ، وهذا ما نأمله من الأيادي البيضاء والغيورين اللذين يقولون ويفعلون…
( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) صدق الله العظيم ../..